يشكل حلم الهجرة إلي بلاد القارة البيضاء -اوروبا- موضوعاً أثيراً في السينما المغربية، إذ تطرقت إليه مجموعة من الأفلام محاولة من خلال القضايا التي تناولتها رصد هذه الظاهرة الاجتماعية من بين هذه الأعمال «هنا وليه» للمخرج محمد إسماعيل، «خيول الحظ» للمخرج الجيلالي فرحاتي، «إسلام يا سلام» للمخرج سعد الشرايبي وأخيراً وليس آخرا فيلم «المنسيون» أو «منسيو التاريخ» بحسب عنوانه الفرنسي للمخرج حسن بن جلون الذي قدم في اعماله السابقة موضوعات حقوق المرأة، وسنوات الجمر والرصاص، والتهجير القسري لليهود المغاربة، في أفلامه السينمائية السابقة. الهجرة غير الشرعية ينتقل بن جلون في هذا العمل إلي تقديم موضوع الهجرة غير الشرعية والمشاكل المترتبة عنها، من استغلال جنسي، وإحباط، وخوف من الفشل. يعرض هذا العمل شأن كل أفلام بن جلون قصة محكمة الصنع تتميز بالبداية والنهاية، وتصاعد الحبكة الدرامية، مما يجعل منه فيلماً قابلاً للمشاهدة من مختلف الشرائح الاجتماعية العربية وهو هنا يبدو متأثرا بالاسلوب السينمائي المصري التقليدي، وحتي نهاية الفيلم جاءت علي غرار كلاسيكيات المدرسة السينمائية الرصينة. فقد حرص بن جلون باعتباره كاتباً للسيناريو أيضاً علي تقديم نهاية سعيدة لهذا الفيلم، حيث تم إلقاء القبض علي أفراد العصابة بعد صراع البطل وصديقه معهم وإبلاغ البوليس البلجيكي بما يقومون به، وإنقاذ حبيبته ورفيقاتها من محنتهن. وهنا لا يجنح العمل كثيرا إلي التأثر بالاساليب السينمائية الاوروبية علما أنه شارك في السيناريو كل من توفيق بو طه، دافيد ألكاين، رشيدة السعدي. يستعرض الفيلم أجواء الحياة اليومية لبعض المهاجرين في أوروبا، خصوصاً السريين منهم، ممثلين في شخصية «عزوز».. كما يستعرض عملية التهجير لبعض الفتيات اللواتي يقعن في فخ بعض العصابات التي تقوم بتهجيرهن إلي أوروبا وإرغامهن بكل الوسائل بعد ذلك علي العمل في الدعارة. بدأ فيلم «المنسيون» بلقطات سينمائية مكبرة لتعريف المشاهد بالمكان والزمان اضافة إلي التعريف بالاجواء العامة التي ستتحكم في بنية الفيلم.. فيما بعد سلط بن جلون الأضواء علي بعض المشاكل الإنسانية التي تتعرض لها بعض الفئات من المهاجرين البسطاء في شكل عام رجالاً ونساء، وخصوصاً المهاجرين السريين والأوضاع العامة التي قد يجدون أنفسهم يعيشون فيها من دون أن يستطيعوا الهروب. ويؤرخ لأناس منسيين رغم ما يعيشونه من صراعات بين الحياة والموت. وهو فيلم يقوم علي فكرة الوقوف علي هموم المجتمع وآلامه، وعلي تقريب بعض قضايا الشباب إلي الجمهور المغربي والاستماع لهموم هذة الفئة العمرية.. ولتحقيق هذه الأهداف اختار مدن فاسوالدارالبيضاء وبروكسل، لأنها تنسجم مع الرؤية التي وضعها المخرج لهذا العمل السينمائي الذي يأتي في سياق الأعمال التاريخية التي شرع حسن بن جلون في إخراجها أخيرا، من بينها أيضا الفيلم السينمائي "فين ماشي يا موشي"، الذي رصد فيه تاريخ اليهود في المغرب والتهجير القسري لهم إلي الوطن المزعوم. رؤية سوداوية ولا يركز "المنسيون" علي قضية بعينها، بل يتحدث عن مجموعة المشاكل التي يصادفها المهاجر، الذي يخرج من بلده بحثا عن عمل في أحد البلدان الأوروبية، كما أنه يتطرق لأوضاع المهاجرين بالدول الأجنبية، وتأثيرها علي جميع أوضاعهم من نفسية و اجتماعية وثقافية.