أستراليا تشكل لجنة لمراقبة تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 12 مايو    رئيس اليمن الأسبق: نحيي مصر حكومة وشعبًا لدعم القضايا العربية | حوار    مفيش فايدة في اللي بتعمله، قادة جيش الاحتلال ينقلبون على نتنياهو بسبب حرب غزة    جلسة تحفيزية من رئيس الزمالك للاعبين قبل موقعة نهضة بركان    وزير الرياضة يفتتح أعمال تطوير المدينة الشبابية الدولية بالأقصر    محمد رمضان يشعل حفل زفاف ابنة مصطفى كامل    عيار 21 يسجل الآن رقمًا جديدًا.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 12 مايو بالصاغة    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الأحد 12 مايو بالبورصة والأسواق    الهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية قد تبدأ خلال ساعات بشرط وحيد    نشاط مكثف وحضور جماهيرى كبير فى الأوبرا    تثاءبت فظل فمها مفتوحًا.. شابة أمريكية تعرضت لحالة غريبة (فيديو)    مفاجأة صادمة.. سيخ الشاورما في الصيف قد يؤدي إلى إصابات بالتسمم    روما يواجه أتلانتا.. مواعيد مباريات اليوم الأحد 12-5- 2024 في الدوري الإيطالي والقنوات الناقلة    بطولة العالم للإسكواش 2024| تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة    طلاب الصف الثاني الثانوي بالجيزة يؤدون اليوم الامتحانات في 3 مواد    الحكومة: تعميق توطين الصناعة ورفع نسبة المكون المحلى    «آمنة»: خطة لرفع قدرات الصف الثانى من الموظفين الشباب    البحرية المغربية تنقذ 59 شخصا حاولوا الهجرة بطريقة غير شرعية    خبير تحكيمي يكشف مفاجأة بشأن قرار خطأ في مباراة الأهلي وبلدية المحلة    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    عاجل.. غليان في تل أبيب.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين واعتقالات بالجملة    الآلاف يتظاهرون في مدريد دعما للفلسطينيين ورفضا للحرب في غزة    إسلام بحيري عن "زجاجة البيرة" في مؤتمر "تكوين": لا نلتفت للتفاهات    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    أبو مسلم: العلاقة بين كولر وبيرسي تاو وصلت لطريق مسدود    تفاصيل صادمة.. يكتشف أن عروسته رجلاً بعد 12 يوماً من الزواج    "حشيش وترامادول".. النيابة تأمر بضبط عصام صاصا بعد ظهور نتائج التحليل    "الأوقاف" تكشف أسباب قرار منع تصوير الجنازات    يسرا: عادل إمام أسطورة فنية.. وأشعر وأنا معه كأنني احتضن العالم    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بمدينة 6 أكتوبر    رئيس بلدية رفح الفلسطينية يوجه رسالة للعالم    وزير الخارجية التونسي يُشيد بتوفر فرص حقيقية لإرساء شراكات جديدة مع العراق    أحمد عبد المنعم شعبان صاحب اللقطة الذهبية في مباراة الأهلي وبلدية المحلة    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    جهاز مدينة 6 أكتوبر ينفذ حملة إشغالات مكبرة بالحي السادس    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    أستاذ لغات وترجمة: إسرائيل تستخدم أفكارا مثلية خلال الرسوم المتحركة للأطفال    اعرف سعره في السوق السوداء والبنوك الرسمية.. بكم الدولار اليوم؟    خطأ هالة وهند.. إسلام بحيري: تصيد لا يؤثر فينا.. هل الحل نمشي وراء الغوغاء!    