فيديو.. أحمد موسى لمحافظ القليوبية: ليه تشيل خبر قطع الكهرباء وقد حدث بالفعل؟    للمرة الثانية.. تعليق جلسة للبرلمان الفرنسي بعد رفع علم فلسطين    وزيرا خارجية السعودية وأمريكا يناقشان مقترح بايدن بشأن الأوضاع في غزة    الخارجية الأمريكية: هناك من يعارض صفقة إطلاق المحتجزين داخل الحكومة الإسرائيلية    «لم نجبره».. باريس سان جيرمان يفتح النار على كيليان مبابي    تشكيل منتخب إيطاليا أمام تركيا استعدادًا لنهائيات يورو 2024    فيديو.. الأرصاد عن الموجة الحارة الحالية: الذروة لم تأتِ بعد    رئيس جامعة الأقصر يفتتح مشروعات تخرج طلاب ترميم الآثار    مهرجان جمعية الفيلم يحتفل بمئوية عبدالمنعم إبراهيم    خارجية أمريكا: هناك من يعارض داخل حكومة إسرائيل صفقة إطلاق المحتجزين    عزة مصطفى عن زيادة ساعات انقطاع الكهرباء: أرجوكي يا حكومة ده مينفعش (فيديو)    اجتماع أيقونات عين الصيرة.. كيف روج تركي آل الشيخ ل«ولاد رزق 3»؟    ديشامب يعلق على انتقال مبابى الى ريال مدريد ويشيد بقدرات نجولو كانتى    إحالة متغيبي مدرسة حاجر جبل هو الابتدائية بقنا للتحقيق    الخارجية الأمريكية: وقف إطلاق النار في غزة مقترح إسرائيلي وليس أمريكيا    «القاهرة الإخبارية»: سلوفينيا تستعد للاعتراف بدولة فلسطين الشهر المقبل    إصابة سيدتين وطفلة في حادث تصادم بالصحراوي الغربي شمال المنيا    موعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 2024    طريقة عمل قرع العسل، تحلية لذيذة ومن صنع يديك    رئيس«الرقابة الصحية» يتسلم جائزة الإنجاز المؤسسي ب«قمة مصر للأفضل»    الصحة توجه نصائح للحجاج لتجنب الإصابة بالأمراض    شقيق المواطن السعودي المفقود هتان شطا: «رفقاً بنا وبأمه وابنته»    المؤتمر الطبي الأفريقي يناقش التجربة المصرية في زراعة الكبد    حسام حسن: لم أكن أرغب في الأهلي وأرحب بالانتقال للزمالك    إجلاء مئات المواطنين هربا من ثوران بركان جبل كانلاون في الفلبين    القائد العام للقوات المسلحة يفتتح أعمال التطوير لأحد مراكز التدريب بإدارة التعليم والتدريب المهنى للقوات المسلحة    لاستكمال المنظومة الصحية.. جامعة سوهاج تتسلم أرض مستشفى الحروق    رسميًا.. طرح شيري تيجو 7 موديل 2025 المجمعة في مصر (أسعار ومواصفات)    استعدادا للعام الدراسي الجديد.. التعليم تُعلن تدريب معلمي المرحلة الابتدائية ب3 محافظات    وزير الخارجية الإيطالي: لم نأذن باستخدام أسلحتنا خارج الأراضي الأوكرانية    خالد الغندور يرد على اعتذار سيد عبدالحفيظ    المنتج محمد فوزى عن الراحل محمود عبد العزيز: كان صديقا عزيزا وغاليا ولن يعوض    الداخلية تواصل تفويج حجاج القرعة إلى المدينة المنورة وسط إشادات بالتنظيم (فيديو)    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة مع نهاية تعاملات اليوم الثلاثاء    لحسم الصفقة .. الأهلي يتفاوض مع مدافع الدحيل حول الراتب السنوي    فليك يضع شرط حاسم للموافقة على بيع دي يونج    ونش نقل أثاث.. محافظة الدقهلية تكشف أسباب انهيار عقار من 5 طوابق    فرحات يشهد اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بالعاصمة الإدارية الجديدة    عيد الأضحى 2024| ما الحكمة من مشروعية الأضحية؟    حكم صيام ثالث أيام عيد الأضحى.. محرم لهذا السبب    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    تعليمات عاجلة من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2024 (مستند)    "تموين الإسكندرية" تعلن عن أسعار اللحوم في المجمعات الاستهلاكية لاستقبال عيد الأضحى    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    ضبط 48 بندقية خلال حملات أمنية مكبرة ب3 محافظات    إصابة 4 أشخاص في حادث سير بالمنيا    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    أمير هشام: كولر يملك عرضين من السعودية وآخر من الإمارات والمدرب مستقر حتى الآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رحلة عطاء استمرت 50 عاما محمد الفيتوري.. وشعرية الانتماء الأفريقي والعروبي
