منذ القدم وضربات القلب لها دلالاتها لدى الإنسان، فنكاد نجزم أن أول معلومة عرفها الإنسان عن وظائف جسمه كانت تلك المتعلقة بدقات قلبه ( أو نبض قلبه). فالإنسان عرف منذ أمد بعيد أن معدل ضربات قلبه يزداد عندما يتملكه الخوف، وأدرك أنها تصبح مرتفعة جداً عند قيامه بنشاط بدني، كالكر أو الفر، أو أثناء مطاردة الفريسة، كما أنه أيقن تمام اليقين أن ضربات القلب تختفي تماماً عند موت الإنسان. كل هذه المعارف والمعلومات (الإكلينيكية إن صح التعبير) عرفها الإنسان قبل اختراع السماعة الطبية أو جهاز تخطيط القلب، بل قبل معرفته الطبابة. في هذه المقالة، نحاول أن نستعرض بشكل مبسط كل ما ينبغي للقارئ أن يعرفه أو يهمه عن ضربات القلب لدى الإنسان وما يحيط بها من معلومات ويكتنفها من أسرار . بلماذا تعني ضربات القلب؟ إن ضربات القلب تعني محصلة انقباض عضلة القلب، والمعروف أن القلب يتكون من أربع غرف ( أو حجرات)، بطينين وأذينين. ويعزى لانقباض البطينين عملية ضخ الدم عبر الشرايين إلى كل من الرئتين وبقية أجهزة الجسم. إن انقباض عضلة القلب يتم بتناغم عجيب، وبفعل خاصية عضلات القلب التي تسمح باستقبال الموجات الكهربائية التي تنبعث من عقدة محددة تقع في الجزء العلوي من الأذين الأيمن، ومن ثم توصيلها إلى بقية أجزاء القلب. وتتحكم هذه العقدة التي تسمى بالعقدة الجيبية بمعدل انبعاث الموجات الكهربائية التي تقود لاحقاً إلى عملية انقباض عضلة القلب. وتخضع هذه العقدة لتأثير الإشارات العصبية السمبثاوية ونظير السمبثاوية الصادرة من الدماغ. وتؤدي زيادة النشاط العصبي السمبثاوي إلى زيادة ضربات القلب وتسارعها، بينما تقود زيادة النشاط العصبي نظير السمبثاوي إلى خفض ضربات القلب وتثبيطها. ولضربات القلب دلالاتها في الصحة وفي المرض. فانخفاض معدل ضربات القلب في الراحة أو تجاوزها حدود معينة له دلالاته المرضية. كما أن عدم انتظام ضربات القلب أو ضعف النبض له أيضاً دلالته الإكلينيكية. أما معرفة معدل ضربات القلب القصوى للفرد أثناء الجهد البدني الأقصى، ومدى وصولها إلى المعدل المتوقع للشخص تبعاً للعمر، فإنها تساعد في التنبؤ بالحالة الصحية للقلب. بالإضافة إلى ما سبق ، كما أن ضربات القلب تستخدم في وصفة النشاط البدني، سواء لتنمية الصحة أو تحسين اللياقة البدنية، للعامة وللمرضى وللرياضيين على حد سواء، كما سنرى لاحقاً. قياس معدل ضربات القلب يتم قياس معدل ضربات القلب بالعديد من الوسائل التي تتراوح من البسيط جداً إلى الأكثر كلفة وتعقيداً ومن أكثر الوسائل استخداماً في قياس أو تقدير معدل ضربات القلب ما يلي: استخدام السماعة الطبية في هذه الطريقة يمكن لنا سماع ضربات القلب مباشرة أثناء انقباض عضلة القلب وانبساطها. ويعد الفراغ بين الضلعي الثالث في الجهة اليسرى من القلب هو أفضل موقع لسماع دقات القلب بوضوح. إلا أن سماعة الطبيب ليست فقط لقياس معدل ضربات القلب، بل أن الغرض