في أحد مشاهد مسلسل ملكة في المنفي الذي يعاد عرضه الآن علي قناة النيل للدراما، سوف تجد مفتاح الحقيقة التي تؤكد تأثر كاتبة السيناريو راوية راشد ببعض ماجاء في الفيلم التليفزيوني كوكو شانيل الذي قدمته الممثلة الأمريكية المخضرمة شيرلي ماكلين منذ ثلاثة أعوام تقريبا، ونالت عنه جائزة الجولدن جلوب! ففي المشهد الذي استعارته كاتبة السيناريو بحذافيره، تنهض نازلي في صباح اليوم التالي لوفاة أحمد حسنين باشا، في حادث سيارة، يبدو كأنها اصيبت بمس من الجنون تسأل المحيطين بها عن مكان الهدية التي احضرتها للرجل الذي أحبته، عبارة عن ساعة ذهبية مرصعة بالماس، ينظر الجميع اليها في توتر ويرفض أحدهم أن يخبرها بحقيقة أن الرجل الذي تنتظره قد مات، إنها تعرف ذلك وقد وصلها الخبر ولكنها لا تريد أن تصدق! وأخيرا تنهار باكية في لوعة وتدخل في حالة حزن عميق!الفرق بين مسلسل ملكة في المنفي وبين الفيلم التليفزيوني كوكو شانيل، هو مراعاة سن بطلة العمل، الذي لم يكن يزيد علي 36 عاما علي الأكثر، ولذلك فضل مخرج فيلم كوكو شانيل "كريستيان دوجاي" أن تقدم الممثلة الشابة "باربورا بوبلوفا "المرحلة الاولي من حياة أسطورة عالم الازياء والموضة كوكو شانيل، وهي سنوات الصبا والشباب والانوثة الصارخة، أما مرحلة الشيخوخة وبداية الانهيار فقدمته شيرلي ماكلين ! والغريب أن التي فازت بكل الجوائز التي حصل عليها الفيلم كانت شيرلي ماكلين التي قدمت بعبقرية السنوات الأخيرة في حياة المرأة التي شغلت العالم طوال ستة عقود وماتت عن خمسة وثمانين عاما، تاركة ثروة تقدر بمئات الملايين من الدولارات ومملكة للأزياء والعطور مازالت تدار حتي اليوم، وتشكل حجر اساس في صناعة الموضة في العالم! أصول الحلقات وفي السيناريو الأصلي الذي كتبته راوية راشد"وحلقاته في حوزتي"، تبدأ الاحداث كما بدأت مع فيلم كوكو شانيل، أي من سنوات الشيخوخة، حيث تمر اسطورة عالم الازياء كوكو شانيل بأزمة طاحنة بعد فشل أحدث عروضها وتدرك أن ثمة خطأ قد حدث في تقديرها للأمور، وإنها لم تعد قادرة علي منافسة خطوط الموضة الحديثة، وهو الامر الذي يعرضها لحالة من الغضب والعصبية، ولكنها بعد أن تهدأ تجمع شتات نفسها، وتفكر في تخطي المحنة، والبحث عن أفكار جديدة لعرضها التالي، وبعد أشهر من التفكير والسهر في دراسة أحوال واحتياجات المرأة العصرية تنجح في إعداد مجموعة من الازياء التي تناسب العصر"السبعينات" وتستعيد عرشها علي قمة ملوك الموضة في العالم! شيخوخة الملكة أما مسلسل ملكة في المنفي فيبدأ أيضا من سنوات شيخوخة الملكة نازلي، حيث كانت تعاني حالة من الخرف وتنادي علي ابنتها الأميرة فتحية التي لقيت مصرعها بعدة رصاصات أطلقها زوجها رياض غالي علي رأسها ففجرت مخها وحولته الي اشلاء، نازلي في حالة من الضعف والوهن وقد تركت شعر رأسها يغزوه الشيب، تنادي ابنتها المدللة والاقرب الي قلبها ولكن الابنة لا تجيب لأنها كانت قد دفنت قبل عامين! ثم تعود الاحداث إلي سنوات العشرينات من القرن العشرين عندما كانت نازلي فتاة يافعة