لم تكن تحلم يوما ما - هي ابنة بائع الخضار- أن تعتلي القمة، وأن تصبح أول سيدة في بريطانيا العظمي تخوض غمار السياسة، وتصبح أول عضو نسائي في البرلمان البريطاني. لم يقف طموحها عند ذلك؛ بل قادها لتصبح أول رئيس للوزراء. بقبضة حديدية لا تعرف التهاون استطاعت أن تقود حزبها من نصر إلي نصرلمدة عشر سنوات ونصف. كانت رحلة الصعود ممتعة وكانت رحلة الهبوط درامية ومؤلمة.. إنها مارجريت ثاتشر، الملقبة بالمرأة الحديدية. المرأة المجهولة يبدأ الفيلم من حيث النهاية. امرأة عجوز لاتثير الانتباه تشتري زجاجة حليب. تتعجب من غلاء الأسعار كأنها ليست أحد أسباب هذا الغلاء! تعود إلي منزلها حيث تقبع الذكريات والوحدة وأوهام خيالها. تتحدث الي زوج نعلم من حديث مدبرة منزلها إنه رحل منذ تسع سنوات، لكنها ترفض الاعتراف بالواقع والتخلي عن ممتلكاته. إنها تعيش بها ولها. أزمنة متقاطعة نري الفيلم من خلال أزمنة ثلاثة يتنقل بينها المخرج بسلاسة وبراعة، تجعل المشاهد يتابع بلا تشوش أو عدم وضوح. نري ماجي الصغيرة، وانبهارها بالخطب السياسية، واختلافها عن أقرانها، وجديتها في التعامل مع كل مايحيط بها. فهي تساعد والدها في محل لبيع الخضروات؛ مما يساعدها في تكوين أفكارها اقتصاديا، ونجاحها الباهر؛ مما يتيح لها الدراسة في جامعة اوكسفورد العريقة، التي كانت تضم ابناء الطبقة الأرستقراطية. ونري كيف استطاعت هي الانثي شق طريقها بينهم، وفرض آرائها، بل ووقوع أحد أبناء هذة الطبقة في حبها وزواجه منها إيمانا بأفكارها. وتتزوج ماجي، وتنجب طفلين، لكن حلمها يظل معها لاتتخلي عنه. وتخوض ماجي الانتخابات، و تكون أول سيدة تنجح في البرلمان عن حزب المحافظين. وفي لقطة شديدة البراعة، يتابع المخرج اليوم الاول لذهاب ماجي الي البرلمان. يعرض الفيلم خروج ماجي من منزلها، وقيادتها لسيارتها وطفلاها يتعلقان بحواف السيارة في محاولة منهما للذهاب معها. لكنها تنطلق بالسيارة غير عابئة ببكائهما. وتركز الكاميرا علي لعب أطفالها داخل تابلوه سيارتها، وكأنها تدفن أمومتها في سبيل طموحها الشخصي . صندوق الذكريات عودة الي ماجي العجوز تتأمل صورها المنتشرة في أنحاء منزلها. تعود بالذاكرة إلي النقاط الفاصلة في حياتها وقراراتها المصيرية التي اتخذتها، من خلال لقطات أرشيفية، يستخدمها المخرج ليمزج ما بين التسجيلي والروائي. يقطع مونتاجا ذكيا علي ماجي في البرلمان تتخذ قرار السوق الحرة. وينتعش الاقتصاد البريطاني لقرارها الذي اتخذته رغما عن الجميع: حرب الفوكلاند. ويعرض الفيلم استهزاء ماجي بآراء زملاء حزبها، وصعود نجمها، وبداية إصابتها بالغرور القاتل، واتخاذها لقرار منفرد بفرض ضريبة دخل موحدة علي الجميع؛ مما أضر بأصحاب الدخول الصغيرة . تشتعل المظاهرات في أنحاء بريطانيا منددة بسيدة بريطانيا "ماجي" ومطالبة بسقوطها، وهي التي طالما أحبها البريطانيون وهتفوا باسمها. ويتخلي عنها حزبها بعد إحساسه بأنها أصبحت عبئا عليه. يتضامن الجميع لعزلها؛ مما يشعرها بخيانة الاصدقاء لها؛ فتقرر الانسحاب من الحياة السياسية ولملمة جراحها. سيدة واحدة وعوالم مختلفة نحن هنا أمام سيدة في عوالم ثلاثة مختلفة تتقاطع في ثلاثة محاور عمرية: الشابة الصغيرة واهتمامها السياسي؛ والفتاة الناضجة وطموحها؛ وأحلام تتحقق وأخري تأخذها الي الهاوية. أما علي مستوي الزمن الواقعي فقد اقتصر الفيلم علي تكثيف حالة الانعزال والبحث في صندوق الذكريات، وشبح الزوج الذ ي يطارد ماجي ولاتستطيع الفكاك منه الا في نهاية الرحلة الزمنية للفيلم، حيث تتخلص من ملابسه ومن صندوق الذكريات. السيناريو هنا يقوم علي محاولة فهم طبيعة النفس البشرية: طموحها، ونجاحاتها، وأفكارها؛ وإن كان السيناريو قد انحاز الي الجانب الانساني العاطفي علي حساب السياسي، علي الرغم من أن الفيلم يندرج تحت ما يطلق عليه اسم أفلام السيرة الذاتية. لعب المكياح دورا حيويا في اكتمال جوانب الشخصية التي تؤديها العظيمة "ميرل ستريب"، التي حصلت علي جائزة (جولدن جلوب، وترشح الان لجائزة الاوسكار عن أدائها لدور مارجريت ثاتشر). الإضاءة تتسم بالإبهار في لحظات الانتصار، ثم تعود إلي التعتيم بالعودة إلي الزمن الحاضر للفيلم لتؤكد انعزالية الشخصية ووحدتها. استخدم المخرج اللقطات التسجيلية ومزجها بالروائي، ونجح في توظيف المونتاج وتطويعه للانتقال ببراعة بين مراحل الشخصية الثلاث. أما نجاح المخرج الأكبر فكان في اختياره للرائعة "ميرل ستريب"، التي قدمت أداء أكثر من رائع، وطوعت لهجتها الأمريكية إلي اللهجة الإنجيلزية المشهورة لماجي، مما أخرس الكثير من النقاد الإنجليز الذين انتقدوا اختيار ممثلة أمريكية لدور ثاتشر. لكنها الكفاءة يا صناع الأفلام.