كتبت يمنى مصطفى محمود استيقظ الجميع مترقبين لما سيحدث في ذلك اليوم، هل سيحضر مبارك؟ هل سيشفي الله صدورهم برؤية من فسد و أفسد البلاد علي مدي ثلاثة عقود وراء القضبان؟ ثم لم تمض دقائق الا و بدأت فعاليات المحاكمة و اذا بنا نرى رأي العين من كان ملء السمع و البصر و قد وضعه الله في المكان الذي يليق به بحق ما أساء لهذه البلاد و هذا الشعب.. شاهد الجميع محاكمة مبارك و نجليه و العادلي و اذا بنا لمرة جديدة ندرك نتيجة ملموسة لاعتصامات التحرير المتواصلة... الا ان البعض عجز(بل و رفض) الربط بين اعتصامات التحرير و ما رأيناه اليوم من محاكمة لمبارك بالرغم من أن قرار تفريغ دوائر قضائية للنظر في قضايا قتل المتظاهرين وعلانية المحاكمات و التعديلات الوزارية و اقالة يحيي الجمل وغيرها من المطالب لم تتحقق الا بعد اعتصام 8 يوليو، وبعد عدة انتقادات للمجلس العسكري اتهم فيها بالتباطؤ. على أقل تقدير.. و الحق أن الاعتصام في بادئ الأمر قد أظهر فاعلية كبيرة خاصة حين كان هناك اجماع وطني علي المطالب و حشد جماهيري سابق له، لكن ما أن تعددت المطالب و ظهرت الانقسامات و أصبح الهدف غير واضح ولا محدد حتي تفرق الناس و فقد الاعتصام قدرته علي الضغط بل و تذمر الكثيرون منه باعتباره غير ممثل لهم. إن قصر النظر علي الانتخابات المقبلة و الحنق الشديد تجاه سيطرة التيارات الاسلامية على الساحة لن يحل المشكلة و لن يأتي للنخب بأية مكاسب.. علي الشباب أن يحافظوا علي الاعتصام كورقة ضغط في الأوقات التي تستلزم الضغط و التي عليها شبه اجماع شعبي وواضحة المعالم و من ثم يسهل الحشد لها و لكن في الأوقات الأخري التي يقل فيها الاجماع عليهم العمل علي مستوي القاعدة البشرية لسد الفجوة الهائلة بين شباب الثوار و الشعب. مما يذكره الدكتور طارق سويدان في محاضراته عن منهجية التغيير أن هناك علامات علي ضرورة التغيير في التعاطي مع المشكلة ألا وهي الاحباط، الملل، المشاكل، تكرار الفشل، عدم الانتاجية، الروتين.. و بقدر ايماني باخلاص معظم الحركات المعتصمة بميدان التحرير في تضامنهم مع أهالي الشهداء و رغبتهم في التغيير قدر ما أري انه كان علي الشباب المعتصم اعادة النظر في مسألة اطالة مدة الاعتصام دون البحث عن سبل جديدة للضغط لتحقيق المطالب.. و الحق أن الاعتصام قد أتي بنتائج طيبة في البدء لا يمكن أن نغفلها الا أنه لم يلبث أن تحول الي أمر روتيني و فقد قدرته الشديدة علي الضغط و لم يتبق منه الا ضيق الناس به.. وليس السبب طبعا كلام من نوع عجلة الانتاج و تعطيل المصالح و خلافه، الأمر الذي نعلم أنه كان حادثاً منذ نظام مبارك الفاسد، فهذا الكلام ليس الا محاولة رخيصة لربط كل مشاكل مصر بالثورة و ثوارها بعد أن كانت كل مشاكلك يا مصر مرتبطة بالزيادة السكانية أيام مبارك، ولكن السبب هو أني أري أن هذا الاعتصام قد تحول (بفعل فاعل) الي شرخ كبير بين الشعب و الثوار. فبعد أن كان الشباب لديه القدرة علي تحريك الجماهير الجمعة تلو الأخري للابقاء علي زخم الثورة قبل و بعد سقوط مبارك، يبدو أنهم قد سقطوا في بؤرة "توقف الوحي" و التكرار، فاذا بهذا الاعتصام ينهكهم بسبب اندساس عناصر مثيرة للشغب بينهم أو عناصر مفرطة في الراديكالية و صار عليهم دوماً أن يحاولوا السيطرة علي كليهما و تبرير بعض أفعال هؤلاء –كغلق المجمع– مثلاً بأن غالبية المعتصمين لا يوافقون عليه و انما وراءه قلة مندسة و هو الأمر المنطقي و لكن كيف لهم اثبات ذلك للرأي العام الذي ليس له الا ما يختار الاعلام أن يوصله اليه من وجهات نظر.. وعلي قدر رفضي وألمى لفض اعتصام التحرير بتلك الفجاجة في مساء أول يوم من هذا الشهر الكريم و الذي وصل الي سب المعتصمين من