الأساسي للسماعة هو سماع أصوات القلب، وهي الأصوات التي يحدثها مرور الدم عبر صمامات القلب المختلفة. بواسطة جهاز تخطيط القلب الكهربائي يمكن الاستدلال بدقة على معدل ضربات القلب من خلال قراءة تخطيط القلب، بواسطة جهاز تخطيط القلب الكهربائي. وتكمن عملية تخطيط القلب في أن القلب يصدر موجات كهربائية تنبعث من عقدة متخصصة هي العقدة الجيبية، موجودة في الجزء العلوي من الأذين الأيمن. ونظراً لأن العقدة الجيبية هي التي تصدر الموجات الكهربائية إلى بقية أجزاء القلب المختلفة، فهي تسمى ضابط إيقاع القلب. وعند وضع مجسات ( لاقِطات) في أماكن محددة على الصدر، فإنه يمكن التقاط هذه الموجات الكهربائية الصادر من العقدة الجيبية والمنتشرة عبر أجزاء القلب، وبالتالي رسمها على جهاز تخطيط القلب. وتخطيط القلب يعطي معلومات أخرى عن حالة القلب، وخاصة ما يتعلق بتروية شرايين القلب التاجية. ويوجد حالياً في الأسواق بعض الأجهزة القادرة على التقاط الموجات الكهربائية وتحويلها رقمياً على شاشة، يمكننا من خلالها قراءة معدل ضربات القلب مباشرة من على شاشة الجهاز. بواسطة تحسس نبض القلب يمكن معرفة معدل ضربات القلب بسهولة ويسر من خلال تحسس نبض القلب. فالمعروف أن ضخ الدم بواسطة القلب إلى أجزاء الجسم يتم على هيئة نبضات تتزامن مع ضربات القلب، وعليه يمكننا تحسس هذا النبض الدموي عبر الشرايين عند وضع إصبعين أو ثلاثة على شرايين معينة في الجسم وبالتالي عد ضربات القلب بالدقيقة . ومن أهم المواقع التي يمكن من خلالها تحسس النبض هما موقع الشريان السباتي الموجود على جانبي الرقبة، والشريان الكعبري الموجود فوق عظمة الكعبرة عند مفصل الرسغ. ويتم قياس نبض الدم بالضغط برفق على موقع الشريان بإصبعين أو ثلاثة من أصابع اليد حتى الشعور بالنبض، ثم بعد ذلك حساب عدد مرات النبض في الدقيقة . معدل ضربات القلب في الراحة: تبلغ ضربات القلب في الراحة أعلاها لدى المولود حديثاً ثم تتناقص بالتدريج مع التقدم في العمر. فعلى سبيل المثال، يبلغ معدل ضربات القلب لدى الطفل في عمر 4 سنوات من 100 – 110 ضربة في الدقيقة، ثم تنخفض تدريجياً مع التقدم في العمر لتصل مابين 60-100 ضربة في الدقيقة أو مامعدله 70 – 80 ضربة في الدقيقة لدى الشخص السليم غير الرياضي في العشرين من عمره. ويعني ذلك أن القلب يدفع كمية محددة من الدم ( تبلغ حوالي 60 ملي لتر للذكر البالغ المتوسط الحجم) في كل ضربة من ضرباته. وبحساب مجمل عدد ضربات القلب في الراحة لدى الشخص السليم نجد أنها تتجاوز 100 ألف ضربة في اليوم الواحد (أي أكثر من 37 مليون ضربة في السنة). ويوضح الجدول رقم (1) معدلات ضربات القلب في الراحة لدى الإنسان مقارنة بضربات القلب لدى بعض الحيوانات، ويبدو بشكل عام أنه كلما ازداد حجم الجسم تبعاً لنوع الكائن انخفضت ضربات قلبه. جدول رقم (1): معدلات ضربات القلب في الراحة لدى الإنسان مقارنة ببعض الأنواع من الحيوانات