في السادسة عشرة من عمرها «نو نو» تحضر حفلا في دار الأوبرا "القديمة" وهو الحفل الذي حضره الملك فؤاد، ووقعت عيناه علي نازلي وهي في صحبة أسرتها فقرر أن يتزوجها، ويبدو أن نجمة الجماهير نادية الجندي التي لعبت دور الملكة نازلي ، لم توافق علي أن تبدأ احداث المسلسل وهي في سن الشيخوخة، فطلبت إجراء بعض التغييرات، لتمنحها الاحداث فرصة أن تبدو أصغرسنا من عمرها الحقيقي "70 سنة"! وهو ما ضرب الموضوعية في مقتل، لأن نازلي كانت في نهاية الثلاثينات عندما جلس ابنها فاروق علي عرش مصر، أما نادية الجندي فبدت رغم كل محاولات عناد الزمن، وتجميل الواقع ضعف سن الملكة نازلي! ومع ذلك فلم تستطع إخفاء ارتعاش صوتها نتيجة تقدم السن وللأسف فإن فن التجميل لم ينجح حتي الآن في اختراع وسيلة جراحية تعيد للصوت المرتعش شبابه ! وفي مشهد آخر من مسلسل ملكة في المنفي يبدي محمود قابيل الذي أدي شخصية رجل سياسة أمريكي إعجابه بنوع البارفان الذي تضعه الملكة العجوز نازلي"نادية الجندي" فتجيبه بثقة إنه "شانيل 5ط وهو العطر المميز الذي أطلقته كوكو شانيل وحقق نجاحا كبيرا وأصبح المفضل لدي نساء الطبقات الارستقراطية في اوروبا وحقق لها ثروات ضخمة ولايزال يحتل مكانة مميزة بين العطور الباريسية! واصرار نادية الجندي علي ارتداء كما هائلا من البرانيط التي اشتهرت بصناعتها كوكو شانيل يعكس إعجابها الشديد بالفيلم التليفزيوني الذي يروي قصة حياتها! اقتباس في المنفي يهوي بعض النجوم في مصر اقتباس أجزاء من اعمال فنية أجنبية، دون الاهتمام بالسياق العام الذي جعل تلك الاعمال مميزة، وقد حرصت نادية الجندي وكاتبة السيناريو راوية راشد علي اقتباس بعض أجزاء من فيلم كوكو شانيل، ولكن هذا الاقتباس لم يرفع قيمة المسلسل الذي هاجمته صحافة العالم العربي قبل الصحافة المصرية وبلغ عدد المقالات التي استهجنت مستوي العمل ما يزيد علي سبعين مقالا، ومع ذلك تصر نادية الجندي علي أن مسلسلها قدد حقق نجاحا غير مسبوق!وكنت قد تلقيت عرضا للظهور في برنامج بدون رقابة الذي تقدمه وفاء الكيلاني علي قناة إل بي سي، التي سوف تستضيف نادية الجندي لأطرح رأيي في مسلسل ملكة في المنفي، ولكني أدركت ان مذيعة البرنامج تريد الاجهاز علي نجمة الجماهير، كما تفعل مع من تسضيفهن من ممثلات مصر، فرفضت العرض، لأن الضرب في الميت حرام، وقد يكون ملكة في المنفي هو آخر عمل فني تشارك فيه نادية الجندي، وحرام أن نحملها وحدها سوء المستوي الفني الذي ظهر عليه المسلسل ، فالمسئولية موزعة علي كل من شارك فيه خاصة مخرج العمل وكاتبة السيناريو التي واضح أنها استجابت كثيرا لرغبات بطلة العمل فاساءت الي عملها الذي كان يمكن أن يظهر بصورة افضل كثيرا مما خرج بها للناس! وعلي كل الأحوال فقد وضعت نادية الجندي خاتمة لحياتها الفنية مع نازلي، التي عاشت عمرها تتحدي كل الاعراف والتقاليد وتستجيب فقط لرغباتها وعنادها ولا تستجيب مطلقا لصوت العقل، ونداء الضمير، فماتت وحيدة وغريبة، وانتهت سيرتها في مقبرة حقيرة، ولم يترحم عليها أحد!