يقصد بالأنانية في علم النفس (حب الذات), ويعني نظرة الفرد للعالم الذي يعيش فيه من خلال مصالحه ومنافعه الشخصية, فإذا ماصاحبه قدر من التشدد في التزام فمصلحته الذاتية تحّول إلى أنانية. وهي تبدأ من الطفولة حيث تكون حاجات الطفل ومصالحه الذاتية هي محور حياته بسبب ضعفه واعتماده على الآخرين كلياً ولهذا كان الأطفال أنانيين بطبيعتهم لأن العالم هو الذي يتمركز حولهم ويعتني بهم ويهتم بهم فتتشكل لديهم وجهة نظرهم الخاصة حتى سن معينة تساعد على تولد الأنانية في هذا العمر. وبمرور الأيام يتعلم هؤلاء الأطفال رؤية الأمور من وجهة نظر الآخرين فتبدأ عندهم نزعة "الأنا" بالاضمحلال تدريجياً ليظهر مكانها كلمة"نحن"، هذه النزعة تبدأ في الظهور في عمر (4-5) سنوات, حيث يتحولون من الذاتية والفردية إلى إدراك التعايش ضمن مجموعة وذلك عن طريق اللعب الجماعي وتشارك المصالح, فيقل انشغالهم الذاتي بأنفسهم إلى انشغالهم بالآخرين. ومن الأمور التي تثير انتباه التربويين استمرار الفردية والأنانية عند الطفل بعد مرور (5) سنوات ولها أسباب يجب معرفتها لتجنب الوقوع بها وهي : 1- المخاوف: لها أوجه وأسباب كثيرة، مثل: ● تفكك الأسرة وطلاق الوالدين من الأسباب الرئيسية التي تسبب الخوف عند الأطفال فيشعر بفقدان الحماية من الطرفين، بسبب نقص أو قلة الاهتمام به. ● المشكلات المستمرة بين الوالدين، يؤدي إلى الخوف المستمر، لأنه يفقد الثقة في إمكانية وجود شخص حكيم يقتدي به أو يأخذ برأيه. ● فقدان أحد الوالدين إما بسجن أحدهم وإما بوفاته. هذه الحالة تولدّ عند الطفل خبرة سلبية تؤدي إلى خوفه من الآخرين، إلى حين وجود الشخص الثقة الذي يعيد له ذاته. ● المخاوف العديدة التي تسكن نفسية الطفل وأسبابها عديدة مثل: هجر الأب للبيت، بخل الأب، صراخ الأب المستمر داخل المنزل، التصرفات السلبية لأحد أفراد العائلة وغيرها. ● تعرض الطفل للإيذاء من الآخرين. ● الخوف الذي يولده الأبوان في الطفل من خلال سخريتهم منه وانتقادهم له، أو ما يسمى بعدم ثبات التنشئة، أو جهل الوالدين بالخصائص النمائية للطفل، فالأب والأم مصدر حماية وليسا مصدر سخرية واستهزاء ومع مرور الوقت يتولد لدى الطفل تردد في اتخاذ القرار وهذا يؤدي مستقبلاً إلى التمركز حول ذاته كنوع من أنواع الحماية، لعدم ثقته بأي قرار في حياته، فيكون الهروب الاجتماعي أفضل الحلول. 2- الدلال: والمقصود بالدلال هو تلبية كافة رغبات الطفل كردة فعل للطفولة المحرومة التي كان يعانيها أحد الوالدين في طفولته، فينشأ غير قادر على التكيّف مع الآخرين حيث تتأخر أو تختفي عنده روح الجماعة أوالفريق، ويبقى الطفل متمسكاً بأسلوب التعامل الطفولي المتمركز حول الذات أو الأنانية. تعد هذه الحالة مؤثراً سلبياً إذا استمرت إلى ما بعد عمر عشر أو اثني عشر عاماً حيث تبدأ مرحلة أخرى في حياة الطفل المدلّل فيذهب بعيداً في أحلام اليقظة وإلى تخيلات أخرى، حيث يتخيل أنه طفل عظيم وأنه محور اهتمام الآخرين، ويصاب بوضع نفسي مؤذٍ إذا شعر في هذه المرحلة بتحول الاهتمام إلى شخص آخر غيره، وقد يشعر الطفل بالغيرة في هذه المرحلة من أخيه الرضيع وتزداد هذه الحالة عمقاً إذا قدر الله وكان طفلاً ذكياً في المدرسة وكان من الأوائل وكان مميزاً في دراسته، فإنه في هذه الحالة لن يكون محور اهتمام الأبويين فقط وإنّما محور اهتمام المعلمين والإدارة أيضاً، مما يعمّق لديه الشعور بالأنانية والتمركز حول الذات. 