أرخص السيارات العائلية في مصر 2024    أطول عطلة رسمية.. عدد أيام إجازة عيد الاضحى 2024 ووقفة عرفات للموظفين في مصر    حبس سائق السيارة النقل المتسبب في حادث الطريق الدائري 4 أيام على ذمة التحقيقات    "أشرب سوائل بكثرة" هيئة الأرصاد الجوية تحذر بشأن حالة الطقس غدا الأحد 12 مايو 2024    بعيداً عن شربها.. تعرف على استخدامات القهوة المختلفة    حظك اليوم برج العذراء الأحد 12-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «التعليم» تعلن حاجتها لتعيين أكثر من 18 ألف معلم بجميع المحافظات (الشروط والمستندات المطلوبة)    4 قضايا تلاحق "مجدي شطة".. ومحاميه: جاري التصالح (فيديو)    علي الدين هلال: الحرب من أصعب القرارات وهي فكرة متأخرة نلجأ لها حال التهديد المباشر للأمن المصري    خلال تدشين كنيسة الرحاب.. البابا تواضروس يكرم هشام طلعت مصطفى    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفي محرم يتذكر الحلقة 3
نشر في القاهرة يوم 10 - 05 - 2011

جاءني منتج أهل القمة مذعورا وهو يقول: عايزين تودوني في داهية.. اللص الكبير في الفيلم اسمه «أنور» ومساعده «حسني». كنت أكتب أثناء تصوير فيلم «الباطنية» سيناريو فيلم «الأيدي القذرة» في الواقع لم أكن أكتبه بالمعني الحرفي فقد كان هذا الفيلم عبارة عن مسلسل تليفزيوني لتصويره سينمائيا من سبع حلقات. كان المخرج حسين عمارة بعد أن كتبت له فيلم «ابن المعز» طلب مني سباعية لتصويرها سينمائيا في مراقبة الأفلام السينمائية بالتليفزيون والتي كان المخرج محمد فاضل هو الذي يتولي أمرها. فتذكرت إحدي القصص الأجنبية كان استشهد بها الدكتور رشاد رشدي في كتيب باللغة الإنجليزية بعنوان: structu re and textwre in marration ويعني هذا «البناء والنسيج في السرد القصصي» وكنا ندرس هذا الكتيب في السنة الأولي في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، وكانت هنا قصة قصيرة أوردها رشاد رشدي علي أنها نموذج للسرد الميكانيكي المعتمد علي الصدفة في الحدث. كانت القصة تدور عن شاب اختلس أموالا لم يستطع أن يسددها وأصبح معرضا للسجن فأسودت الدنيا في عينيه وأخذ يسير علي غير هدي ودخل أحد البارات فإذا به أمام شبيه له فتعرف عليه واستدرجه إلي بيته وقتله خنقا بالغاز ووضع رسالة تفيد بأنه انتحر، انتحل الشاب شخصية القتيل بأن ارتدي ثيابه وأخذ أوراقه وترك البيت هاربا، وأثناء هربه فوجئ بالبوليس يقبض عليه، حيث يكتشف بأن الشبيه الذي قتله كان هو الآخر قد ارتكب جريمة قتل زوجته. وعندما حكيت القصة لحسين عمارة نالت إعجابه وطلب مني كتابتها، وبالفعل قمت بمعالجة القصة بحيث جعلت كل الأحداث منطقية وتخلصت من عنصر الصدفة. جعلت البطل يعمل في إحدي الشركات صرافا ويتردد عليه الشبيه حتي نمت صداقة بينهما، وجعلت نقطة الضعف في شخصية البطل إدمانه للقمار حتي اضطر إلي اختلاس مبلغ كبير. غيرة فنية لم يكن محمد فاضل قد تولي منصب مراقب الإنتاج السينمائي ولست أتذكر من كان قبله ربما كان لطفي نورالدين. المهم أننا قدمنا الحلقات فوافقت عليها لجنة القراءة وتعاقدت عليها وكانت الأمور تسير سيرا حسنا إلي أن تغير المسئول وتولي محمد فاضل بدلا منه. ويبدو أنه بعد أن قرأ الحلقات أحس بالغيرة فهو من النوع الذي يكره أن يقوم غيره بإخراج عمل ناجح ومن هذا النوع أيضا كان المخرج يحيي