بعد تألقه في أول بطولة مطلقة من خلال فيلم "كلمني شكرا" للمخرج خالد يوسف، قرر الفنان عمرو عبد الجليل أن تكون ثاني بطولاته في فيلم من تأليف شقيقه" طارق عبد الجليل"، وهو" صرخة نملة" للمخرج سامح عبد العزيز، والذي اختير لتمثيل الثورة المصرية في مهرجان "كان" ويعرض حاليا بدور العرض المصرية. عن تجربته في هذا الفيلم، والانتقادات التي وجهت له كان هذا الحوار: لماذا تأخر تعاونك مع شقيقك طارق عبد الجليل كل هذه السنوات؟ لانني كنت لا أملك حق اختيار العمل او المؤلف، كذلك فإن طارق تبعا لشروط السوق لا يمتلك حق اختيار الفنانين. ما الذي اختلف هذه المرة؟ بعد نجاح فيلم "كلمني شكرا"، فوجئت بالمنتج كامل أبو علي يطلب مني ترشيح سيناريو مناسب لأقوم ببطولته، فسألت طارق، الذي قال انه لديه بالفعل سيناريو يصلح لي، فعرضناه علي كامل أبو علي حيث اعجبه وقرر انتاجه. لماذا قررت التعامل مع المخرج سامح عبد العزيز،في هذا الفيلم، رغم نجاحك الكبير مع خالد يوسف من خلال "كلمني شكرا"؟ كان خالد هو الاختيار الاول بالطبع، وتوجهنا له، الا انه كان مشغولا بالتحضير لفيلم" كف القمر"، فوقع اختيارنا علي سامح لاننا نثق بقدرته كمخرج يلائم هذه النوعية من الافلام. كان اسم العمل في البداية هو "الحقنا يا ريس"، لماذا تغير الي "صرخة نملة"؟ اعترضت الرقابة علي اسم الفيلم، ففكرنا في اسم مناسب ووجدنا أن "صرخة نملة" يعبّر عن ملايين المصريين الذين يعانون التهميش والمشاكل التي تدفعهم الي الانسحاب من اي مواجهة والسير "داخل الحيط "، مثل النمل. هل كانت هناك مشاكل اخري غير اسم الفيلم مع الرقابة؟ جهاز الرقابة وافق علي السيناريو دون أي تدخل، ولكن المشكلة كانت في وزارة الداخلية التي حولته لجهاز "أمن الدولة"، ووضعت 21 ملحوظة اشترطوا علينا مراعاتها لإعطائنا تصاريح التصوير الخارجي. وكيف تغلبتم علي هذا المأزق، هل قمتم بالفعل بالتغييرات المطلوبة؟ لم ننفذ التغييرات التي طلبوها، لانها كانت ستؤثر علي الفيلم بشكل كبير، فواصلنا التصوير بدون الحصول علي تصريح من وزارة الداخلية، وقمنا بالتصوير الخارجي في جو من السرية لدرجة اننا اضطررنا الي استخدام تصاريح تصوير"إعلانات تجارية" لتكون غطاء لتصوير الفيلم. واجه الفيلم اتهاما "بركوب" موجة الثورة واستغلالها؟ الفيلم لم يركب موجة الثورة ولم يستغلها، بل جاءت الثورة متماشية مع احداث الفيلم، فكان طبيعيا ان تكون متضمنة، حيث يقوم الفيلم بعرض المشاكل التي يعيشها المصريون، والتي تتسبب في ثورة البطل "جودة المصري" فيخرج في ثورة. لكنكم غيرتم النهاية لوضع مشاهد الثورة التي لم تكتب اصلا في السيناريو ؟ لم نغير النهاية فقد صورنا الفيلم كله قبل اندلاع الثورة، وكان اخر مشهد هو خروج البطل في ثورة ضد ما يحدث، فجاءت ثورة الشعب متزامنة دراميا مع ثورة البطل، وهو ما يعتبر منطقيا تماما ولا يمكن تجاهله، ولو كنا نحاول استغلالها كنا جعلنا البطل يذهب الي ميدان التحرير وهو ما لم يحدث. الفيلم يؤكد من خلال احداثه، ان الشعب المصري اصبح كالنمل الذي يفضل الانسحاب والمشي "جوة الحيطة"، كما قلت، مما لا يتماشي مع النهاية؟ علي العكس اري ان السيناريو يتماشي مع النهاية، لان النظام السابق حوّل الشعب الي نمل، وقد أردنا من خلال الفيلم توصيل رسالة الي الشعب المصري بضرورة الاستيقاظ، فاذا بالشعب يستيقظ بالفعل، ونفاجأ نحن ايضا اننا قدمنا من خلال الفيلم كل اسباب ثورة 25 يناير. بدا الفيلم وكأنه يتبني وجهة النظر التي تقول ان المسئول عن الفساد هو حاشية الرئيس في حين ان الرئيس بريء تماما مما يحدث ولا يعلم عنه شيئا، لذلك كان البطل يبحث عنه، وهو ما يتوافق مع الاسم الاصلي للفيلم" الحقنا يا ريس"؟ لم يكن هذا هو المقصود، بل كنا نريد أن نؤكد ان هذا الشعب قبل ان يطالب بإسقاط الرئيس بحث عنه لآخر لحظة، ف"جودة المصري" ما هو إلا رمز لهذا الشعب الصبور الذي ظل يناشد حاكمه الرأفة وتحقيق العدالة، ولكن جودة لم يجد الرئيس، في دلالة واضحة علي ان الرئيس لم يكن علي دراية بمطالب شعبه. عرض الفيلم لعدد كبير من قضايا المجتمع المصري ومشاكله التي تستحق كل قضية منها فيلما كاملا الا تري ان هذا الازدحام إحدي مشاكل لفيلم؟ انا اري ان الميزة الكبري للفيلم انه عرض لجميع مشاكل المجتمع وقضاياه التي تسببت في قيام الثورة، وطالما نتحدث عن اسباب الثورة، فلا يمكن ان نتجاهل كل المشاكل التي كانت تواجه المواطن المصري البسيط . هل توافق علي القول بأن الفيلم تنبأ بالثورة؟ الفيلم لم يتنبأ بالثورة لكنه عرض لاسبابها، وهو ما حدث في افلام اخري كثيرة، ولكن حظنا الجيد، هو ان الفيلم تواكب مع الثورة، لذلك فإنه يعتبر اول الافلام التي أرّخت للثورة . واجه بطل الفيلم" التعذيب" لسنوات طويلة، علي أيدي القوات الامريكية في العراق بسبب غير منطقي وهو عدم موافقته علي تسليمهم مفتاح احد المخازن التي كان يعمل بها؟ كان هذا سببا رمزيا، ليدل علي ضراوة الاحتلال، كما ان البطل اعتبر تسليمه لهذا المفتاح نوعا من الخيانة لأرباب عمله. وهل كان منطقيا بعد ان تحمل كل العذاب أن يرضخ بعد يوم واحد من التعذيب في أحد الاقسام المصرية؟ هذا دليل علي أن التعذيب بجهاز امن الدولة المصري وصل لدرجة من الضراوة فاقت كل اساليب المعتقلات الامريكية، والدليل علي ذلك ما نشر مؤخرا في الصحف الاجنبية، ان ضباط امن الدولة المصريين هم من قاموا بتدريب الجنود الامريكيين علي كيفية انتزاع الاعترافات من المعتقلين العراقيين، اضافة الي ان "جوده " كانت قواه قد انتهكت تماما خلال هذه السنوات. كيف يمكن لرجل شهم مثل "جودة" رفض تسليم مفتاح المخزن الذي يعمل به أن يوافق علي المشاركة في الفساد؟ هناك العديد من المصريين تحت وطأة الفساد والظلم والمعاناة تحولوا الي فاسدين من اجل حياة كريمة . احتوي الفيلم علي بعض الايحاءات الخادشة للحياء، فهل كانت هذه الايحاءات من اضافاتك ؟ لا أري اننا قدمنا إيحاءات جنسية في الفيلم، وقد قدمنا الكوميديا كما كانت مكتوبة تماما، حتي أن الإضافات التي قمت بها قد تم حذفها في "المونتاج". وهل ضايقك هذا؟ لم يضايقني، ذلك ان المساحة الزمنية للفيلم كانت طويلة، وكان لابد من حذف بعض المشاهد اختصارا للوقت، فكان من الضروري حذف الإيفيهات الزائدة لمصلحة الدراما. هل تري ان توقيت العرض بعد الثورة كان مناسبا الفيلم ؟ كنت أتمني ان يعرض الفيلم في التوقيت الذي كان محددا له قبل الثورة،لانه كان سيعتبر في هذه الحالة فيلما محرضا علي الثورة، الا ان الثورة هي التي شجعت عرض الفيلم تجاريا ولولاها لعرض مشوها مبتورا، أو لم يعرض من الاساس. ما تفسيرك للايرادات الضعيفة التي حققها الفيلم؟ لا اري انها ايرادات ضعيفة، بل هي جيدة في ظل ظروف المجتمع المصري، ومازلنا ننتظر انتهاء طلبة الثانوية العامة والجامعات من امتحاناتهم، لانهم يمثلون شريحة كبيرة من جمهور السينما. البعض يفسر عدم الاقبال الكبير علي الفيلم، بانه يتعرض لاحداث الثورة التي عايشها المشاهدون علي مدي الاشهر السابقة بشكل حي علي القنوات والمواقع الالكترونية؟ الفيلم قام برصد الحالة التي دفعت الي قيام الثورة وذلك في اطار درامي كوميدي، بعيدا عن الافلام التسجيلية وماتعود الجمهور ان يتابعه في الفترة الاخيرة من برامج "توك شو" ونشرات اخبار. لكن الفيلم احتوي علي مشاهد تسجيلية من احداث ثورة 25 يناير؟ المشاهد لم تكن كثيرة بل كانت قليلة جدا في نهاية الفيلم وموظفة لخدمة الهدف. تم انتقادك بسبب عدم مشاركتك في الثورة منذ بداياتها للدرجة التي جعلت البعض يضعك في القوائم السوداء؟ أنا لا أعترف بما يطلق عليه القوائم السوداء، فلا يمكن تصنيف الناس حسب مشاركتهم في الثورة، فأنا اؤمن انني كفنان، استطيع ان اقدم وجهة نظري من خلال اعمالي وهذا ماقدمته في فيلم "صرخة نملة"، خاصة أنني لم اكن مهتما بالسياسة أو الشأن العام لدرجة أنني لم اكن اقرأ الجرائد او المجلات. هل وقع اختيارك علي احد المرشحين لرئاسة الجمهورية ؟ أري ان البرادعي تنطبق عليه الشروط التي أراها ضرورية لرئيس الجمهورية، فلديه برنامج انتخابي قوي، بالإضافة إلي عدم الاشتباه في تورطه بقضايا فساد، أو ارتباط اسمه بالنظام السابق أو بأحد رموزه، ولو وجدت من يقدم لي برنامجاً أفضل من برنامج البرادعي فسأنتخبه، ذلك انني لا يهمني الاشخاص بقدر ما أهتم بمستقبل البلاد.