كان المجلس الأعلي للثقافة وعلي مدي أربعة أيام- قد عقد- مؤتمرًا حول الثقافة الأفريقية في ظل العولمة وآلياتها المهيمنة، وتناولت الأبحاث عددًا من المحاور تدور حول أفريقيا- الحضارة، والهوية، والثقافة، والمستقبل المأمول.. في مجالات السياسة، والجغرافيا، واللغة ونظم الحكم.. وتوقف البعض من الدارسين أمام أدب الطفل، وصورة المرأة في الأدب الأفريقي، والتعاون الثقافي بين دول حوض النيل.. وغيرها من الموضوعات التي ترسم صورة متكاملة لهذا التفاعل المرجو. هذا الاحتفاء بالبعد الأفريقي في المجال الثقافي استدعي دراسة مهمة كتبها د.علي شلش- رحمه الله- حول الأدب الأفريقي. وكان «علي شلش» يدعو إلي التعرف علي من يشاركنا قارتنا، وعلي من يكتبون باللغة العربية خارج مصر، وشغله التفاعل الثقافي في امتداده العربي مع الأدب الأفريقي، وانطلاقًا من هذه الدعوة قدم عددًا من الدراسات حول الآداب الأفريقية.. منها «ألوان من الأدب الأفريقي» عام 1971، «الدراما الافريقية» 1979.. ثم كتابه المتميز والشامل (الأدب الأفريقي) الصادر عن سلسلة عالم المعرفة 1994 والأدب الأفريقي شهد في العقود الثلاثة الأخيرة.. انفجارًا كميًا وكيفيًا يستدعي الملاحقة والمدارسة. والأدب الأفريقي، يعني أدب المناطق الواقعة جنوب الصحراء الكبري حتي المحيط في أقصي الجنوب، فالشعوب الأفريقية الجنوبية لها أدبها الذي يعكس ثقافتها المختلفة عن ثقافة الشمال فضلاً عن انتمائها إلي أسر لغوية واحدة، ومنه ما هو مكتوب بالفرنسية والبرتغالية والإنجليزية. الأدب الشفاهي والأدب الشفاهي يمثل مشكلة تعترض دراسة الأدب، فهو مؤثر ومتداخل مع الأدب المكتوب، ولم يجمع بطريقة شاملة ومنظمة، وجاءت الدراسات حول الأدب بنوعية- المكتوب والشفاهي- محدودة للغاية. قدم المؤلف احصائية تلقي الضوء علي الأدب الأفريقي جنوب الصحراء.. وفيها أن «425» كاتبًا يكتبون بلغات أوروبية، و380 كاتبًا يكتبون بلغات أفريقية. وفي هذه الرقعة الجغرافية 700 لغة، منها 41 لغة ذات أبجدية مكتوبة.. ص 33. مالت الدراسة إلي التحليل والمقارنة وإبراز التطور التاريخي في حركة الأدب وارتباطه بالمكان.. وتوقفت- بالدرس التحليلي- أمام أنواع أدبية منها الشعر، والمسرحية، والرواية، والقصة القصيرة، وأدب السيرة. الشاعر السنغالي سنجور والشعر أقدم فنون القول، منه الشعبي مجهول المصدر، والمكتوب بلغة أفريقية أو بلغة أوروبية.. نشأ نشأة دينية بوجه عام، وارتبط بالطقوس ذات الطابع الغرائبي.. ولاح الصراع قائمًا داخل الذات المبدعة ما بين لغة المستعمر، ولغة الوطن.. وهو ما دعا البعض إلي أن يكتب بلغة الزولو مع الإنجليزية التي يكتب بها.. مثلما كتب الشاعر «كونيتي» من جنوب إفريقيا وذلك تأكيدًا للهوية الإفريقية. يقول «كونيتي» في قصيدة عن خائنة للوطن إرضاء للقلة البيضاء اخترتِ حبيبًا من الأعداء/ ورحتِ تتباهين به أمامنا/ مثل خطيئة/ وجرؤتِ علي معانقة قاتل أبيك/ وقدتِ عشائرك إلي المشانق. ويري «سارتر» في مقدمة ديوان (سنجور) أن الشاعر في أفريقيا أشبه بالنبي، فهو صاحب رسالة، وهو معلم يهدي قومه ويبصرهم. والزنوجة في الشعر- كما يري «سنجور» شاعر السنغال.. لا تمثل عنصرية مضادة بل هي منفتحة تقبل أفضل ما عند الآخرين.. وهي المجموع الكلي لحضارة العالم الأفريقي.. والثقافة المهيمنة. زار- سنجور- حي هارلم- موطن الزنوج في نيويورك.. وعذبته