العلمي عندما تولي رئاسة قطاع الإنتاج، ولذلك لم يقدم أثناء فترة توليه عملا له قيمة. وظل محمد فاضل يضع العقبات أمام المسلسل وفي النهاية كلف أحد أفراد لجنة القراءة برفضه. لأنني كنت شديد الإعجاب بالموضوع خاصة بعد أن قرأ الممثل محمد صبحي الحلقات فأبدي إعجابه أيضا به ولذلك قمت بضغط الحلقات السبع إلي سيناريو فيلم سينمائي مع القيام ببعض التعديلات، وعندما طلب مني المنتج والموزع اللبناني صديقي طنوس فرنجية موضوعا أعطيت له هذا السيناريو. ويبدو أنه عرضه علي المخرج أحمد فؤاد فأبدي إعجابه الشديد به، ولكن عندما أخبرني طنوس فإنني رفضت أن يقوم أحمد فؤاد بإخراج الفيلم، فقد كانت أعماله التي قدمها لا تلقي إعجابي. وظل الموضوع عند طنوس دون تعاقد وعندما وجدته يقوم بإنتاج فيلم آخر سحبت منه السيناريو. اعتراض سعودي كان صديقي المخرج أحمد يحيي يبحث عن موضوع بشكل ملح فقد طلب منه المنتج واصف فايز موضوعا فأتي إلي فأعطيته السيناريو الذي سحبته من طنوس. قرأ أحمد يحيي سيناريو «المقامر» ونال إعجابه وأرسله إلي بعض النجوم وانتهي الأمر بموافقة محمود ياسين وعادل أدهم وناهد شريف. وخشية أن تعترض السعودية علي الاسم، لأن القمار كما ذكره القرآن رجس من عمل الشيطان فيجب اجتنابه رغم أن الفيلم يعالج النتائج السيئة للقمار. وأصبح اسم الفيلم «الأيدي القذرة». كان محمود ياسين يقوم بدورين في الفيلم دور الشخصية الأساسية وشخصية الشبيه. اختار محمود للشبيه طريقة للكلام تدل علي أنه يعاني ضغوطاً نفسية مبعثها زوجته اللعوب التي قامت بدورها فريدة سيف النصر وهي خير من تجيد هذه الأدوار، وفي الحقيقة كان الفيلم مباراة في التمثيل وأبدع فيه الجميع. لم يحقق الفيلم نجاحا كبيرا خاصة أن المنتج واصف فايز لا يهتم بالدعاية لأفلامه إلا إذا كان بطل الفيلم هو عادل إمام رغم أن عادل لا يحتاج إلي دعاية كبيرة. وأخذ محمد مختار يغيظني ويشمت في فهو لا يعترف بجودة الفيلم إلا إذا حقق إيرادا ضخما. ولكن الغريب أن النقاد أجمعوا علي تميز الفيلم وأشادوا به في الصحف والمجلات علي أنه من الأفلام التي تفخر السينما المصرية بإنتاجها. سباق الجوائز تم ترشيح أفلامي الثلاثة، مع سبق الإصرار وما يزال التحقيق مستمرا الأيدي القذرة في مسابقة وزارة الثقافة التي تحولت بعد ذلك إلي المهرجان القومي للسينما المصرية، كان رئيس اللجنة علي ما أتذكر هو صلاح أبوسيف وكان بين أعضائها صلاح التهامي ومحمد راضي وهاشم النحاس. أذكر في إحدي المرات أن قابلت صلاح أبوسيف في فترة عمل اللجنة وسألته هل شاهدت فيلم «مع سبق الإصرار» فأخبرني بأنه شاهده ولكنه يري أنه ليس هو الفيلم الذي يصلح للجائزة. وعندما سألته عن فيلم «وما يزال التحقيق مستمرا» أجابني نفس الإجابة فأدركت أنني لن أحصل علي جائزة في السيناريو، بل إنني اعتقدت أن صلاح أبوسيف يقف ضدي وهو أستاذي الذي تعلمت علي يديه كتابة السيناريو السينمائي. وعندما سألت هاشم النحاس عن رأيه في مستوي أفلام المسابقة أخبرني بأنه متحمس لفيلم «* علامة معناها الخطأ» للمخرج الممثل سمير نوار، ولم أكن أعتقد أن هذا الفيلم علي درجة عالية من الجودة. هاشم النحاس تعجبه أشياء غريبة فهو يمتدح فيلما قد يجمع عليه النقاد أنه فيلم سيء، من الأشياء المضحكة أنه قد أعجبه فيلم «اللمبي» واعتبره من الأفلام الخطيرة التي