تتسم موسيقي الباليه بالغنائية وبجمال الألحان المعبرة شديدة الحساسية صمم رقصات بحيرة البجع في البدايات «جوليوس راسينجير» ثم حدث عدة تعديلات علي اللحن والرقصات حتي وصلت لشكلها الحالي عام 1895 . قدمت علي المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية في الأيام القليلة الماضية واحدة من أهم الباليهات العالمية الكلاسيكية وهي بحيرة البجع إحدي روائع المؤلف الموسيقي الرومانتيكي الروسي "بيتر اليتش تشايكوفسكي" صاحب أشهر ثلاث باليهات عالمية «الجمال النائم»، «كسارة البندق»، وبحيرة البجع والتي تتضمن أربعة فصول استعراضية موسيقية راقصة في باليه درامي ألفها عام 1876 بناء علي تكليف من مدير مسرح أوبرا موسكو، وكتب كلماتها بالروسية المؤلفان "بيجتشيف" و"فاستلي جلتزر" عن أسطورة شعبية ألمانية قديمة ، وعرضت لأول مرة علي مسرح البولشوي بموسكو في 4 مارس عام 1877 . وتدور قصة الباليه حول الأمير "سيجفريد" الذي تلح عليه والدته لإيجاد الفتاة المناسبة للزواج لتصبح أميرة البلاط علي أن يتم ذلك في حفل عيد ميلاده ،وبعد جدال معها بسبب رفضه الزواج بالطريقة التقليدية دون حب متبادل ،يقرر الأمير ترك البلاط والخروج إلي حديقة القصر ،وأثناء ذلك يلفت نظره سرب من البجعات فيقرر ملاحقته ،لكنه يفاجأ بأن البجعات هن أميرة ووصيفاتها انتبهن إلي وجود غريب ، وبعد اطمئنانها له تقرر الأميرة البجعة أن تقص حكايتها علي الغريب ،ومن تلك الحكاية نعرف أنها تدعي «أوديت» التي سحرها « فون روتبارت» لسبب مجهول وتركها بحيث تصبح بجعة في النهار وأميرة في الليل ، ولا يزول سحرها إلا إذا تعرضت لقبلة حب صادقة ،ثم يفتن بها الأمير "سيجفريد" ويعدها بتقديمها إلي أمه في الحفل المقام داخل البلاط ليتزوجها .إلا أن هذا المشهد الرومانسي ينقطع بظهور الساحر "فون روتبارت" المفاجئ ، فيقرر الأمير قتله لكن أوديت تمنعه لأن ذلك يعني بقاءها بجعة للأبد ،وفي الفترة التي تسبق الحفل وخوفاً من زوال السحر يقوم "روتبارت" باختطاف "أوديت" وحبسها في قصره ، ويسحر ابنته "أوديليا" لتشبه "أوديت" تماماً فيما عدا لون ملابسهما وذلك بهدف خداع الأمير الذي وعد أوديت المزيفة بالزواج منها ، ولكنه يكتشف الخدعة وينطلق باحثاً عن "أوديت" الحقيقية ،ثم يصل إلي زنزانة محبوبته في القصر المسحور ،ويتحول الساحر إلي طائر عملاق مخيف ينجح الأمير في قتله ،وحينها يبدأ القصر بالانهيار فيهرب الأمير مع حبيبته ويتزوجها بعد أن تكون تخلصت من السحر.وتتسم موسيقي «بحيرة البجع» بالغنائية وبجمال الألحان المعبرة الشديدة الإحساس، وخاصة في لحن آلة الابوا الذي يتكرر في البالية عدة مرات وهو بمثابة اللحن الدال علي شخصية البطلة "أوديت" ،ويعتمد تشايكوفسكي علي آلات النفخ بشكل أساسي وخاصة آلات النفخ الخشبية (الفلوت والابوا والكلارينيت والفاجوت) في تبادل الألحان بينهم وبين الوتريات ،كما يعتمد أيضاً علي آلات النفخ النحاسية (الكورنو والترومبيت والترومبون والباص توبا) في الهارمونيات اللحنية، بالإضافة لبعض الألحان المنفردة من الكورنو والترومبيت. وتتباين الألحان في البالية بين العذوبة أحياناً والتوتر أحياناً أخري ،كما تتباين أيضاً فيما بين شديد القوة والضعف وما