الزيارة حين شاهد التفرقة العنصرية التي تمارس ضد الأفارقة.. وقال شعرًا صور فيه الدم الأسود بأنه زيت الحياة. في قصيدة (أغنية للحب) للشاعر النيجيري (ملاجاش).. نلمس العذوبة والحس الراقي، والتوق إلي الحرية، واصطياد الحلم.. «لا تحبيني يا صديقتي/ مثل ظلك/ فالظلال تختفي في المساء/ لا تحبيني مثل وسادة/ فنلتقي عند النوم/ ولا يري أحدنا الآخر أثناء النهار/ بل أحبيني مثل حلم/ فالأحلام حياتك في الليل/ وأملي بالنهار». ويري «علي شلش» أن الشعر الأفريقي، شعر «ملتزم له رسالة بحكم ما أحاط نشأته من ظروف، فهو شعر مقاومة، وثورة وتمرد وتعلق بالأرض الأم. والمسرح الأفريقي أيضًا نشأ في حضن الدين.. وأدت الشعائر الدينية دورًا بارزًا في تطور الفنون من الرقص إلي الدراما.. لكنه تطور ولم يعد وقفًا علي الغرض الديني أو الشعائري.. واتسم بطابع تعليمي، وتحرر من صلابة البناء الدرامي.. وعكس بعضًا من الديانات التي تختلط فيها الآلهة بالبشر.. حتي وصل إلي بناء جمالي قائم علي المتعة والفائدة. ما بين الأساطير والحكايات تعددت موضوعات الدراما الأفريقية ما بين الأساطير والحكايات والخرافات والعادات والبطولات وأمجاد الأسلاف.. وكان للمسرح وظائف مهمة منها.. أنه مرآة للحياة والكون، وأنه أداة للمحافظة علي التقاليد، وأنه أيضًا أداة تعليم وتثقيف (114). لكن النهضة المسرحية بدأت في الستينات ودارت المسرحيات حول القضايا الوطنية والتحولات السياسية. وبرز من كتاب المسرح، الكاتب المسرحي النيجيري «وول سونيكا» الذي كتب ما يربو علي عشرين نصًا مسرحيًا. وشهد العقد الستيني عددًا من الثورات ضد الاستعمار الأجنبي ومن ثم فإن المسرح واكب تلك الحركات ودعا إلي النضال من أجل الاستقلال، وإلي التعليم والتنمية، والاحتجاج علي الواقع المهين. يؤكد كتاب (الأدب الأفريقي أن الرواية والقصة من أغزر الأجناس الأدبية، وتحققت تلك الغزارة عن طريق الاحتكاك المباشر بالآداب الأوروبية الحديثة، وكتب الأدباء إبداعاتهم باللغات المحلية وبلغات المستعمرين أيضًا.. وشهدت لغة التونجا في زامبيا، والشونا في زيمبابوي، والزولو في جنوب أفريقيا، والهوسا في نيجيريا.. وغيرها.. أعمالاً روائية وقصصية متعددة. أضاف الأفارقة إلي الشكل الفني كثيرًا من الطابع المحلي في الحكي والسرد، ومن عناصر البيئة وجغرافية المكان. ومن هؤلاء الكتاب المبدع السنغالي «سمين عثمان».. الذي تعكس إبداعاته الاتجاهات السياسية سواء تعلق الموضوع بالماضي الاستعماري، أو بالحاضر المستقل المضطرب. وتنوعت موضوعات الرواية في أفريقيا ما بين الرواية السياسية والتاريخية والوطنية والنفسية وتنوعت أساليب الكتابة من الواقعية والرومانسية إلي الرمزية، وتعددت النماذج البشرية ما بين النموذج البطولي والتقليدي والثوري والأسطوري والمغترب والأوروبي الأبيض. يقول الروائي النيجيري (أتشيبي..). (أنا لا أري الأدب الأفريقي كوحدة واحدة وإنما أراه كمجموعة من الوحدات التي تعكس الآداب القومية والعرقية في أفريقيا). ويؤكد الكتاب أن الأدب لا يصنف علي أساس بشرة الأدباء أو مسقط رأسهم، وبل يصنف علي أساس مطابقته للتقاليد في أساليب الكتابة والمواقف المشابهة. وأن الأدب الإفريقي جنوب الصحراء.. يتسم بالتزامه القيم الأساسية في المجتمع والبناء عليها بما يلبي أشواق الإنسان الأفريقي، في عالم تصطرع فيه القيم والأفكار.