يجب ألاّ نقلل من الشعور بالملل كعامل من عوامل الاغتراب طالما أنّ وسائط الإعلام ضرورية لسياسة رصّ الجماهير. قضية كسب الديمقراطية هي إيمان مصر الموحّد، وهي الأمر الحيوي المؤجّل من يوليو1952 علينا ألايتوقّف مستقبلنا عند مرسي أو شفيق لتأتي الانتخابات الحرّة النزيهة بأقدر مايمكننا بأحدهما. معظم الذين شاغبتهم لأستطلع رأيهم فيمن استقرّ عليه اختيارهم كرئيس ،كانوا يدلّون علي شيء آخر غير اسم المرشّح أو توجّهاته أو وعوده وبرنامجه والفريق الذي ينتمي إليه! تسألون ماذا أنجزت 25يناير؟ أجيبكم بأنه مجتمع الجماهير يوشك أن ينبثق، يبدأ سنوات نضجه ويحتاج إلي القوة السياسىّة التي تنظّم تعاونه لتمشية نفسه. الناس العادية لم يعد سائق التاكسي الذي أجلس إلي جواره مجرّد فرداني يصعب تقويمه ، يكاد يصارع من أجل البقاء وحيدا ضدّ زبونه، ورجال المرور وكتل العربات في الشارع . وأهمّ من أن تكون إجابته بأنّه لايزال يقلّب الفكر لاختيار أحمد شفيق في انتخابات الإعادة لمنصب الرئيس، صادمة للثوريين والمتحمّسين، علينا أن ندقّق في حصول شفيق علي أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون من أصوات الناخبين في اقتراع غير مشوب بالتزوير ! وأكثرما يجب أن نحرص عليه في إجابات الناس العاديين وما أدعوكم للتفكير فيه بعد تجلّي نتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية ( الإعادة بين محمّد مرسي مرشّح الإخوان- بما للجماعة في حياتكم وذاكرتكم - وبين الفريق أحمد شفيق- وماصبّه عليه الكثيرون من قبل ومن بعد) ، ليس من شيء نحرص عليه أكثر من أن نعرف كيف نستمرّ، نفتح أمام ثورة يناير الطريق لخلق مجتمع تعدّدي حرّ. أقول لكم إنّ دم الشهداء وتضحياتهم ليس معلّقا بقطع رقبة مبارك والمحبوسين في طرة، وأنّ آمال الفقراء ليست معلّقّة باسترداد المليارات التي سرقت، إنّما بألاّنفقد شجاعتنا وعزمنا علي أن نناضل من أجل اقتناعات الشهداء - دولة الحرّية والكرامة والعدالة الاجتماعية. دولة جديدة مفارقة ومختلفة لما كان قائما لآلاف السنين، منذ أقام الآباء المؤسسون من أجدادنا الفراعنة أوّل دولة مركزية في العالم. وهي مهمّة أخلاقية يندر ألاّ تسقط حولها تضحيات وقلاقل ولن تقوم في فترة انتخابية واحدة .. ومهما ادّعي بعضنا، أو تحمّس أو دغدغ مشاعرنا الدنيوية والدينية،فلن تخرج المهمّة عن ماهية بناء " مجتمع مدني" يتضمّن العديد من المطالب الأساسية. يجب أن يكون هناك دستور، يحدّد معالم هذه الدولة ونفوذها وسلطاتها والعلاقة بين هذه السلطات بدءا من رئيس الجمهورىّة . بما يتيح لنا خلق أشكال من المجتمع علي المستوي القومي والإقليمي والمحلّي والمهني نابعة من الناس، تطوعىّة وصادقة وديمقراطىّة أوّلا وأخيرا. الإعلام وكلّ شيء ليس محكوما ولامسيرا من جوقة إعلام جثمت علي صدور التحليل والتعليل والتعريف، نفس الأسماء ونفس الوجوه ، والشاشة هي من الأشياء الأكثر إغراء وفي نفس الوقت من أقلّها عدالة في التوزيع . ويجب ألاّ نقللّ من الشعور بالملل كعامل من عوامل الاغتراب، طالما أنّ وسائط الإعلام ضرورية لسياسة رصّ الجماهير بينما تثبت فشلها وعجزها غالبا عن توفير شعور بالاستمرار إزاء كثير من القضايا في إطار من الوعي الليبرالي البرجماتي لطبيعة وطابع مجتمع يتخطّي ماضيا مثخنا بالبلاوي والبلايا، ومن حقّه وفي مقدوره أن يتطلّع إلي عصر حديث، ومعظم الدنيا تقرّ له بذلك . هذا الوعي الاجتماعي العام الذي نفخت في روحه ثورة يناير،تتحمّل مسئولىّة في تفتيته الآن ،الصورة التي تساهم في بنائها وسائط الإعلام نفسها. والكتابة والبثّ التليفزيوني يشيعان ويشتهران بالشهوة للتركيزعلي أولوىّة الصورة الشعبية العفوية، اكثر من تشكيل أهداف أوسع تركّز علي القضايا المتعلّقة ببلد وشعب يسعيان لكسب الديموقراطية. القضية المؤجلة وقضية كسب الديمقراطية هي إيمان مصر الموحّد، هي الأمر الحيوي المؤجّل من يوليو1952 ومن وجهة نظر الليبرالي الذي يري نفسه قوّة تقدّمية تناضل من أجل العدالة الاجتماعية ،لايوجد غير الثقة بالنفس والجهد الإرادي ومقاومة الشكوك في قدرتنا علي هزيمة الماضي وهو ما أكّده قيام الثورة ونجاحها في