بينهما في تدرج مع اختلاف الألحان المعبرة عن الرقصات المختلفة مثل الرقصة الاسبانية والتي استطاع بموهبته الفائقة أن يعطي إيحاء بالموسيقي الاسبانية وغيرها ، فهو لديه من القدرة علي الانتقال بين المشاعر الإنسانية وتحريكها كما ينبغي في أي اتجاه شاء. كما يتميز لحن آلة الفيولينة المنفردة في الفصل الثاني بالجمال والرقي ،ثم يليه دخول آلة التشيللو في تجانس مع حالة من سيطرة البوليفونية اللحنية ،بالإضافة لمصاحبة آلة الهارب والتي أدت لتمازج لحني شديد الروعة يعبر عن أحاسيس المؤلف وعبقريته في التأليف.وقد صمم رقصات هذا البالية في البدايات "جوليوس راسينجير" ؛والذي عملت تصميماته علي عدم نجاح العرض الأول، ثم حدث كثير من التعديلات في تصميم الرقصات وفي موسيقي تشايكوفسكي أيضاً ،إلي أن وصلت لشكلها الحالي عام 1895 ،حيث قام بتصميم رقصات الباليه في هذه المرة "ماريوس بيتيبا" و"ليف ايفا نوف" ،ولكن فرقة باليه أوبرا القاهرة أضافت بعض التصميمات لهذا العرض ل "بورميستر" و"عبد المنعم كامل". وكانت فرقة باليه أوبرا القاهرة علي مستوي فني رائع مع وجود حالة من الترابط والحب الجماعي تسود أعضاء الفرقة وتصل إلي الجمهور المتلقي في تناسق حركي بصري، أما بالنسبة لأبطال العرض فكان منهم الفنان "هاني حسن" في دور (روتبارت الساحر) وهو كما عودنا دائماً علي أدائه المتميز الشديد الحرفية ،مع البطل "أحمد يحيي" في (الأمير سيجفريد) ،وكانت البطولة النسائية ل "كاترينا ايفانوفا" في دور (البجعة البيضاء أوديت)، والراقصة الأوكرانية "كاترينا زيبرزنها" في دور (البجعة السوداء أوديليا) واللتان تتمتعان بلياقة عالية وأداء تمثيلي معبر. هذا بالإضافة إلي الأداء المميز والذي أشاد به جميع الحضور لاوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو ناير ناجي ، وقد ساعد الديكور الذي صممه كلاً من سالا دوفينكوف ومحمد الغرباوي علي زيادة الإيحاء الدرامي بالقصة ،كما لعبت الإيحاءات الضوئية للمزيج من التناغم باستخدام إضاءة المهندس ياسر شعلان. وكان الإخراج للدكتور عبد المنعم كامل والذي أخرج العمل بشكل جيد كسابقه بلا تطوير أو تغيير في الأفكار الإخراجية.ولذا نتساءل هل سيظل عبد المنعم كامل محتكراً إخراج البالية في مصر داخل دار الأوبرا المصرية للعديد والعديد من السنوات منذ الثمانينات وإلي الآن ؟؟ فرغم خبرته الطويلة في هذا المجال كراقص ومخرج إلا أننا نود أن نري رؤي مختلفة لبعض الأجيال الشابة من أساتذة معهد البالية وخاصة أن هناك قسم تصميم وإخراج به الكثير من الأساتذة الذين يجب الاستعانة بخبراتهم ،وألا يقتصر هذا المجال الإبداعي الراقي الذي يستحوذ علي اهتمام كثير من المثقفين والارستقراطيين علي فكر شخص واحد طيلة هذه الفترة بلا تجديد أو تحديث في الرؤية الإخراجية للباليهات العالمية لفرقة بالية أوبرا القاهرة أعرق فرقة باليه مصرية والتي أنشئت منذ عام 1966، فيجب أن يفتح الباب علي مصراعيه لكل من له وجهة نظر لتطوير أسلوب الفرقة أو بالنسبة لإخراج البالية بشكل يتناسب والأجيال الجديدة ،أو ربما أيضاً من خلال بعض خبرات الأجيال التي لم تلق حظاً نتيجة لسيطرة بعض الأشخاص واحتكارهم لمجال معين دون إتاحة الفرص للآخرين !!!