موعدها مع موسم «جني» مشاعر جمهورها.. حتي تنهل عيونه وحواسه ووجدانه محصولها الفني كل ثلاث سنوات، معارضها تحمل دائما المفاجأة في اختيار الموضوع.. من هذا المنطلق ومع إعلان فوزها بجائزة الدولة التشجيعية في الفنون قدمت د. ثناء عزالدين معرضها في قاعة «دروب» هي أستاذ متفرغ في كلية الفنون التطبيقية. مستقلة في تميزها.. ساعية إلي إدراك كنه الروح وماهيتها.. دائمة العكوف علي هذه الجزئية، من الكون وكائناته ومداراته، وروحانياته حتي تضيق الدائرة.. إلي هذا الكائن المسمي الإنسان. اختارت منذ ثلاث سنوات موضوع الملائكة.. أما هذه المرة فكان الرقص هو مدخلها لشفافية الإنسان في لوحاتها.. تلك المراوغة الراقصة التي تفرضها الحركة متضامنة مع الأبعاد الثلاثة في بعض اللوحات.. والمراوغة هي المهيمن الأساسي علي المعرض.. يأخذك في مدار حركي لا يتأتي إلا لمن خبر نقل حسه الباطني الصافي الذي يتوطن النفس الصوفية في رؤية عمق السجية ومصداقيتها.. وتقدير لمعني الشعر الصوفي الذي أصبح جزءًا موحيا داخل العمل الفني، في كتابات شعرية جزء من نغمة تشكيلية تتحاور في هدوء.. لتؤكد تلك الموسيقي الخلفية لراقصي الدراويش «المولوية». الرقص إبداع متفرد ويعد الرقص تعبيرا روحيا.. قبل أن يكون إيحاءات جسدية. اللعبة.. داخل البرواز وحركة الذكر.. التي انتقلت إلي بؤرة اللوحة دائرية مكررة هائمة محلقة خلفية اللوحة تحتضن الدرويش بواسطة الوشي المتكرر الدقيق من فن الطباعة الذي تفوقت فيه ثناء عزالدين.. فهو رسالتها للدكتوراه.. وهو عشقها الأساسي.. حين تجلس علي «الشبلون» وتبدأ في تكرار قالب اللكيشية فوق النسيج.. وكأنها تمارس لعبة مسلية.. وكذلك حين بدأت في التحضير لمعرضها.. كانت تشعر أنها تمارس لعبة إبداعية.. الرقص يدعوها.. منذ الزمن السحيق.. في راقصات المعابد الوثنية.. ثم الفرعونية.. والراقصات القبطيات بتلك الملابس بين الرومانية والفرعونية.. هن راقصات الوشم بسيوفهن المشرعة.. في تلك الخلفية من طباعة مكررة لتأكيد وجود الوشم المرسوم، وهن علامة مميزة في الفن الشعبي المصري. أيا كان نوعه.. يسمو بالروح ليتم ذلك الاتصال المتبادل بين الراقص والمتلقي.. ليتسلل إلي روحه وسريرته الفرح المتصل.. بمتابعة الحركة، وتحرك الفذ ودقة القدم.. واللفتة القادمة.. والاستدارة بعدها فهو أي المتلقي في انسجام مع الراقص أو الراقصة نتيجة انتقال هذه الطاقة الروحية.. من المؤدي إلي المتفرج. فيزداد الحبور والغبطة.. التي تتلبس المشاهد لهذه الحركة الغارقة التي تغرق في لجة المتعة والانبساط. من هذا المنطلق قدمت د. ثناء عزالدين إبداعيات معرضها.. بدأ من الرقص الصوفي للمولوية يتمحور حول علم الباطن أي الصوفية وكان التكرار سمة من السمات المزدوجة بين ثناء واللوحة.. والتي تعتمد علي تكرار الأوراد.. والأحزاب لأقطاب الصوفية. توظيف الشعر الصوفي في لوحاتها الراقصة.. تتحلي ببيوت من الشعر الصوفي من ديوان الأشواق لمحي الدين العربي الأندلسي «1164ه 1245م»: لقد صار قلبي قابلا كل صورة.. فمرعي لغزلان ودير لرهبان تهوي ثناء عزالدين زيارة الزوايا.. والتكايا.. والكنائس.. والجوامع.. تحمل سجايا.. ورهافة روحية موحية تتلخص في «الأريحية» فهي لا تدقق ولا تنمق فتضع فوق اللوحة سجية نادرة.. وبكل التلقائية رأس الدرويش.. وهي مرسومة بالمقلوب ملقاة فوق ظهره.. وهكذا عقوبتها حتي في ألوانها التي كثيرا ما تبعد عن التناقض فهي غير آبهة إلا لمصداقيتها مؤكدة في الرقص «البلدي» بكل زخمه وعفويته.. وإبداعه وتدفقه.. الذي يتجلي للعارف لتلك العلاقة الوطيدة بين دقة الطبلة.. واستجابة لحظية من الراقصة.. عطاء أو استهلاك وانسحاب.. فر وكر.. ودائرة وميل.. وأكتاف تبدي «وأنا مالي رأس وأذرع موافقة.. تعطي من نفسها الكثير وبمجرد انتهاء الزخم.. النسيان. وقد كان تعبير ثناء قويا لخلفية الراقصة المورقة الزامتة والحزينة في آن واحد.. نثرت فيها تلك الأبجديات السوداء لأحرف عربية بين الغموض في المعني والوضوح في الحس التجريدي المحيط بجسم الراقصة. هكذا العفوية.. وانبهار الإحساس.. من جزء اللامنطق في العقل إنه زواج شرعي سعيد بين الخط والتشكيل والحركة والترديد والفورم.. واللون.. وشعر ابن عربي.. وبيت لأوثان وكعبة طائف.. وألواح توراة ومصحف قرآن