قبل قوات الأمن بأقذع الألفاظ و هم يحتمون بمسجد عمر مكرم، فان ما آلمنى أكثر هو ما أحسسته من نبرة راحة من كثير من أفراد الشعب لهذا الخبر، وذلك بسبب احساسهم السابق بالتبرم من معتصمي التحرير بسبب الاعلام الذي وجه الرأي العام الي القاء اللوم عليهم في كل ما تعاني به البلاد من غياب الأمن و تدهور الاقتصاد.. فأصبح هذا الاعتصام غصة في حلق الشعب لا الحكومة، ارتاحوا لذهابها حتي و لو كان الثمن اهانة كرامة المعتصمين و الاعتداء علي أمهات الشهداء منهم. .. كل هذا أوصلني الي رأي أنه علي المخلصين من الثوار كحركات شباب 6 ابريل و ائتلاف شباب الثورة باعتبارهم ممثلين لمعظم أطياف الشباب الذين شاركوا في الثورة، ان يغيروا من أسلوبهم في التعاطي مع الشعب، وأن يسدوا الفجوة الحاصلة بينهم و بين الشعب، و لعل مبادرة الثوار بتوزيع أوراق تشرح موقف المعتصمين بعنوان "هم قاعدين ليه" هي خطوة ايجابية لحد كبير، و لكنها ليست كافية، فعليهم أن يوسعوا من محيط دائرتهم لتكون أوسع من ميدان التحرير الذي صار كالصندوق الذي نحتاج أن نفكر بخارجه كما يقول التعبير الأنجليزي، لتصل الي البيوت و القري، لتتعدي كابلات التلفزيون الرسمي لتصل حتي "الكنبة" التي يجلس عليها الشعب شخصيًا.. لعل هذه الأمور لا تحقق مكاسب سياسية علي المدي القصير، و لكنها تعد بمكاسب سياسية و اجتماعية علي المدي البعيد، لقد سارع البعض لتصديق اتهام شباب 6 ابريل بالعمالة ليس عن تحامل منهم بقدر ما هو تطبيق للمبدأ المصري الشهير (اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش) فمالوا الي تصديق الاتهام لأنهم لا يعرفون ما هي 6 ابريل و دورها النضالي في مساندة اضرابات العمال بالمحلة و الثورة من بعد ذلك.. ان بعض النخب السياسية لا تخفي ضيقها من شعبية الاخوان المسلمين و لكنهم لو وجهوا تلك الطاقة السلبية لمحاولة فهم سبب شعبيتهم لعلموا أن السبب ليس شعار "الاسلام هو الحل" (كما يظن الكثيرون) — الذي قد يكون سببًا في استقطاب فئة متعلمة متدينة لكوادرهم– و لكن المحك هو احتكاكهم و خدماتهم الاجتماعية التي يقدمونها للفقراء بالقري و النجوع بجانب دروهم السياسي. لا أقول بالضرورة أن تتحول تلك الحركات الشبابية من حركات سياسية الي جمعيات خيرية و لكني أقول علي هذه المجموعات الثورية المخلصة أن تغير من أساليب تواصلها السياسي مع المجتمع، و أن تبحث عن ما يهم أفراد الشعب (و هو بالتأكيد ليس النظام الرئاسي أو البرلماني) كي تتواصل معهم و تنال ثقتهم علي الأقل، ثم تبدأ التوعية بالمفاهيم السياسية التي ستؤثر مباشرة علي تلك الاحتياجات.. لقد أصبح الأمر أشبه بحوار مغلق بين من يسمون ب"النخب" حتي صاروا يدورون في فلك آخر غير أطياف الشعب، في الوقت الذي تجيد فيه جهات أخري لغة الخطاب و التواصل مع الشعب بالشكل الذي يمسهم و يفهمونه... إن قصر النظر علي الانتخابات المقبلة و الحنق الشديد تجاه سيطرة التيارات الاسلامية على الساحة لن يحل المشكلة و لن يأتي للنخب بأية مكاسب.. علي الشباب أن يحافظوا علي الاعتصام كورقة ضغط في الأوقات التي تستلزم الضغط و التي عليها شبه اجماع شعبي وواضحة المعالم و من ثم يسهل الحشد لها و لكن في الأوقات الأخري التي يقل فيها الاجماع عليهم العمل علي مستوي القاعدة البشرية لسد الفجوة الهائلة بين شباب الثوار و الشعب.. ربما نحمل هؤلاء الشباب ما يفوق طاقتهم فهذه الثورة شئ عظيم القي في حجورنا بغير سابق انذار و لا استعداد منا و لكن علينا أن نفيق من حالة الذهول تلك و أن نكون كباراً علي قدر المسئولية، و أن نطور من أساليبنا وحجمنا بسرعة تطور الأحداث و الا عادت الأمور كما كانت و نحن لازلنا بعد علي نفس حالة الذهول..