كانت السينما ومازالت أداة قادرة علي التعبير عما يعتمل في ضمائر الشعوب، وعلي قراءة المشهد الإنساني بكل تفاصيله المؤلمة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والكارثية بشكل أكثر جرأة وفعالية، أداة قادرة علي كشف وتعرية مواطن وبؤر الفساد ودق أجراس الخطر. مع ذلك لا ينتظر منها تقديم حلول وبدائل، فهي تُحاول مراراً وتنجح أحياناً. حتي وإن كان البعض من أصحاب النظرة المتشائمة يؤكدون أن السينما وسيلة غير فعالة بل وعاجزة عن الفعل والتأثير إذ ماذا يمكن أن تفعل حيال الواقع اللإنساني للحروب؟. وهو رأي به قدر من الصحة ولكن هل يوجد فن في العالم أجمع يملك القدرة الآنية والسحرية لإيقاف الحروب والقضاء عليها؟!! السينما مثل كثير من الفنون وأهمها الرواية والموسيقي والشعر لديها القدرة علي التأثير. لكنه تأثير تراكمي لا يمكن ملاحظته بشكل آني، ربما بعد سنوات طويلة. تأثيرها يشبه تأثير عوامل التعرية، مثل الزمن يحفر أخاديده في الجسم الحي بشكل مستمر غير مرئي لا يدركه المحيطون بذلك الجسد إلا بعد سنوات. مالمو تمتلك السينما القدرة علي ترقية مشاعر وأحاسيس الناس وتهذيب سلوكياتهم، علي إلقاء حجر في المياه الراكدة، علي خلق مساحات من التوتر والقلق، وعلي إثارة النقاش والجدل ونشر الوعي بينهم، وهو ما قد يخطر ببال المرء عندما يفكر في فعاليات الدورة الأولي لمهرجان "السينما العربية في مدينة مالمو" - المُقام خلال الفترة من 23 إلي 27 سبتمبر الجاري - والدور الذي يلعبه هذا الحدث السينمائي الوليد، وأهميته في نشر روح التفاهم والتبادل الثقافي ومد جسور التواصل الحضاري بين الناطقين باللغة العربية وبين غيرهم من الذين يشاركونهم العيش في السويد بشكل عام وفي "مالمو" علي وجه الخصوص. قد يتبادر إلي الذهن تساؤل: لماذا "مالمو"؟ هل يكفي إطلالتها علي بحر البلطيق، وكونها المعبر الوحيد إلي أوروبا الغربية عبر جسر معلق يربطها بالعاصمة الدانماركية كوبنهاجن؟ قطعاً لا. صحيح أنها عوامل سياحية مُشجعة لكن بالأساس هناك أسباب آخري أكثر أهمية منها أن تقريباً ثلث المهاجرين إليها من العرب، فإذا كانت نسبة المهاجرين إليها تُشكل 40% من عدد السكان، فإن نسبة الجالية العربية تُشكل 15 % من عدد سكانها. كما أن "مالمو" - التي يقام بها عدد كبير من المهرجانات السينمائية المختصة - إلي جانب كونها ثالث أكبر المدن السويدية تتميز بأنها مدينة تعدد الثقافات حيث تُشير الإحصائيات إلي أنه يعيش بها ما بين 175 - 184 جنسية. وهو ما يؤكده تصريح المخرج الفلسطيني "محمد قبلاوي" مدير المهرجان قائلاً: شجعنا هذا التعدد والكثافة السكانية للعرب الناطقين باللغة العربية أن نؤسس في المركز الثقافي العربي الاسكندينافي فادوس ب"مالمو" مهرجانا للسينما العربية يعمل علي تعزيز أسس الحوار البناء وتحسين العلاقات التي تربط العرب بالثقافات الإسكندنافية من خلال مبادرات مرتبطة بالآداب والتعليم والفنون، وتقديم الدعم وإشراك الشباب العربي المغترب في السويد، إلي جانب تعريف الجمهور المحلي بالسينما العربية، وأحدث إنتاجاتها بأصالتها، وعفويتها، وإثارة النقاش حولها مع صانعي الأفلام، ونجومها. حدث ثقافي يتطلع منظمو مهرجان "مالمو للأفلام العربية" أن يكون حدثاً ثقافياً سنوياً يساهم بالتفاهم، والعيش المشترك المبني علي أسس الاحترام المتبادل بين ثقافات الشعوب المختلفة. وفي هذا الإطار ونتيجة التعاون المُثمر بين هذا الحدث السينمائي الوليد وبين مهرجان الخليج السينمائي في دبي سيتم تنظيم احتفالية خاصة بالسينما الخليجية تعرض مختاراتٍ من أفلام روائية، وتسجيلية، قصيرة، وطويلة تجسّد هذه الروح الإبداعية المُتوثبة حيث يشارك 15 فيلماً من الإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين وعُمان وقطر والكويت واليمن والعراق. من جانبه صرح "مسعود أمرالله آل علي" مدير مهرجان الخليج السينمائي بأن: "مهرجان الفيلم العربي في مالمو بالسويد يشكل منصّة مهمة لعرض أجود وأفضل الأفلام العربية في العالم ويمثّل فرصة فريدة أمام المواهب الجديدة الناشئة والمواهب التي أثبتت وجودها لعرض إبداعاتها علي جمهور جديد تماماً. وتتمتّع كل الأفلام المشاركة بحضور قوي يمكّنها من تغيير المعتقدات الثقافية المغلوطة والصور النمطية التقليدية المأخوذة عن العالم العربي وكشف واقعه المعاصر وحاضره المعاش." 30 فيلماطويلا في المقابل وعلي مدار خمسة أيام سيقوم مهرجان "مالمو للفيلم العربي" بعرض أكثر من 30 فيلماً عربياً روائياً طويلاً وعدداً آخر من الأفلام الوثائقية والأفلام الروائية القصيرة، وسيقوم المهرجان بمنح جوائز للأفلام المشتركة حيث ينظم ثلاث مسابقات هي: مسابقة الفيلم الروائي الطويل، الفيلم التسجيلي والفيلم القصير. هذا إلي جانب استضافته لحلقات نقاشية تدور حول مواضيع المرأة العربية والسينما، ومرحلة "الربيع العربي"، والتطورات الجارية علي الساحة السينمائية الخليجية، والحرية في السينما العربية( من وجهة نظر سياسية، وإجتماعية). بالإضافة إلي ندوة خاصة عن كيف يصور الغرب العرب في السينما العالمية عامة والسويد خاصة. أفلام الثورات حاضرة بقوة يذكر أن ثورات الربيع العربي تحضر بقوة في أفلام مسابقة الأفلام الوثائقية منها فيلم المخرجة المصرية نيفين شلبي (أنا والأجندة) والذي يتناول الأيام التي سبقت تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم في مصر، كما يتناول الموضوع ذاته فيلم «18 يوم». من الأفلام الأخري المشاركة: فيلم المخرج الفلسطيني فجر يعقوب (عراقيون في المنفي)، فيلم (حمامة) للمخرجة الإماراتية نجوم الغانم، فيلم (علي باب الله) للمخرج الأردني إيهاب الخماشي، فيلم (فوتون) للمخرج عوض الهمزاني، فيلم (كوكب من بابل) للمخرج العراقي المقيم في السويد فاروق داوود، فيلم (بدرس) للمخرجة جوليا باشا.