هي بحق مهنة البحث عن المتاعب.. الصحافة مهنة علي من يعمل بها أن يعي أنه يسير في حقل ألغام دوما، أصدرت لجنة حماية الصحفيين منذ أيام تقريراً خاصاً يبين وجود فروق إقليمية كبيرة في سجن الصحفيين مع التصاعد الكبير في هذا الصدد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خصوصا مع اندلاع الثورات العربية في نفس العام، فقد تعرض عشرات الصحفيين للاحتجاز دون أن توجه لهم أي اتهامات، والعديد منهم محتجزون في سجون سرية. شهد عدد الصحفيين السجناء في العالم قفزة كبيرة تزيد علي 20% عن أعلي مستوي له منذ أواسط عقد التسعينات من القرن الماضي، والسبب الرئيسي لهذا التصاعد هو عمليات الاحتجاز واسعة النطاق التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حسبما توصلت إليه لجنة حماية الصحفيين. وقد حددت اللجنة في إحصائها السنوي للصحفيين السجناء 179 كاتبا ومحررا صحفيا ومصورا صحفيا خلف القضبان بحلول يوم 1ديسمبر، بزيادة بلغت 34 صحفياً سجينا مقارنة مع إحصاء عام 2010 . وتعد إيران هي السجن الأكبر للرأي في العالم حيث تحتجز أكبر عدد من الصحفيين إذ تحتجز 42 صحفياً في إطار مواصلة السلطات لحملة الترهيب المناهضة للصحافة التي بدأت في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل عامين وثارت نزاعات حول نتائجها. ومن بين الدول التي احتلت مرتبة أسوأ السجانين أيضاً كل من اريتريا والصين وبورما وفيتنام وسوريا وتركيا. وفي حين شكلت حملة القمع التي بدأت في إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2009 بداية عمليات احتجاز الصحفيين واسعة النطاق، واصلت السلطات احتجاز صحفيين ومن ثم الإفراج عنهم بموجب كفالات فيما هي تعتقل غيرهم. واضطر الصحفيون المفرج عنهم إلي دفع كفالات باهظة وتعرضوا لضغوط سياسية هائلة كي يلتزموا الصمت أو يقوموا بالوشاية عن زملائهم. أخيرا .. الصين الثالثة وعلي جانب آخر نجد أن حكومة اريتريا هي أكثر حكومة تلجأ لسجن الصحفيين دون أن توجه لهم أي اتهامات، كما أن سجل اريتريا هو ثاني أسوأ سجل في سجن الصحفيين إذ تحتجز 28 صحفياً. وعلي الرغم من أن العديد من الصحفيين المحتجزين في اريتريا أمضوا في السجن ما يقارب عشر سنوات، إلا أن السلطات الاريترية لم توجه اتهامات علنية لأي صحفي بارتكاب جريمة. ومن بين الصحفيين المحتجزين المحرر الصحفي داويت إيزاك الذي يحمل الجنسيتين الاريترية والسويدية والمحتجز منذ قيام الحكومة بإغلاق الصحف المستقلة في البلاد في عام 2001 وعلي الرغم من الضغوط المتزايدة من البرلمان الأوروبي، فلم يبدر عن الرئيس الاريتري، أسياس أفورقي، سوي زعم غامض بأن إيزاك ارتكب "خطأ كبيراً". وتأتي الصين في المرتبة الثالثة حيث بلغ عدد الصحفيين السجناء في الصين 27 سجينا، منهم 17 صحفياً ممن عملوا علي تغطية الجماعات الإثنية المقموعة أو المهمشة «والباقي كتًّاب ينشرون علي شبكة الإنترنت وأعربوا عن آراء سياسية معارضة». ومن بين الصحفيين السجناء الكاتب "دوكرو تسولتريم"، وهو راهب يصدر مجلة إخبارية تغطي شئون "التبت" وكان قد انتقد في كتاباته السياسات الحكومية نحو سكان المنطقة. وثمة صحفيين آخرين قد يكونون في السجون الصينية ولم يجتذبوا اهتمام المؤسسات الإخبارية أو جماعات مناصرة الحقوق والحريات. صحف المنفي نالت الحكومة المدنية الجديدة في بورما الكثير من الثناء بسبب خططها الإصلاحية، إلا أنها لم تفعل سوي القليل لتغيير الممارسات القمعية التي انتهجتها الحكومة العسكرية السابقة. وبلغ عدد الصحفيين المحتجزين 12 صحفياً علي الأقل لغاية 1ديسمبر، وهو عدد يماثل العدد الذي أظهرته الإحصاءات علي امتداد العقد الماضي، إلا أنه عدد كبير إذا ما أخذنا بالاعتبار التعداد السكاني للبلاد. واحتلت بورما المرتبة الرابعة من حيث عدد الصحفيين المحتجزين، وتحتجز الحكومة صحفيين مثل المراسلة الصحفية "هلا هلا وين" التي كانت تعمل بالخفاء للموقع الاخباري "صوت بورما الديمقراطي" الذي يصدر في المنفي. وقد اعتقلت في عام 2009 بينما كانت تحاول