نشر في القاهرة يوم 22 - 05 - 2012


* كان يحاول أن يكون الصوت المعبِّر عن مأساة جماعية حيث لا مكان لتلك «الأنا» الرومانسية المُعذّبة * أحس بمأساة الزنجي - في بداياته - إحساسًا فرديا يستشعر الكثير من الحرج حين ينظر في المرآة فلا يري غير وجه أسود فقير من الجمال (.. ما هذا الشعر الذي تكتبه يا أخي؟.. لقد فضحتنا!.. إني أكرهك... !!) .. بوغت الشاعر السوداني الكبير محمد الفيتوري بهذه العبارات الحادة والجارحة وقد صوِّبت إليه من أحد مواطنيه السودانيين بُعيد صدور ديوانه الأول ( أغاني إفريقيا) سنة 1955م ، وربما كانت مغضبة المواطن السوداني الثائر علي الفيتوري - آنذاك - ناشئة عن تعرية الفيتوري للواقع الزنجي الأسود الذي يراه البعض عارًا أو عورة يجب التستر عليها، ربما كانت هذه القضىّة : (القناع الزنجي الكثيف الذي يحول دون تمتع حامله بأبسط حقوقه في الحياة) قضية من المحظورات العرقية التي يستشعر صاحبها الكثير من الحرج حين يخوض في حيثياتها؛ بينما يقول الفيتوري : (.. قلها لا تجبن .. لا تجبنْ.. قلها في وجه البشرية أنا زنجي .. وأبي زنجي الجدِّ وأمي زنجيهْ أنا أسودُ.. أسودُ لكني حرّ أمتلك الحريهْ ..!! ) واقع قبيح كانت هذه بدايات الفيتوري، وقضيته الشعرية الكبري في مطلع حياته.. التي عبر عنها بقوله: "أردت أن أفضح واقعنا اللاإنساني الأسود .. لن أسمح لنفسي بتزييف هذا الواقع القبيح". علي أن هذه الرؤية التي استحوذت علي الفيتوري شاعرًا شابًا؛ تلك التي لم تكن تروق لمواطنيه السودانيين ذوي البشرة السوداء من حيث هي تعرية للواقع الاجتماعي وفضح لجوانب إنسانية يحظر - باعتبارات الحرج النابع من الخصوصية الإنسانية - الخوض فيها ؛ تلك القضية التي أعاد الروائي السوداني الكبير الطيب صالح طرحها - فيما بعد - بشكل رائع في روايته : موسم الهجرة إلي الشمال من خلال بطله السوداني الأسود ( مصطفي إسماعيل ) الذي يرفضه المجتمع الغربي بسبب هذا القناع الأسود . أقول إن إثارة هذه القضية - علي هذا النحو - كانت محل رفض - أيضًا - من كبار النقَّاد والمثقفين علي شاكلة الناقد الكبير محمود أمين العالم، الذي لم يكن يري أن ثمة قضية خاصة للسود، المشكلة - كما يراها أمين العالم - ليست مشكلة أبيض وأسود. فالأبيض والأسود كلاهما يرزحان تحت نير الاستعماري الرأسمالي. وهذا الطرح تفتيت للقضية وتمزيق طبقي لا وجود له علي أرض الواقع! كان إحساس الفيتوري بمأساة الزنجي - في بداياته - إحساسًا فردىًّا، يستشعر الكثير من الحرج حين ينظر في المرآة فلا يري غير وجه أسود فقير من الجمال. ويري أن مأساته الإنسانية الكبري يصنعها هذا الوجه. وكانت مراهقته فىّاضة بالإعجاب بشخصيات استطاعت بطولتهم تجاوز هذا القناع العنصري البغيض، علي شاكلة عنترة العبسي، وأبي زيد الهلالي سلامة. لكن إحساسه بهذه المأساة وجّهَه إلي الشعر، وإلي الشعر - علي وجه خاص - حين استشعر أن المجابهة القوية لهذا القيد لن تكون إلا من خلال الخلاص الإبداعي والفني الذي يسمو بالإنسان ويرتقي به . مأساة جماعية ولم يكن إحساس الفيتوري - رغم معاناته الفردية - محض شعور ذاتي مجرد. كان الفيتوري يحاول أن يكون الصوت المعبِّر عن مأساة جماعية، حيث لا مكان لتلك ( الأنا ) الرومانسية المُعذّبة، ولا موضع للمساحة الفردية المنغلقة علي ( ذات مقهورة مغبونة تستنجد وتبحث عن مخرج للخلاص ) . إن ذات الفيتوري مجرد نموذج للوجع الجماعي العام. والمساحة الجماعية أعمّ وأشمل، يقول الفيتوري : (.. إن نكن سرنا علي الشوك سينينا .. ولقينا من أذاه ما لقينا .. إن نكن بتنا عراةً جائعينا .. أو نكن عشنا حفاةً بائسينا .. ...... فلقد ثرنا علي أنفسنا .. ومحونا وصمة الذِّلة فينا .. ) علي أن الفيتوري - فيما بعد - لم يبق أسير هذه المرحلة الإفريقية التي أسفرت عنها عنواين دواوينه الأولي: (أغاني إفريقيا 1955 / عاشق من إفريقيا 1964 / اذكريني يا إفريقيا 1965 / أحزان إفريقيا 1966) ، وإن ظلت تلوح فيما وراء ذلك دون أن تخفي تمامًا. فمن الجوانب الهامة التي لا يمكن أن نغفل عنها : حضور الهمّ العربي في شعرية الفيتوري، واهتمامه بالقضايا العربية الكبري، وإحساسه المفرط «الذي لا يقل عن تجربته الزنجية» بالكيان العربي الكبير من المحيط إلي الخليج. والحق أن وصف الفيتوري بكونه «شاعرًا سودانىًا» فيه الكثير من الغبن للرجل، يقول الفيتوري : «لو سألتني في أي أرض ولدت لكانت اجابتي أسهل؛ لانني ممن يؤمنون بوحدة الأرض العربية، وهكذا تختلط في عيني الحدود الجغرافية مادامت داخل هذه الأرض، وتتداخل التجمعات السكانية مثلما تتداخل الأزمنة والخصائص واللهجات» ومن هذا المنطلق يحق لنا - عن جدارة - مشاركة إخواننا السودانيين في الانتماء لهذا الشاعر، فهو شاعر عربي قبل أن يكون سودانيا. وقس هذا الأمر علي شعرائنا العرب القدامي، أليس من الخطل أن يقال عن المتنبي «الشاعر العراقي»، أو يقال عن أبي تمام «الشاعر السوري»؟ إن هذين الشاعرين وغيرهما ممن يعيش تراثهم في وجداننا ومشاعرنا شعراء عرب لا ينازعنا في الاستحواذ عليهما أهل الشام ولا أهل العراق. والفيتوري - وإن يكن شاعرًا عربيا بإبداعه وفنه - شاعر عربي بنسبه العربي الممتد إلي أكثر من قطر، فهو سوداني المولد ، ينتمي إلي قبيلة ( المغاتير ) التي نزحت من ليبيا إلي السودان، ولها فروع مازالت مستقرة هناك. أما أمه فهي مصرىّة؛ غير أنها تنتمي إلي قبيلة الجهمة التي نزحت من الحجاز إلي مصر. وقد قضي شاعرنا شطرا من حياته في مصر حيث تلقي تعليمه، وشطرًا في ليبيا بعد حصوله علي جنسيتها، وفيما بين هذين الشطرين تلقفته عواصم عربية عديدة دون أن يهدأ في واحدة منها، أو يستقر في أخري!! ويمكننا أن نمثل لهذه الرؤية العروبية الشاملة في تجربة الفيتوري من خلال أبيات نقتبسها من قصيدته: ( القادم عند الفجر ) التي كتبها في رثاء عبد الناصر ، ونشرت في ديوانه : ( البطل والثورة والمشنقة ) 1972م : ( .. وكأن يد العربي الأول، تشعل كل مآذن مكة ... في ليل الصحراء .. يدك .. وكأنك كنت تقاتل تحت لواء محمد .. في مجد الإسلام. .... ورحلت غريبا تحملك الأيام . كي تبصرَ ظل جوادك عبر مواني بحر الرومِ .. ونبني أهراماتِ أمىّة فوق جبال الشامْ. وحين تجيء سحابة هولاكو التتري .. وتزحف أذرعة التنينِ .. وتنهار الأشياء جميعًا .. تولد ثانيةً في عصر صلاح الدينْ . .... إني أصغي لصدي خطواتك في أرض فلسطينْ أو أنت القادم عند الفجر إلي أرض فلسطين؟ ) إن قضية موت عبد الناصر في هذه القصيدة ليست مجرد حادث عارض، أو مناسبة يمكن اختزالها في قصيدة رثاء. فعبد الناصر هو القومية العربية والوحدة الكبري، وكل الأحلام العربية المأمولة. ومن ثمّ يتحوّل عبر شاعرية الفيتوري إلي فكرة مجرّدة تعبر عن النضال المستمر، فكرة ولدت مع مولد العربي الأول ، وتنامت مع تاريخ العروبة والإسلام مرورًا بأمجاد أمية ، وبطولة صلاح الدين الأيوبي، وانتصارات العرب علي هولاكو ... إلخ ، ونحن في انتظار مبعثها وولادتها من جديد علي أرض فلسطين. لا أظن أننا نستطيع - في هذه الكلمات الوجيزة - أن نبسط الحديث عن شعرىّة الفيتوري الثرىّة. ولا عن محاورها العديدة، تلك المحاور التي تنامت وتطورت - فنىًّا وموضوعىًّا - عبر رحلة عطاء تزيد علي خمسين عامًا. لقد اكتفينا - فقط - بالإشارة إلي جانبين كبيرين وبارزين من جوانبها المتعددة. وسيبقي الفيتوري - قطعًا - علمًا كبيرًا من أعلام الشعر العربي المعاصر، وواحدًا من أقطابه البارزين.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.