تفوح بالرمز. ولكن كل واحد حر رأيه ومع هذا النوع من النقاد إذا دخلت معهم في نقاش أتذكر الآية الكريمة «وجادلهم بالتي هي أحسن». جائزة نبيلة ظهرت نتيجة المسابقة فإذا بفيلم «وما يزال التحقيق مستمرا» يحصل علي معظم جوائز المسابقة. وحصلت نبيلة عبيد علي أول جائزة في حياتها فتذكرت موقفها السابق من سيناريو الفيلم ومحاولة إقناع إحسان عبدالقدوس بأن السيناريو ابتعد تماما عن قصته وغضب أشرف فهمي منها وغضبي أنا الآخر بعد أن علمت موقفها هذا. ووجدتها بعد حصولها علي الجائزة كادت أن تطير من الفرحة، فقد أجمع النقاد وغير النقاد بأن مولدها الحقيقي كممثلة في هذا الفيلم. علمت أنه كانت هناك معارك اشتعلت بين أفراد لجنة التحكيم وكاد المخرج محمد راضي أن يبطش ببعض أعضاء اللجنة دفاعا عن اختياراته لمن يستحقون الجوائز، وقابلت صلاح التهامي مخرج الأفلام التسجيلية وعضو اللجنة وأخبرته في خبث بأنه كان هناك من يقفون ضدي في اللجنة فإذا به يخبرني مستنكر لما أقوله بأن اللجنة كانت في حيرة بالنسبة لمنحي الجائزة علي أي فيلم من أفلامي الثلاثة وكان الخلاف الذي ثار ليس علي عدم منحي الجائزة ولكن علي أي فيلم من أفلامي الثلاثة يمنحونني الجائزة. كنت قد قرأت مجموعة نجيب القصصية «الحب فوق هضبة الهرم». نالت كل قصص المجموعة إعجابي الشديد، لاحظت مدي تأثر نجيب محفوظ في هذه القصص التي أستطيع أن أطلق عليها روايات قصيرة بالفن السينمائي وخاصة في السيناريو. ولم أكن أدري أن الحظ سيوافيني بكتابة السيناريو لمعظم قصص هذه المجموعة وهي «أهل القمة الحب فوق هضبة الهرم سمارة الأمير». فقد فوجئت بصديقي المنتج عبدالعظيم الزغبي يزورني في مكتبي ويخبرني بأنه اشتري من نجيب محفوظ قصة «أهل القمة» وأنه يريدني أن أقوم بكتابة السيناريو والحوار لها، شعرت بأن داخلي يتراقص من السرور. وأخبرني بأن المخرج هو علي بدرخان فأبديت ترحيبي بالعمل معه ومع الصديق علي درخان الذي أري أنه من أعظم مخرجي السينما المصرية. علي بدرخان هو ابن المخرج الكبير أحمد بدرخان الذي كان يشملني بحبه وعطفه حينما كنت أعمل في إدارته في مؤسسة السينما قبل أن انتقل إلي العمل مخرجا في المركز القومي للأفلام التسجيلية». تخرج علي بدرخان من المعهد العالي للسينما قسم الإخراج عام 1967، وحتي هذه اللحظة التي جاءني فيها عبدالعظيم الزغبي من أجل كتابة فيلم «أهل القمة» كان علي قد أخرج أربعة أفلام «الحب الذي كان الكرنك شيلني واشيلك شفيقة ومتولي». الحب الذي كان كان الصديق رأفت الميهي قد أخبرني بأن العمل مع علي بدرخان ليس سهلا فقد ذاق الأمرين منه عندما كتب له سيناريو فيلم «الحب الذي كان»، وبالفعل اكتشفت أن ما قاله رأفت صحيحا، فالعمل مع علي بدرخان ليس سهلا ويستغرق وقتا طويلا ويتطلب الصبر والمجهود الشاق. هو من نوعية المخرجين مثل صلاح أبوسيف الذين يقدسون النص الأدبي وفي نفس الوقت يريد أن يتفوق عليه سينمائيا بحيث لا يستطيع أحد أن يتهمه بأنه قام بتشويه النص الأدبي أو الانتقاص منه، بل إن المقارنة تصبح دائما في صالح العمل السينمائي الذي يقوم بإخراجه. وهو لذلك يستغرق وقتا طويلا حتي أنه يتجاوز العام في كثير من الأحيان، وذلك ليكون راضيا عن السيناريو والحوار. وهو يملك رؤية سينمائية متميزة وإدراكا سياسيا كبيرا. فرغم أنه من أسرة ثرية فإنه فنان