أمر الله تعالى بأن تُعامَل النساء بالمعروف، فقال جل ذكره: {وعاشروهن بالمعروف}، والمعروف كلمة جامعة لكل فعل وقول وخلق نبيل، يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في التفسير: أي طيّبوا أقوالكم لهنّ، وحسّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطّف بهم، ويوسعهم نفقته ويضاحك نساءه. لقد أوصى صلى الله عليه وآله وسلم بهنّ خيراً في نصوص كثيرة، منها حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وخياركم خيارهم لنسائهم"، وفي لفظ آخر: "وألطفهم بأهله". بل خوّف ورهّب صلى الله عليه وآله وسلم مَن تزوج أكثر من واحدة ثم لم يعدل بينهن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل"، وأرشد بفعاله ومقاله إلى أهمية مراعاة ما طُبعن عليه من الغيرة، فعن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم عند إحدى أمهات المؤمنين، فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام، فضربت يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول: غارت أمكم كُلوا، فأكلوا، فأمر حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها، فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها"، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "افتقدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة، فظننتُ أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسستُ ثم رجعت، فإذا هو راكع أو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت، فقلت: بأبي وأمي إنك لفي شأن وإني لفي آخر"، وقالت أيضاً: "التمستُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأدخلت يدي في شعره، فقال قد جاءك شيطانك، فقلت: أما لكَ شيطان؟ قال: بلى، ولكن الله أعانني عليه فأسلم". لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم وفياً لنسائه غاية الوفاء، حتى بعد وفاتهن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما غرتُ على امرأة ما غرتُ على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها قالت، وتزوّجَني بعدها بثلاث سنين". كما كان عليه الصلاة والسلام يتيح لهن أن ينفذن شيئاً من غيرتهن، بحيث لا يتجاوزن الحد المشروع، ويضفي على سلوكهن ذلك المرح والابتسامة، فعن أبي سلمة رضي الله عنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ''زارتنا سودة يوماً، فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري والأخرى في حجرها، فعملتُ لها حريرة، أو قال خزيرة، فقلتُ: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلي أو لألطّخن وجهك، فأبت، فأخذتُ من القصعة شيئاً فلطّختُ به وجهها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجله من حجرها تستقيد مني، فأخذتُ من القصعة شيئاً فلطّختُ به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه صلى الله عليه وآله وسلم يضحك، فإذا عمر يقول: يا عبد الله بن عمر، يا عبد الله بن عمر، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ''قوما فاغسلا وجوهكما، فلا أحسب عمر إلا داخلاً''. بل إنه عليه الصلاة والسلام بيّن لأمته أن اللهو واللعب مع الزوجة مما يُثاب عليه الرجل، بل لا يُعدّ من اللهو أصلاً، ففي حديث عطاء بن أبي رباح قال: رأيتُ جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريَّيْن يرميان، فملّ أحدهما فجلس، فقال الآخر: كسلتَ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو ولهو إلا أربعة خصال: مشي بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة". وكان يراعي فيهن حالهن والسنّ التي كان عليها بعضهن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنتُ ألعب بالبنات (أي بالدُّمى)، فربما دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصواحباتي عندي، فإذا رأين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرَرْنَ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كما أنت وكما أنتن".