تظهر الإحصائيات نتائج مخيفة في ما يتعلق بمستقبل الصحافة المطبوعة في اقليم كردستان، والتي يمكن وصفها بأنها تمر بمرحلة "الموت البطيء" بعد شيوع الصحافة الإلكترونية. فمع اغلاق صحيفة "كومل" الذي تم قبل أيام، أصبح عدد الصحف والمجلات التي تم إغلاقها منذ العام الماضي حتي اليوم 35 صحيفة ومجلة، بشكل يظهر عمق وجدية الأزمة التي طالت المطبوعات في الإقليم. أسباب إغلاق الجريدة المذكورة والتابعة للتجمع الاسلامي الكردستاني الشهر الماضي، أعلنها المسئولون في الحزب والقائمون علي الصحيفة، مبررين الأمر بجملة واحدة هي أن "الصحافة المطبوعة بشكل عام والحزبية بشكل خاص في تراجع كبير، لذلك قررنا اغلاق الصحيفة". الإحصائيات الرسمية لنقابة الصحفيين الكردستانيين أكدت الأرقام الرسمية المعلنة حول عدد الصحف المطبوعة المغلقة خلال عام واحد. وطبقا لتلك الإحصائيات، هناك 470 وسيلة اعلامية مطبوعة في محافظات الاقليم الثلاث (اربيل، السليمانية، دهوك)، منها 100 صحيفة و370 مجلة. وتكشف الإحصائيات عن إغلاق 35 مطبوعة بين صحيفة ومجلة منذ العام الماضي حتي اليوم، وهذا الرقم هو فقط ما كانت النقابة علي علم به ودونته في سجلاتها. عدد غير قليل من تلك الصحف كانت معروفة علي نطاق واسع في الإقليم، ولها قُرّاء منتظمون، أما الباقي فغالبيتها تظهر وتختفي قبل ان تكتسب الشهرة بين باعة الصحف والقراء علي حد سواء. الروزنامة صحيفة "روزنامة" الناطقة باسم "حركة التغيير" وهي اكبر أحزاب المعارضة في اقليم كردستان، تم اغلاقها في منتصف شهر سبتمبر الماضي بقرار من رئيس الحركة "نوشيروان مصطفي". روزنامة التي صدرت في البداية كصحيفة يومية وتحولت لاحقا إلي اسبوعية، انخفضت مبيعاتها تدريجيا بشكل كبير، حيث اشار رئيس التحرير مم برهان قانع بعد الإعلان عن إغلاقها إلي ان مبيعات الصحيفة تراجعت بشكل ملحوظ لتصل الي اقل من 2000 نسخة اسبوعيا. وبعد فترة وجيزة، وتحديدا في يوم 20 أكتوبر، تم اغلاق صحيفة "آسو" بعد سبع سنوات من عمرها صدر خلالها (1576) عدداً من الصحيفة. عارف قرباني رئيس مؤسسة خندان للطباعة والإعلام التي كانت تَصدُر عنها الصحيفة، والقريبة من برهم صالح رئيس حكومة الإقليم قال "اغلقنا آسو بهدف اعادة تنظيم المؤسسة والتمهيد لمشاريع اعلامية جديدة". وبالرغم من ان المسئولين عن "آسو" لم يشيروا الي العد التنازلي للصحف المطبوعة من حيث المبيعات، الا ان العاملين في مجال توزيع الصحف والمجلات يؤكدون علي ان انخفاض المبيعات هو السبب الرئيسي وراء اغلاق الصحف. ويشير هاشم داوودي، صاحب شركة "بلاف بيك" المختصة بتوزيع الصحف الكردية الي وجود تراجع في مستويات التوزيع للصحافة المطبوعة. وقال "حتي الصحف المعروفة والكبيرة تراجعت من حيث المبيعات بنسبة 20% علي الأقل، ونتوقع استمرار الانخفاض في السنوات المقبلة". داوودي الذي تقوم شركته بتوزيع 55 صحيفة ومجلة في مدن اقليم كردستان، لا يخفي مخاوفه من اغلاق المزيد من الصحف إذا ما استمر الحال بهذا الشكل. ويضيف داوودي إن "انخفاض المبيعات سيؤثر بشكل أكبر علي الصحف الأهلية والمستقلة التي تعتمد بشكل كبير علي المبيعات". الوداع تنبؤات داوودي سرعان ما تحققت عند اغلاق صحيفة "آوينة سبورت" بسبب أزمة مالية داخل شركة آوينة الإعلامية الأهلية التي تصدر عنها الصحيفة رغم انها كانت من اكثر الصحف الرياضية الكردية انتشارا في اقليم كردستان. وقبل اغلاق الصحيفة المذكورة في أغسطس الماضي، نشر آسوس هردي المدير التنفيذي للشركة مقالاً لتوديع قراء الصحيفة قبل إيقافها ذَكر فيها إن "الأزمة المالية داخل آوينة هي من أوقفت صدور آوينة سبورت". الأرقام تؤكد ان أشهر الصحف الكردية لا يتجاوز عدد المطبوع منها 4000 نسخة، فيما يصل عدد سكان الإقليم، حسب احصائيات هيئة الاحصاء الكردية الي قرابة خمسة ملايين نسمة، اي أن عدد قراء المطبوعات هو اقل من 1% من السكان للصحيفة الواحدة. ومع أن تراجع المطبوع لحساب الصحافة الإلكترونية بات ظاهرة عالمية، لكن المختصون يشيرون في الوقت ذاته الي أن الصحف الكردية تلجأ الي قرار الإغلاق سريعا وتستسلم بسهولة مع أول موجة أزمة مالية. زعزعة استقرار المطبوعات استاذ الاعلام بالإقليم د.يحيي الريشاوي يري ان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر زعزعت مكانة الصحف المطبوعة، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن "الصحف العالمية في البلدان المتقدمة مازالت تحاول بكل جهدها ايجاد حلول تضمن لها الاستمرارية، بينما تلجأ الصحف الكردية الي خيار الإغلاق مباشرة دون القيام بأية دراسات او ابحاث يمكن ان تساعدها علي البقاء". ومع ان الظاهرة عالمية، الا ان الوضع في اقليم كردستان والمنطقة بشكل عام قد يحمل نوعا من الخصوصية حيث ان الكثير من الصحف لا تعتمد علي المبيعات او الإعلانات لضمان استمراريتها، بل تعتمد علي الأحزاب السياسية والحكومة ومسئولين فيها بشكل مباشر أو غير مباشر للحصول علي التمويل. بينما يقول انور حسين، رئيس لجنة الدفاع عن الصحفيين في نقابة صحفيي كردستان ان عددا كبيرا من الصحف في الإقليم تسمي ب"صحف الظل" وهي الصحف التي تتلقي تمويلا مستمراً من الأحزاب السياسية والشخصيات المتنفذة فيها، دون إعارة الانتباه للجودة، او كسب ثقة القراء، فضلا عن وجود صحف ومجلات اخري تتلقي مبالغ معينة من الحكومة كقنوات اعلامية مسجلة رسميا. ويوضح حسين انه حالما قامت الحكومة الكردية ووزارة الثقافة بمراجعة قوائم تمويل الصحف والمجلات، تم اغلاق العديد منها بعد انقطاع التمويل. وبالرغم من هذه الأزمة الخطيرة التي تتعرض لها الصحافة المطبوعة في اقليم كردستان، إلا أن أفول نجم الصحافة المطبوعة لم يحن بعد بوجود قراء تقليديين مازالوا يجدون في تقليب الصحيفة متعة خاصة اكثر من جلوسهم أمام شاشات الكمبيوتر.