يساري يذكرني بالمخرج الإيطالي العظيم فيسكونتي الذي كان يقول: «إنني أعيش مع اليمين وأولي إلي اليسار». أما من ناحية الحرفية فهو يتجاوز الكثيرين من كبار مخرجي السينما المصرية ويناطح أستاذه يوسف شاهين الذي عمل معه مساعدا، ويفهم علي بدرخان جيدا وبشكل واع في كل أركان الفن السينمائي فهو يفهم في السيناريو والتصوير والديكور والمونتاج ويعرف كيف يوظف كل هذه العناصر في أفلامه. ولذلك فهو من المخرجين يحتاج السيناريست الذي معه إلي سعة الصدر والاستعداد لإعادة ما يكتبه ربما خمس مرات أو أكثر. ويكفي أن قصة «أهل القمة» تعالج موضوعا يختص بسياسة الانفتاح الاقتصادي وأنه خدم اللصوص والمهربين أكثر مما خدم الاقتصاد المصري. أعظم النجمات كانت سعاد حسني أعظم نجمات الشاشة السينمائية العربية هي المرشحة لبطولة الفيلم، وليعذرني القارئ لأنني استعملت أفعل التفضيل، ولكن هذه هي الحقيقة فإن سعاد حسني تملك كل مقومات النجمة السينمائية وبشكل متميز. عرضت علي المنتج عبدالعظيم الزغبي بأن يكون عادل إمام هو زعتر النوري النشال وأن يكون محمود ياسين هو الضابط وأن يكون فريد شوقي هو زغلول رأفت فصاح مستنكرا واتهمني بأنني أريد أن أخرب بيته فإن ما أقوله يكلفه كثيرا. أخبرته بأن هذا يزيد من قيمة الفيلم التجارية فإذا به يخبرني بأن الفيلم سوف يتم بيعه في الخارج علي أساس سعاد حسني وآخرين مهما كان هؤلاء الآخرين. تم اختيار نور الشريف بدلا من عادل إمام وعزت العلايلي بدلا من محمود ياسين وعمر الحريري بدلا من فريد شوقي. بعد كتابة المعالجة السينمائية أو التتابع فوجئت بالمنتج عبدالعظيم الزغبي يأتي إلي مكتبي مذعورا فسألته عما به فصاح في وجهي: «انتو عايزين تودوني في داهية؟». استغربت لما يقوله فإذا به يسألني مرة أخري: «انتو مش عارفين كاتبين إيه؟»، وعندما سألته عما كتبناه فإذا به يخبرني بأن اللص الكبير الذي قام بدوره عمر الحريري اسمه «أنور» ومساعده الذي قام محمود القلعاوي بدوره اسمه «حسني» كان في ذلك الوقت أنور السادات هو رئيس الجمهورية ونائبه هو «حسني مبارك». فأقسمت له أن الأمر ليس مقصودا وإنما جاء هكذا عفويا. ولم أقل غير الصدق ولست أعرف حتي الآن الذي جعلني أكتب هذا. قمت بتغيير الاسمين إلي زغلول رأفت ولا أذكر اسم مساعده الذي قام بدوره محمود القلعاوي. دعوة علي العشاء كانت سعاد حسني تتابع باهتمام خطوات كتابة السيناريو وعما تم فيه. وقامت بدعوتي أنا وعبدالعظيم الزغبي علي الغراء في الزمالك. لم أكن ذهبت إليها من قبل. كانت لقاءاتي بها عبر المكالمات التليفونية التي كانت تستغرق في كثير من الأحيان أكثر من ساعة. كنا نتحدث خلال هذه المكالمات في كل ما يتعلق بالفن والأدب وأشرح لها ما تستوقفني عنده وذلك إذا ما لفظت أثناء حديثي اصطلاحا أدبيا أو فنيا. كانت مثل كثير من الممثلين والموسيقيين والمطربين الموهوبين الذين لم يحصلوا علي نعمة التعليم أو الذين تعلموا ولكنهم لم يحصلوا علي قدر كاف من الثقافة. حصلوا علي ثقافتهم من خلال مجالستهم لأرباب الفكر والأدب والفن والسياسة والاستماع لما يقولون أثناء هذه الجلسات. محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ
