أعلن يوم 4 مارس 2012عن تأسيس نقابة لضباط الشرطة، تهدف النقابة إلي تحسين ظروف عمل ضباط الشرطة، وتنظيم حقوقهم، وتنمية الوعي والالتزام بأخلاقيات الشرطة في صفوف الضباط. والحقيقة، أنه كانت ائتلافات عديدة تضم ضباطا ورجال الشرطة قد نشأت في أعقاب ثورة يناير 2011 وكلها ائتلافات تنادي بإعادة النظر في الوضع الحالي للشرطة، لتجنب تكرار ما حدث، وتميزت درجة المطالبات، بعضها كان صاخبا كائتلاف أمناء الشرطة، وبعضها كان يطالب علي استحياء، ومنها ما زال يصر علي ضرورة مراجعة قوانين الشرطة وتغيير حالها . من الناحية القانونية والدستورية لم يمنع الدستور، ولا قانون هيئة الشرطة، ولا أي قانون آخر إنشاء نقابة لرجال الشرطة. وقد أثار الإعلان عن النقابة الجدل بين الخبراء القانونيين والحقوقيين ورجال شرطة وخبراء الأمن السابقين. فمنهم من رأي أن التنظيم النقابي حق من حقوق رجال الشرطة باعتبارهم مواطنين، أسوة بمعظم دول العالم التي توجد بها نقابات أو اتحادات لرجال الشرطة، تدافع عنهم ضد ما يتعرضون له من مشاكل وأزمات، أثناء عملهم، وتلبي في نفس الوقت احتياجاتهم المعيشية، وتلعب دور الوسيط بين الوزارة وأعضاء النقابة . كما يري البعض أن العمل النقابي يؤدي إلي دخول رجال الشرطة الي المسرح السياسي ، وهو الأمر الذي يراه المعارضون اشد خطرا علي الشرطة نفسها والمجتمع ، بعد أن بدأ المجتمع فعلا في ممارسة التعددية السياسية دون حساسية، كما انه جهاز له طبيعته الخاصة، ونظامه الخاص في تعاملاته المهنية، وحساسية العلاقات الوظيفية والتسلسل الإداري بين فئاته المتعددة. كما أن فكرة السلطة العامة، وما يستتبعها من خصوصية في التعامل مع القضايا السياسية تتعارض مع العمل النقابي، لآن فكرة النقابة مرتبطة بمفهوم التعاون ضد رب العمل، بما لا يستحب معه فكرة إنشاء نقابة للعاملين بالجهات السيادية مثل الخارجية والشرطة والقوات المسلحة والقضاء ، لا يسمح لها بإنشاء نقابات، وإنما تخصص لهم نواد مثل نادي الدبلوماسيين ونادي القضاة. وقد تقوم الدولة بتدعيم تلك النوادي كنوع من التعويض عن فكرة النقابة، ومع مساندتنا بصفة شخصية لفكرة النقابة إلا أننا نتحفظ علي بعض الأمور، منها إعلان تأسيس النقابة من الأزهر الشريف، والإعلان عن مساندة الضباط الراغبين في إطلاق اللحية ضد وزارة الداخلية، مما يوحي بنوعية الفكر الذي يعتنقه مؤسسو النقابة وهو ما يتعارض مع فكرة نقابة لكل الأعضاء. كما نتحفظ علي تجاهل المؤسسين المحاولات السابقة لتأسيس النقابة للاستفادة من أفكارهم، مثل محاولة العميد محمد قطري، وهو أول من فكر في إنشاء كيان نقابي مستقل لضباط وأفراد الشرطة، لحمايتهم والدفاع عن حقوقهم، في مواجهة وزارة الداخلية التي وصفها بالحكم والقاضي والجلاد في آن واحد، لما قابله من تعنت وزارة الداخلية ضده في عهد حبيب العادلي عندما قام قطري بتأليف رواية انتقد فيها طريقة إعداد ضباط الشرطة من المنشأ في كلية الشرطة، وطريقة تلقينهم العمل والتقاليد البالية التي كانت تسير عليها الشرطة، كما تجاهل المؤسسون محاولة المقدم محمد محفوظ الذي فصلته الداخلية لنفس السبب . كما نتحفظ علي تجاهل المؤسسين لباقي فئات هيئة الشرطة وهم : أمناء الشرطة، مندوبو الشرطة، مساعدو الشرطة، ضباط الصف، الأفراد، الخفراء والعاملون المدنيون، وكلها فئات لها نفس الحق الدستوري الذي خوله الدستور لكل المواطنين . كما تجاهل المؤسسون مطالبات المفكرين والمثقفين ورجال حقوق الإنسان وائتلافات الشرطة لوزارة الداخلية بضرورة إجراء هيكلة لبنيتها الأساسية وفلسفتها وطريقة عملها، ونبذ بعض القيادات العليا التي ساهمت إلي حد كبير في توسيع نبرة العداء للوزارة، وشاركت في إفساد نظامها. كما تجاهلت النقابة المطالبات التي تنادي بها ائتلافات الشرطة الموجودة علي الساحة السياسية، والتي تهدف إلي إعلاء فكرة الاكتفاء بالأمن الجنائي، واعتباره هدفا للداخلية. وتخليص الوزارة من الترهل الذي أصابها ويعيق حركتها، لضمان عودة رجال الشرطة لممارسة مهام وظائفهم.. وأخيرا لم يوضح مؤسسو النقابة الموارد المالية التي جاءوا بها لتأسيس النقابة لتحقيق مبدأ الشفافية . غير أننا عندما نقرأ أهداف النقابات الأخري كنقابة المهندسين والصحفيين والمحامين الأطباء وغيرها من النقابات، نجد أن معظمها تتوحد في هدفين لا ثالث لهما، وهما : النهوض بالمهنة والمحافظة عليها، ورفع مستوي أعضاء النقابة وتقديم خدمات قد لا توفرها الحكومة من مسكن وعلاج وترفيه ورعاية اجتماعية وثقافية، وإن كانت نقابتا الصحفيين والمحامين تضعان الشأن العام ضمن أولويات اهتمامتهما . والمعروف أن وزارة الداخلية تقدم لأبنائها خدمات عديدة، منها العلاج والمصايف وكل أوجه الرعاية الاجتماعية، من خلال إدارات تدخل ضمن الهيكل الإداري للوزارة . كما تقدم المساعدات التي تساعد علي تخفيف العبء عن كاهل بعض أبناء الوزارة، وفي سبيل ذلك أنشأت الوزارة العديد من الصناديق لتحسين معاشات وأحوال مختلف فئات الشرطة . والحق أن الوزارة تقدم خدماتها لكل أبنائها علي قدم المساواة. لذا فإن الأمر ينبغي إعادة التفكير الرصين في مسألة نقابة الشرطة، والتأني في إعلانها رسميا مع مزيد من الدراسة وأخذ رأي رجال الشرطة أنفسهم، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الحرجة التي تمر بها الوزارة، وظروف المواطن الذي يعاني انفلاتا أمنيا وأخلاقيا، والانتظار إلي أن تنتهي مرحلة إعادة هيكلة، وانتهاء المرحلة الانتقالية، وإحساس المواطن بالأمن في كل البلاد، دون خوف أو فزع، وبعدها نبدأ في التفكير الرصين في جلب المنافع، والبحث في أمر النقابة، وقتها سيكون لدينا المتسع لنجلس ونتكلم، وستكون الوزارة قد استعادت وظيفتها، وعم الأمن والأمان وأصبحت السيادة للقانون.