هل ينبغي أن نكره آرثر ميللر..؟ ولماذا ينبغي أن نكرهه! لأن مثله حين تزوج بمثلها.. مارلين مونرو أعني..كان قاسيا وفظا معها ؟ لهذا السبب قال كاتبنا الكبير أنيس منصور في مقالة له نشرت بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية عدد15 فبراير عام 2005 .. أي عقب وفاة ميللر بخمسة أيام :إنني أكره هذا الرجل لأنه أساء معاملة مارلين.. ! صراحة لايقدر عليها الا كاتب كبير مثل أنيس منصور.. فالعادة درجت علي ألا نري في الرموز الكبري التي صنعت تاريخ البشرية.. وميللر أحدها بالطبع الا ماهو مضيء.. ونتغاضي عن كل ماهو قاتم.. ولقد كان ميللر بالفعل زوجا سيئا للغاية.. فلم يكف أبدا عن توجيه الإهانات لمونرو طوال السنوات الخمس التي تزوجها فيها.. !وبالطبع قد يقرأ البعض تصريح أنيس منصور من زاوية مغايرة.. ويقدم تفسيرا قد لايخلو من الوجاهة.. أن كراهية كاتبنا الكبير لميلر تعزي إلي أن الأخير فاز بمارلين شحما ولحما.. !أما أنيس منصور فأقصي ما بلغه.. نظرة من علي بعد خمسين مترا.. حين توجه لمقابلتها في استديوهات هوليوود ليكتشف أن هذا مستحيل.. الا أن القدر كان به رحيما..حين ظهرت فجأة ولوحت له بيدها.. !! أنيس هو الفائز وحتي لو كان هذا السبب الحقيقي لكراهية أنيس منصور لميللر.. فان للأخير وجهة نظر مغايرة.. حيث يري أن أنيس منصور هو الفائز وهو الجدير بالحسد.. حيث قال ميللر بعد وفاتها:ان كل رجال العالم كانوا يحسدونني لأنني تزوجتها وكنت أحسدهم لأنهم اكتفوا بالنظراليها ولم يتزوجوها ! علي أية حال كان ميللر يبرر سلوكه الوحشي تجاه نجمة هوليوود بأنه كان يحاول اصلاحها.. ! وهذا أمر مثير للتساؤل..لقد تزوج الكاتب المسرحي الكبير مارلين لأنها مارلين.. زهوة الأنوثة.. وجمرة الاغراء في ذلك الوقت.. لم تبدو أمامه مدام كوري الحاصلة علي جائزة نوبل في الكيمياء ثم فوجيء بها في منزله مارلين مونرو السوقية ورمز الجنس الرخيص! كما وصفها..! زواج بهدف الاصلاح! وما فعله ميللر يفعله بعض المثقفين والكثير من رجال الأعمال.. يتزوجون بفنانات.. في العادة ليس لأنهن فقط فنانات.. بل لأنهن في قلب عواصم التفكير الذكوري رمز للأنوثة..وربما يواتي الرجل في هذه اللحظة شعوركهفي بالتفوق لأنه هو وحده الفائز بالنجمة التي تداعب أخيلة كل ذكور القبيلة.. تزوجها لأنها هكذا.. لكنه يفاجئها بما لاتعتاد عليه.. نمط حياتي يقيد ما اعتادت عليه من انطلاق وسهر وصداقات.. فتنتهي الحكاية عادة بالفشل.. ! وبالطبع لايبدو منطقيا أي كلام يقوله ميللر عن محاولاته لاصلاحها! ألأنه كان عاجزا ؟ أتذكر أنني قرأت شيئا قالته مونرو عن ميللر يتعلق بهذا الأمر : قالت نجمة هوليوود إنه كان يتحدث معها كثيرا عن أهمية الأبعاد الروحية والفكرية في الحياة وأن الانسان من خلال الاشباع الروحي يغوص في أعماق من المتعة تفوق أية مصدر آخر للسعادة.. ! فهل مثل هذه الأحاديث من قبل ميللر بهدف الاصلاح ؟..مونرو كان لها رأي آخر.. حيث استطردت : أظنه كان يفرط في الكلام عن السعادة الروحية لأنه علي ما يبدو كان عاجزا عن توفير مصادر السعادة الأخري ! لكنه كاتب عظيم! لكن.. أهكذا ينبغي أن نحكم علي الآخرين.. طريقتهم في الحياة.. فان أعجبتنا أحببناهم.. وان لم تروقنا أوليناهم ظهورنا ؟ لكن مثل ميللر لايمكن أن نوليه ظهورنا.. كيف نتجاهل أحد أهم كاتب مسرحي في القرن العشرين.. بل والأهم علي الاطلاق.. لو فعلنا ذلك فنحن الذين سنخسر..! لكن.. أيضا كيف نتقبل ذلك.. ! مثله أمضي عمره يكتب ويروج لمباديء اعلاء قيمة الانسان.. كيف يمكننا أن نحبه وقد فعل النقيض تماما لما يكتب ويصرح به علي الملأ حين قهر زوجته.. ! انها ذات القضية التي نحاول أن نتجاهلها دائما أن نغمض عيوننا عن الخاص في حياة الكاتب حتي لو كان هذا الخاص مستنقعا من القذارة التي تناقض ما تمتليء بها كتبه من قيم انسانية رفيعة.. ! كان زواجه من مونرو خطأ واساءته لها خطيئة.. هذا ما يراه مثلي وكثيرون غيري..