ومديحة يسري وتحية كاريوكا وبليغ حمدي وسعاد حسني كانوا من هذا النوع. لم تذهب سعاد حسني إلي أي مدرسة. كان أبوها حسني الخطاط من منطقة السيدة زينب وكنت أراه في فترة الصبا وهو يكتب بعض اللافتات التي تعلق علي واجهات المحلات. كان رجلا يعيش يوما بيوم، فبعد أن ينتهي من عمله يذهب إلي إحدي الخمارات أو البارات بحيث لا يفيق من السكر إلا في اليوم التالي. لم يكن يهتم ببيته أولاده وتزوج حسب علمي مرتين وأنجب اسمين كبيرين في عالم الفن نجاة الصغيرة وسعاد حسني، لم يهتم كثيرا بإرسال أولاده إلي المدارس للتعليم. كان من أمهر الخطاطين. ذهبت إلي بيت سعاد حسني اعتقدت أن نجمة النجوم تسكن في شقة فاخرة في الزمالك ولكني اكتشفت أنها تسكن في شقة متواضعة تقريبا في سطح إحدي العمارات القديمة. لم تكن الشقة مفروشة بما ينبئ عن ذوق سليم، ولكن وجدتها مفروشة أي كلام ووجدت أرج متوسط الحجم في صالة الشقة بطريقة لا معني لها. ولست أعلم حتي الآن كم تحتوي هذه الشقة من غرف وربما تحتوي علي غرفة واحدة وصالة مثل معظم الشقق التي علي أسطح المنازل. وعندما يري المرء أعظم نجمة سينمائية أنجبتها مصر في بيتها يظن أنها امرأة عادية غاية التواضع في ثيابها ويخلو وجهها من المساحيق إلا البسيط جدا منه بحيث قد يصعب التعرف عليها. عندما جلسنا لتناول الطعام اكتشفت أن سعاد لا تتناول الطعام الذي علي المائدة والذي نتناوله وإنما كانت تضع منضدة صغيرة في أسفل المائدة وتمد يدها من حين لآخر وتتناول ما تجلبه يدها، استغربت لذلك ثم ضربت بطرف عيني إلي أسفل المائدة فاكتشفت المائدة الصغيرة التي تحوي والباذنجان المقلي وأنواع المخللات وأشياء أخري غريبة. عندما ضبطتني أنظر إلي أسفل المائدة ابتسمت وهمست لي: «.. كل.. أنت مابتكلش ليه؟» وذلك لتصرف نظري عما تأكله هي. كنت أسمع الحكايات عن ولع سعاد بتناول الأطعمة الشعبية مثل الفول والطعمية والباذنجان المقلي والمخلل وأنها لا تتورع عن تناوله من امرأة كانت تفترش الأرض بالقرب من بوابة ستوديو الأهرام تبيع هذه الأصناف من الطعام لعمال الاستوديو وكانت لهذه المرأة شهرة بين العاملين في السينما ولا أذكر اسمها الآن. ثقافة شعبية أثناء تناولنا الطعام في بيت سعاد كان المنتج عبدالعظيم الزغبي يحدثنا عن أحدث كتاب أحضره من لندن وهو كتاب «تكنيك كتابة السيناريو» ليوجين فال ويتلوا لنا فقرات منه ومن الذاكرة وكأنه يحفظه بعد ترجمتها بالطبع فكانت سعاد تنصت في اهتمام شديد. وقام عبدالعظيم الزغبي بعد ذلك بدعوتنا للعشاء في بيته وجلسنا بعد العشاء في حجرة مكتبه وأحضر الكتاب وأخذ يقرأ منه ويترجم لسعاد التي كانت تنصت في شغف وكأنها تستمع إلي أغنية. ويشاء القدر بعد ذلك أن أقوم بترجمة هذا الكتاب تحت عنوان «فن كتابة السيناريو» وكان الصديق هاشم النحاس قد رشحني لترجمة هذا الكتاب في مشروع «الألف كتاب الثانية» الذي تولاه صديقي وزميل الدراسة الدكتور سمير سرحان. بل قمت في إحدي المرات زيارة فريق العمل في فيلمه «أهل القمة» وكان التصوير يجري في ستوديو نحاس وفي كوريدور حجرات الممثلين وذلك علي اعتبار أنه داخل أحد أقسام البوليس. كنت أقف إلي جوار المخرج علي بدرخان، حيث حشر الكاميرا في أحد الأركان وجاءت سعاد إلينا تريد أن تقترح زاوية أخري للكاميرا فإذا بعلي بدرخان يسبها فسارعت بالهرب جريا. وعند بدأت بروفة اللقطة لم أبد ارتياحا للأداء، ولكن علي بدرخان طلب مني الانتظار حتي تصوير اللقطة. وما إن دارت الكاميرا