مرض عالجه الأطباء منذ القرون الوسطى تصيب أجفان العيون أمراض كثيرة ومتعددة من بينها التهاب حواف الاجفان بأنواعه المختلفة والتراخوما فضلاً عن مرض البردة.. ولقد عرف الطب كل هذه الامراض تشخيصاً وعلاجاً دوائياً وجراحياً .. فماذا عن البردة تسمية ووصفاً وأعراضاً ومعالجات؟ البردة معناها التخمة لان التخمة تبرد المعدة فلا تستمرئ الطعام ولاتنضجه .. ولقد وردت في المعجم الطبي الموحد مضبوطة بالشكل بفتح الباء والراء والدال .. ولقد عرفها ابن سينا في كتابه (القانون في الطب ) بانها رطوبة تغلظ وتتحجر في باطن الجفن .. أما خليفة ابن سينا المحاسن الحلبي فقد عرفها في كتابة الكافي في الكحل بانها ورم صغير صلب مائل للبياض يشبة البردة في شكله ويكثر وجوده في الخريف والشتاء وهو من أمراض الجفون ، لكن الرازي يقول : أما البردة فرطوبة غليظة تجمد في باطن الجفن فهي تجمع مواد غليظة تتجمد في الاجفان وتشبه بشكلها حبه البرد .. وكذلك الزهراوي يعرفها بانها كتلة ورمية صلبة تتموضع في الاجفان بشكل عارض وتشبه حبة البرد. وبذلك نستنتج من التعاريف السابقة بعباراتها وصيغتها المختلفة بان البردة هي ورم مفرد بالعدد ، صلب وقاس في القوام ،مستدير ومكور يشبه في شكله حبة البرد ولونه قريب للبياض . أسباب البردة وأعراضها كتب الطب الحديثة مثلما هي كتب الاطباء العرب المسلمين في القرون الوسطى عرفت البردة chalazion بأنه تورم صغير ( كيس صغير ) في جفن العين العلوي أو السفلي نتيجة انسداد بعض الغدد الدهنية الموجودة في الجفن الداخلي للعين و هو اكثر انتشارا في البالغين الأطفال. * ماذا اذن عن أسباب تكون هذا الورم أو الالتهاب ؟ توجد الغدد الدهنية meibomian glands مباشرة تحت سطح الجفن الداخلي. و وظيفتها هي تكوين سائل دهني و إفرازه ليكون غشاء دمعياً خفيفاً جدا حول الجفن الداخلي للعين حتى يمنع حدوث جفاف للعين و يسهل حركة العين و الجفون ( lubricante ). وإذا حدث انسداد في بعض هذه الغدد فلا يتم إفراز السائل الدهني و يتجمع داخل الغدة مكونا كيساً صغيراً يحتوى على هذا السائل الدهني . في البداية يكون هذا الكيس الدهني متورماً و متهيجاً، ثم بعد عدة أيام يتحول إلى كيس صغير بالجفن غير مؤلم نهائيا و يمكن أن يظل لشهور عدة. و يكون مصيره في النهاية إما أن يختفي تماما بعد فترة و إما أن يستمر في زيادة حجمه تدريجيا حتى انه يمكن أن يصل إلى أن يعوق عملية الأبصار لأنه يكون قد اصبح حاجزا أمام قرنية العين. * ما أهم أعراض المرض ؟ تورم صغير ( كيس صغير ) في الجفن العلوي أو السفلي للعين ( أكثر انتشارا في الجفن العلوي ).. ألم بسيط و تهيج في جفن العين أحيانا. لا تتأثر الرؤية إلا في حالات قليلة جدا إذا زاد حجم الكيس الدهني لدرجة أن يصبح حاجزاً في مجال الرؤية، وألم و تورم شديد ان في جفن العين إذا حدث التهاب بكتيري للكيس الدهني.. وهنا ينبغي التفرقة بين الكيس الدهني ( البردة ) و بين الجليجل stye الذي يظهر في أهداب الجفن ( بويصلة شعر الرموش ) و الذي يكون اكثر ألما و احمرارا. *متى يتم التوجه لطبيب العيون؟ إذا لم يحدث تحسن للاحمرار و التورم مع استخدام الكمادات الدافئة خلال 3 – 4 أيام ولابد من التوجه الى الطبيب أيضاً إذا ظهرت إحدى الأعراض التالية:ارتفاع في درجةالحرارة.. صداع.. تغيرات في الإبصار.. أوتورم و احمرار شديد بالعين، أوتورم في كلتا العينين. * كيف تتم معالجة البردة ؟ عمل كمادات دافئة للعين لمدة 15 – 20 دقيقة 3-4 مرات يوميا مع بعض التدليك الخفيف لجفن العين. أكثر من 50% من الحالات يختفي الكيس الدهني نهائيا بتلك الطريقة البسيطة. في بعض الحالات يتم استخدام مراهم للعين تحتوى على كورتيزون خاصة إذا كان حجم الكيس الدهني كبيراً أو تكرر ظهوره عدة مرات. في حالة عدم الاستجابة يكون العلاج جراحيا لتفريغ الكيس الدهني أو استئصاله. و تتم الجراحة بواسطة تخدير موضعي و ليس كليا. إذا حدث التهاب بكتيري للكيس الدهني يتم استخدام مرهم مضاد حيوي للعين. في البعض قد يتكرر حدوث الكيس الدهني، و ينصح أن يقوموا بعمل كمادات دافئة للعين مع بعض التدليك الخفيف كل صباح للوقاية من تكرار حدوث الكيس الدهني. وصفات قدامى الاطباء ولقد بلغ الطب العربي الاسلامي درجة كبيرة في ميدان معرفة هذا المرض وتشخيصه وعلاجه ما يدل على كفاءتهم ومهارتهم ونبوغهم على الرغم من وسائل التشخيص والعلاج البدائية في ذلك الزمان .. لقد كان الغرض من العلاج هو أن يتم تليين المادة المنحبسة وتحليلها، لذلك استخدمت أدوية متعددة وضمادات وكمادات. ويلجأ للجراحة إن لم تنفع الطرق السابقة. يقول ابن سينا في العلاج : «يستعمل عليها لطوخ من وسخ الكوائر وغيرها، وربما زيد عليه دهن الورد وصمغ البطم وأنزورت أو يطلى بأشق مسحوق بخلّ، وبارزد ، أو حلتيت ، أو طلاء أوربياسيوس . من ذلك نجد أن ابن سينا قد ركزعلى العلاج الدوائي فقط ولم يتطرق لشيء من العلاج الجراحي، وقد يكون السبب في ذلك هو أنه لا توجد معلومات وافية عن الجراحة في ذاك الوقت أو عدم درايته بذلك. أما ابن النفيس فيقول: «الغرض هاهنا هو تحليل المادة لكن التحليل الصرف يزيد المادة تحجراً فلابد من تليين، وقد يحتاج أيضاً إلى التقطيع وذلك بمثل الخلّ لتصغر الأجزاء فتتهيأ للتحليل، ومن الأدوية الجيدة سكبينخ أو أشق أو قنة ، أيها كان بالخلّ وكذلك الحلتيت ، وصمغ البطم بدهن الورد أو دهن البطم مع الشمع والصمغ أو كندر ومر من كل واحد درهم، لادن ربع درهم، شمع نصف درهم، شب ربع درهم، تورق إضافةً إلى جمعها بزيت عتيق أو عكر السوسن، وقد تحتاج إلى الاستفراغ إذا قارن ذلك امتلاء. أما عن البردة التي تكون مائلة للداخل فيقول الزهراوي: «فإن كانت البردة مائلة إلى داخل الجفن نحو السطح الداخل فاقلب الجفن وعلّق البردة بسنارة من غير أن تحتاج إلى شق واجتزّها من كل جهة فإن أنفذت الجفن بالقطع لم يضر ذلك شيئاً، ثم اغسل العين بعد قطع البردة بالماء المالح وعالج الموضع بما يلحم حتى يبرأ العليل .