آرثر من أرباب تلك المهن التي يمكن أن نطلق عليها مهن الرسالة ليس من حقهم أن يعتدوا أو يظلموا أو يتدنوا في سلوكهم.. عليهم أن يكابدوا حتي لا ينشرخ السلوك بأخدود شاسع عن الكلمة.. عليهم أن يدركوا أنهم غير البشر العاديين.. ليس مسموحا لهم بأن ينزلقوا في وحل المعصية.. لكن ماذا لو فشلوا في اختبار المكابدة.. ؟ ماذا لو لم يرق السلوك إلي نبل الكلمة.. هل ننبذهم ؟ أسئلة تنحرني بقسوتها.. فلقد أدمنت كتابا مثل تولستوي وأنطون تشيكوف لأن حياتهم اليومية تحتشد بكل ماهو نبيل من السلوك الانساني.. وشعرت أن سياجا يفصلني كمتلق عن بيكاسو لسلوكه القاسي مع ابنه وزوجته..وهذا حالي أيضا مع الكاتب الكبير آرثر ميللر.. كرهته لقسوته مع امرأة.. حتي لوكانت تلك المرأة من وجهة نظر الكثيرين الشيطانة مارلين مونرو..الا أنني مع ذلك لم أبرح مكاني في الطابور العالمي مترقبا اصداراته !.. في السابعة عشرة قرأت له وأقراني بإعجاب مسرحية وفاة بائع متجول.. ونلهث في الكتب والدوريات الثقافية عن تفاصيل قصة استدعائه من قبل لجنة مكارثي للتفتيش في تلافيف قلبه عن ميول اشتراكية بسبب مسرحيته تلك ! اللجنة ورئيسها وأعضاؤها انزووا في زوايا التاريخ.. فان كان ثمة أثرا باقيا.. فعبارة " سيئة السمعة" التي تذيل دائما اسم اللجنة كلما تطرق اليها الحديث.. والذي بقي تلك المسرحية الرائعة التي كشف فيها ميللر الوجه اللاانساني للرأسمالية الأمريكية في ذلك الوقت وحصولها علي جائزة بوليترز عام 1949 أرفع الجوائز الأدبية الأمريكية.. وكل أعماله التي انتصرت للإنسان كرواية فوكس التي كشف فيها جرائم النازية.. وحين أراد أن يكتب عن تداعيات الكساد العالمي في ثلاثينات القرن الماضي توجه إلي سجن جاكسون حيث أمضي عدة أشهر يرصد ويكتب مسرحية استلهمها من أحوال ثمانية آلاف سجين.. معظمهم ارتكبوا جرائمهم بسبب الظروف القاسية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية.. فمنهم من سرق ليأكل وآخرون سرقوا لأن السرقة أصبحت مناخا عاما.. والكثيرون أصيبوا بالجنون.. والطبيب النفسي للسجن يحاول إنقاذ الأصحاء من عدوي الجنون.. ".. .. وماخاف ميللر أبدا مثل غيره.. المئات من الكتاب والفنانين الأمريكيون الذين يعملون ألف حساب لسطوة اللوبي الاسرائيلي في الولاياتالمتحدة.. حيث أعلن مرارا سخطه علي سياسات آرئيل شارون الظالمة تجاه الشعب الفلسطيني ! أليست تلك الجوانب المضيئة في حياة آرثر ميللر تدفعنا أن نغمض عيوننا في تسامح عن أخطائه.. ؟ أظن أن الاجابة نعم.. فإن كان الأمريكيون يجرون استعداداتهم علي قدم وساق للاحتفال بمرور مئة عام علي مولد ميللر والذي يتوافق مع 17 أكتوبر المقبل.. فأظن أن كاتب أمريكا الكبير في حاجة إلي احتفاء خاص من قبل مئات الملايين من البشر حول العالم.. من خلال اعادة قراءة انتاجه.. خاصة أن مئويته تحل ونحن نكتوي ببدعة جديدة داهمنا بها بيت أزياء الليبرالية الأمريكية.. بدعة اسمها العولمة هدفها اغتيال آدميتنا..اذن الكاتب الذي قال لا للرأسمالية المتوحشة عبر " رائعته ".. جدير بأن نكافئه بأن نتسامح مع ما فعله كزوج ونمجد مافعله ككاتب..! وهذا اقتراح أتقدم به إلي المثقف الكبير د. عماد أبو غازي أن يشارك المجلس الأعلي للثقافة في الاحتفاء بمئوية ميللرعبر ندوة ينظمها في أكتوبر المقبل حول انتاجه واستدعائه أمام لجنة مكارثي.. أظن أنه من خلال ندوة كتلك يمكن أن نعبر عن حبنا لهذا المتوحش العظيم.. آرثر ميللر وتسامحنا معه.. حتي لو كان التي أساء اليها.. زهوة الأنوثة في القرن العشرين.. مارلين مونرو !