لأخذ اللقطة حتي رأيت سعاد وقد تحولت إلي شيء آخر، شيء أروع مما كنت أتصور، وقد لاحظت هذه الحالة مع أمينة رزق فإنها قبل التصوير فإنك تري امرأة عجوز متهالكة ولكن عندما تدور الكاميرا تتحول إلي غول تمثيل. لم أجلس مرة مع سعاد أو أتحدث معها عبر التليفون وسمعتها تتحدث عن زميلة لها، معظم الممثلات خاصة النجمات لا هم لهن سوي اغتيال بعضهن ما عدا سعاد حسني وشادية. كن دائما يمتدحن غيرهن من الممثلات، بل إنهما كانتا تساعدان من يعملون معهما من الممثلين والممثلات. نال فيلم «أهل القمة» نجاحا كبيرا فقد ظل يعرض في دار سينما ريفولي 14 أسبوعا وأشاد به النقاد إشادة كبيرة، أذكر أن الكاتب والروائي يوسف القعيد قد كتب مقالا في مجلة «المصور» أو مجلة «الكواكب» لا أتذكر بالضبط تحت عنوان «الفيلم الذي تفوق علي قصة نجيب محفوظ». أشياء مضحكة من الأشياء المضحكة أن جمعية النقاد عندما قررت أن تعطي جائزتها السنوية لأحد الأفلام المصرية ثار النقاش طويلا بين أعضائها بالنسبة لفيلم «أهل القمة»، وتزعم علي أبوشادي وكمال رمزي وسيد سعيد في المطالبة بعدم منحه الجائزة بحجة أن شخصية اللص التي قام بدورها نورالشريف هي شخصية ظريفة وتثير التعاطف معها. أعطوا الجائزة لفيلم آخر لا أذكره ولا يذكره التاريخ متجاهلين أن الحب الذي طهر شخصية اللص وأن ظروفه القاسية هي التي تجعلنا نتعاطف معه ونحبه وإلا لما تعاطفنا مع جان فالجان في رواية فيكتور هيجو الخالدة «البؤساء». بعد كتابة فيلم «الأيدي القذرة».. طلب مني صديقي أحمد ياسين الذي كان يعمل مساعدا لأشرف فهمي أن أكتب له سيناريو ليرتقي من درجة المساعد إلي درجة المخرج كان بشير الديك تقدم لي بناء عن رغبتي بقصة تدور عن أسطورة بيجماليون. لم تحظ القصة في الأول بإعجابي واقترحت عليه بعض التعديلات علي أن يكون بطلها طبيبا وبمعني أدق جراحا نابغة. وبعد أن انتهي من كتابة القصة كما أردت عرضتها علي أحمد ياسين فوافق عليها بعد عدة جلسات مع أحمد ياسين قمت بكتابة السيناريو وأسندت كتابة الحوار إلي بشير الديك وذلك بعد نجاحه في كتابة الحوار لفيلمي «مع سبق الإصرار» و«وما يزال التحقيق مستمرا» واختار أحمد ياسين عنوانا للفيلم غير العنوان الذي كنا اخترناه من قبل فأصبح العنوان الجديد هو «وتمضي الأحزان» وعندما علم أشرف فهمي بأن أحمد ياسين يريد أن يصبح مخرجا صايته هذا الأمر فقد كان يعتمد علي أحمد ياسين في إدارة ضايقه الفنية ويريحه من مشاكل العمل الكثيرة ولكني أخبرته بأن من حق أحمد ياسين أن يصبح مخرجا فهو لا يقل عن أحمد يحيي وأنه الأول علي دفعته. في نفس الوقت كان أحمد ياسين قد طلب من صديقه عبدالحي أديب أن يكتب له سيناريو مأخوذا عن مسرحية «الملك لير» لوليم شيكسبير تحت اسم «الملاعين» وكان أحمد ياسين معجبا إعجابا كبيرا بهذا الاسم منذ أن شاهد فيلم المخرج الإيطالي فيسكونتي الذي بنفس الاسم والذي يدور حول تحلل إحدي الأسر الألمانية قبل سقوط ألمانيا. ورغم أن سيناريو فيلم «وتمضي الأحزان» كان جاهزا ونال إعجاب محمود ياسين ونجلاء فتحي إلا أن أحمد ياسين بدأ مستقبله الفني بفيلم «الملاعين» الذي نال نجاحا لا بأس به وتقديرا كبيرا من النقاد. أخرج أحمد ياسين فيلمه الثاني «وتمضي الأحزان» ولكن الفيلم لم يلق نجاحا.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.