إزاحة حسني مبارك. ولعلّنا نعترف بأنّ نتيجة ممارسات عمليات التصويت منذ نجاح الثورة، هو نتاج لها كما أنّه رد فعل ضدّها من الاستفتاء إلي انتخابات البرلمان إلي انتخاب الرئيس . وهو الذي يخلق الآن بوضوح هذه الاستجابة المتناقضة التي أبداها مناصرو الدولة المدنىّة الديمقراطىّة أمام التحدّي الأسود - فوز محمّد مرسي الذراع السياسي للإخوان أو الفريق شفيق بما يحمله علي كاهله من آثار ماضي مبارك وآثار الشكّ في المؤسّسة العسكرية . وظهرت الدعاوي الغريبة إلي اتفاقات لاتحمل أي مصداقية للديمقراطية، واستسهل بعض الشباب الحلول واغتاظوا وحنقوا، وأعلنوا علي الفيس بوك أنّهم سيعصرون الليمون علي أنفسهم ويختارون مرسي مقابل شفيق ! مصحوبا ذلك بالتبرير الفكري المريع لعقد اتفاقات مع الإخوان ! واختلط الأمر علي الليبراليين، وبدأ الاضطراب وتحوّلت قيم كشف وهزيمة الدعوة والنشاط إلي الدولة الدينية ودولة الخلافة كأكبر خطر وأكبر عرقلة عطّلت انطلاق الثورة ، إلي أمور تكتيكية بشكل واضح. والفترة الانتقالىّة تزوّدنا بدرجة لابأس بها من الإلحاح علي الطريق الذي نسلكه كاختيار ديمقراطي.. نختار مرسي رجل الجماعة وصناعتها وكادرها وطوبتها التي رشّحتها وفي أىّام قلائل جمعت لها التأييد الناتج عن تغلغل الجماعة وعهدها باستثمار الدين وتأليف القلوب بالعطايا والخطب في المساجد، فحاز المركز الأوّل ! أكان للرجل تاريخ سياسي أوكفاح للحصول علي النتيجة غير ماذكرته ؟ وهل يتوقّع له أحد ولنا مستقبلا إلاّ ما ستمليه عليه الجماعة وتاريخها ومرشدها ومشروعها ودولة الخلافة القابعة في مؤخّرة الرأس ؟ ألم يكن خيرت الشاطر نائب المرشد هو المرشّح المفضّل قبل الدكتور مرسي ؟ أم يضطّرّنا عدم الاطمئنان إلي هذا كلّه إلي اختيار شفيق الذي عاصر رأس الماضي وهي تطير؟ ويكاد في مؤتمره الصحفي بعد إعلان النتيجة يعي الدرس وهو يعلن أنّ الماضي لايمكن أن يعود. والماضي حقيقة هو غياب الديمقراطية، والنهاية لرؤساء عهود الجمهورىّة الأولي، عبدالناصر والسادات ومبارك لم يأت مأساوىّا إلاّ لاعتمادهم علي نظام حكم ديكتاتوري غىّب الأحزاب أو همّشها، وحكم بقانون الطوارىّ، وحرّم المظاهرات وفرض الرقابة علي الإعلام.. والأهمّ أين نحن في اختيارنا من الأسطورة التي نتغنّي بها وأشاد بها العالم،"صوت الشعب " عبقرية العقل الجماعي،أين وقفت من بدء الفترة الانتقالية وأين تتّجه؟ وفهمها الغريزي أو الحدسي للحقيقة يفقد الإخوان والجماعات التي ترقص علي إيقاعها أكثرمن عشرة ملايين صوت علي مدي شهور حتّي أنّها توشك أن تنبطح . إنّنا نتعامل مع مشكلة غاية في التعقيد في حالة من الحرّية والقدرة علي التمرّد وحرّية التظاهر والاعتصام وعلينا ألاّ نستهلكها في الضياع إنّما في انتاج أفكار جديدة. وهناك تشكيلة من أحزاب وبرامج واتّجاهات لم تتمكّن في الواقع أن تمثّل رسالة واحدة، ونزل للاتّجاه الديني أكثر من مرشّح كما نزل لليبراليين واليساريين. وعلينا ألايتوقّف مستقبلنا عند مرسي أو شفيق ،لتأتي الانتخابات الحرّة النزيهة بأقدر مايمكننا بأحدهما . ارفعوا وصايتكم عن الشعب،احترموا صوته الانتخابي وانتقدوه إن لم يعجبكم! ألم تكن عقيدتكم أنّه سلبي ولايزال؟ وآه لونزل الميدان كلّ من له حقّ الانتخاب، سوف يكون قريبا ذلك اليوم الذي نتمكّن فيه من القضايا الأولّية في السياسة والاقتصاد لن يخرجها من الأعماق شخص فرد أو زعيم إنّما هي صناعة شعب، وللحزاني الغاضبين علي جهد حمدين صبّاحي وأدائه، أذكّرهم بأنّه كان بين ظهرانينا جمال عبد الناصر بذاته فلم يتمكّن من خلق هذا الإجماع التحتي الذي علينا أن نوفّر له الوقت والمناخ. وهو في السياسة يقول: ليس هناك ديموقراطية إسلامية أو اشتراكية،بل هناك ديمقراطية فقط يرسمها دستور نتوافق عليه وتصنع لنا شرعية واحدة لاتتمحّك في مرجعية البعض واعتقاداتهم وتتحىّن وتنتهز الفرص لفرضها علي الجميع . وهذه المرجعىّة تتيح لنا دولة مدنىّة ديمقراطية تخضع لحكم الدستور والقانون الذي يضمنه استقلال القضاء. ويفرض التحوّل إلي مثل هذا النظام مشاكل فريدة تحتاج إلي البحث عن حلول أصيلة لتحقيق رعاية اجتماعىّة قوىّة في مختلف الميادين .