إجراء تغطية صحفية بمناسبة الذكري السنوية الثانية لثورة الزعفران، وهي سلسلة من التظاهرات التي قادها الرهبان وقمعتها الحكومة بعنف. احتلت فيتنام المرتبة الخامسة من حيث عدد الصحفيين السجناء، وذلك بسبب حملة القمع الجارية ضد التغطية الصحفية والكتابات عبر شبكة الإنترنت. وكان جميع الصحفيين التسعة السجناء في فيتنام بحلول 1ديسمبر هم من المدونين الذي كتبوا حول مواضيع حساسة سياسياً أو حول شئون الأقليات الدينية. ومن بين الصحفيين المحتجزين "فام مينه هوانغ"، وهو مدون كان يكتب حول الفساد الحكومي والتدهور البيئي وما وصفه بالسياسية الخارجية الفاشلة للحكومة. الشرق الأوسط يصرخ شهد عدد الصحفيين السجناء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قفزة كبيرة بلغت 50 % تقريباً خلال العام المنقضي. ولا تقتصر الزيادة علي بلدان مثل سوريا التي يقوم النظام القمعي فيها بسجن ثمانية صحفيين سعياً منه للمحافظة علي السلطة عبر قمع التغطية الصحفية المستقلة، بل تم تسجيل حالات لسجن صحفيين في تركيا التي تتمتع بنظام ديمقراطي مستقل حيث بلغ عدد الصحفيين السجناء فيها ثمانية صحفيين خلال الفترة التي أجرت فيها لجنة حماية الصحفيين إحصاءها السنوي. وفي حين صعّدت السلطات التركية من استهداف الصحفيين والكتَّاب الأكراد، فإنها بدأت أيضاً باستهداف صحفيين من التيار العام ممن انهمكوا في إجراء تحقيقات صحفية.ومن بين الصحفيين المحتجزين في تركيا الصحفيان أحمد شيك ونديم شينير، وكلاهما كاتبان بارزان وصحفيان معروفان ممن انتقدوا جوانب التقصير لدي الحكومة. بينما تأكدت لجنة حماية الصحفيين من مقتل صحفيين اثنين بينما كانا قيد الاحتجاز لدي السلطات البحرينية. فقد قتل الصحفيان في السجون البحرينية خلال أسبوع واحد في شهر إبريل 2011، وهما "كريم فخراوي"، مؤسس صحيفة "الوسط" التي تعد من أبرز الصحف المستقلة في البلاد، و"زكريا رشيد حسن العشيري"، وهو محرر موقع إنترنت إخباري محلي كان يصدره من قريته "الديار". وزعمت الحكومة أن الصحفيين توفيا نتيجة لأسباب طبيعية، علي الرغم من المزاعم واسعة النطاق بأنهما تعرضا لإساءة معاملة أدت إلي مقتلهما. جرائم بلا رقيب علي الرغم من أن الغالبية العظمي من الصحفيين السجناء هم صحفيون محليون تحتجزهم حكومات بلدانهم، إلا أنه ثمة ثمانية صحفيين دوليين من بين الصحفيين السجناء الذين شملهم إحصاء لجنة حماية الصحفيين للعام 2011، ومن بينهم الصحفيان السويديان "يوهان بيرسون، ومارتين شيباي"، وقد احتجزتهما السلطات الإثيوبية بينما كانا يغطيان نشاطات مجموعة انفصالية. ويبلغ عدد الصحفيين المحتجزين في إثيوبيا سبعة صحفيين، خمسة منهم محتجزون علي خلفية اتهامات غامضة بالقيام بنشاطات إرهابية ودون الإعلان عن أدلة بهذا الصدد. وعلي الرغم من الانتقادات الدولية، وسّعت إثيوبيا استخدامها لقانون مكافحة الإرهاب من أجل تجريم التغطية الصحفية حول جماعات المعارضة. وقد وجد الإحصاء الذي أعدته لجنة حماية الصحفيين فروقاً شاسعة بين المناطق. فللمرة الأولي منذ بدأت لجنة حماية الصحفيين بجمع استقصاءات سنوية حول الصحفيين السجناء في عام 1990، لم تسجل في 1 ديسمبر أي حالة في الأمريكيتين لصحفي سجين لأسباب متصلة بعمله الصحفي. كما تواصل التراجع التدريجي لعدد الصحفيين السجناء في أوروبا ووسط آسيا، حيث بلغ عددهم ثمانية فقط وهو أقل عدد لتلك المنطقة خلال ست سنوات. ولكن طغي علي هذا التحسن عمليات الاحتجاز واسعة النطاق التي حدثت في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تحتجز الحكومات 77 صحفياً، أي ما يعادل 45 % تقريباً من مجموع الصحفيين السجناء في العالم. كما سجلت بلدان آسيا وأفريقيا عشرات الحالات لسجن الصحفيين. ووجد استقصاء لجنة حماية الصحفيين أن الاتهامات بمناهضة الدولة مثل الخيانة والتآمر أو العمل ضد المصالح الوطنية هي الاتهامات الأكثر شيوعاً التي توجّه للصحفيين في جميع أنحاء العالم، وبلغ عدد الصحفيين السجناء بسبب مثل هذه الاتهامات 79 صحفياً علي الأقل.