ويقدم بن جلون في هذا العمل رؤية سوداوية ومريرة لتداعيات الهجرة، ويعرض الفيلم للمشاهد بطريقة سلسة ومؤثرة مثل مشاهد مافيا الدعارة التي تتصيد الفتيات المغربيات وغير المغربيات اللواتي يحلمن بالهجرة إلي أوروبا. لكن بعد وصولهن يكتشفن الواقع الذي زج بهن فيه، ليجدن أنفسهن مضطرات للعمل في الدعارة تحت التهديد إن أردن الحفاظ علي أرواحهن. موازاة مع ذلك يعرض الفيلم أيضا معاناة الشباب المغربي العاطل، والذي يتطلع إلي حياة كريمة من خلال الهجرة، خاصة الهجرة غير الشرعية، فيتم استغلاله ببشاعة في بلد أوروبي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان. وقد استطاع أبطال وبطلات الفيلم تجسيد تلك المعاناة دون السقوط في المبالغة. أصابع الاتهام من هنا يأتي الجانب الإنساني للفيلم الذي يوجه أصبع الاتهام، سواء إلي السلطات المغربية التي لا تسهم في الحد من شبكات الدعارة أو إلي بعض البلدان الأوروبية التي تستغل فقر المهاجرات خاصة المغربيات للمتاجرة فيهن. لذلك يعتبر المنسيون شريطا يساير أحداث الواقع المعاش كمايسعي العمل إلي توعية الباحثين عن الفردوس المفقود بالأخطار التي تتهددهم، ويتمني أن يعدلوا عن ركوب الأوهام وهذا مايتعارض مع النهاية السعيدة الا إذا اراد بن جلون ان يقول لنا-كعرب-ان اوروبا هي وطن الحرية والاخاء والمساواة والعدالة المفتقدة في كثير من أرجاء العالم العربي . لكن في المقابل، وعلي مستوي آخر، يحتوي الشريط علي مشاهد مثيرة وجريئة، ويتعلق الأمر بمشاهد جنسية قوية وبمشاهد تنقل أجواء الماخور، إضافة إلي مشاهد تعرض الممثلات بملابسهن الداخلية فقط دون مبرر درامي. فهل لأن الفيلم يتطرق إلي الدعارة لابد من هذه المشاهد الفجة؟ أم أن الأمر يستدعي التعامل مع تلك المشاهد بطريقة أخري مثل مشهد الاغتصاب الذي تم التعامل معه بطريقة ذكية، إذ تم التركيز علي صرخة الفتاة المغتصبة أكثر من فعل الاغتصاب؟ مما أعطي المشهد قوته مع هذه المشاهد هل بإمكان الجميع أن يري الفيلم. تهميش الإبداع شرعية هذه الأسئلة، وخصوصا السؤال الأخير، تأتي من كون أن شريحة عريضة من المواطنين ومنذ ظهور أفلام مغربية ذات جرأة مبالغ فيها أصبحت تتساءل هل بإمكانها رؤية فيلم مغربي مع أفراد العائلة دون إحراج. بمعني أن الجانب الأخلاقي والقيمي والمتمثل في احترام الحياء العام الذي يحاول البعض تهميشه في الإبداع السينمائي والفني لايزال حاضرا عند المتلقي المغربي. فكيف يمكن حل هذه المعادلة التي تتوقف عليها توجهات السينما المغربية؟ ويعد "المنسيون " عملا اجتماعيا بامتياز، تلتقي فيه أنماط حياة مختلفة، داخل أو خارج المغرب.ولم يعتمد الفيلم المبني علي قصة حب، علي بطلين كما يحدث في السينما المصرية، بل حرص علي تقديم العمل بروح الجماعة، ويحاول أن يكشف عن العديد من المواهب والطاقات الجديدة،واعادة اكتشاف للقدامي منهم ومن بين الممثلين المائة، الذين شاركوا في هذا العمل نذكر منهم : محمد خيي، وأمين الناجي، وسناء موزيان.مريم أجدو، ليلي لعرج، أمال فكا، سناء باحاج، فدوي طالب، رجاء صدقي، عبد الرحيم المنياري، أسماء الخمليشي، أمين النتجي، عبد الله شكيري، جليل داوود، عبد المالك أخميس، إضافة إلي بعض الممثلين الأوروبيين والأفارقة كما شارك في أحداثه كل من الممثلين الراحلين حسن الصقلي، وعبد الرحيم بركاش، ومحمد بن إبراهيم، وصلاح الدين بنموسي، وفاطمة الراكراكي، وحمادي التونسي، وربيع القاطي.