3- عدم حكمة الآباء: يتعرض الطفل في حياته إلى ضغط ومشكلات أو إيذاء من الآخرين وهذا شيء طبيعي، لأن هكذا طبيعة الحياة، والأمر غير الطبيعي أن الأب في هذه الحالة يثور ويسخط من أجل حق ابنه ويسارع إلى تأييد وجهة نظر ابنه ويلقي باللوم على الآخرين بظلمهم له ومحاولة استغلاله، ويحاول الجلوس مع ابنه لإعطائه ملاحظات ومحاضرات للدفاع عن حقوقه، وهذا يحدث في مدارسنا للأسف، فالأب يحاول الدفاع عن حق ابنه بوجوده وأمام المعلمين والإدارة، فيتجرأ الابن على المعلمين في مرات قادمة لأن الأنانية والتمركز حول الذات تعمقت لديه وأصبحت من صفات شخصيته. 4- الطفل الوحيد : الطفل الوحيد يتعرض إلى حماية زائدة ومحبة شديدة من قبل والديه أكثر من غيره، وهو محاط بالحماية من أي مؤثر خارجي فينشأ غير قادر على تحمل المسؤولية، ولا يمارس نشاطات الأطفال الناضجين كالشراء والمساعدة في أعمال المنزل والحديقة، ويقوده والداه في كل كبيرة وصغيرة، فتتأخر عنده القدرة على ضبط نزعاته الداخلية فيميل إلى النزعة الفردية. علاوة على عدم وجود أشقاء لديه لتطارح الأفكار والنقاشات وتبادل المصالح ومشاركة الأدوار, فينشأ طفلاً أنانياً. 5- عدم النضج : لكثير من الأسباب ومنها ما ذكر سابقاً، فإن بعض الأطفال يتأخر عندهم النضج، هؤلاء الأطفال تعودوا على الحصول على كل ما يريدون وقتما يريدون، فتتولد لديهم عدم القدرة على الالتزام بالاتفاقيات سواء مع الوالدين أو الزملاء، والأدهى أن ينعته الكبار بعبارات ترسّخ عنده عدم النضج مثل:-"أنت مش رح تكبر" ، "أنت رح يضل عقلك صغير"، حيث تؤدي هذه العبارات إلى ترسيخ فكرة قناعة الذات بهذه الفكرة فتصبح من صفاته الرئيسية. هؤلاء الأطفال تنشأ لديهم عدم القدرة على المقارنات العقلية والخروج بنتائج إيجابية لما يواجههم من مشكلات حياتية فتنشأ لديهم الأنانية. ما هو أسلوب التربية الصحيح لتفادي وصول الطفل إلى الأنانية؟ لا شك أن مفهوم الإنسان عن نفسه مستمد من سلوك الأشخاص الهامين في حياته، وهم الوالدان في الدرجة الأولى ثم المعلمون في الدرجة الثانية. لذلك ثبت بالدراسات أن الأطفال الذين يشعرون بالحب والعطف والتقبل والاحترام يتولد لديهم شعور إيجابي نحو الذات .
لذا فإنّ أفضل طريقة لمنع الأنانية عند الطفل هي: 1. مساعدته لكي يشعر بالاحترام والجدارة والكفاءة والإطمئنان. 2. دمجه في مشكلات الحياة شيئاً فشيئاً ومناقشته في ما يحدث معه من عقبات بصفتها حالة طبيعية وأن المواقف والعقبات ستولد لديه المقدرة الكافية التي تساعده على خوض تجارب الحياة بسهولة في المستقبل. و ستولد لديه الفهم الأفضل للحياة ومعانيها. 3. تكليفه ببعض مسؤوليات الكبار السهلة ليشعر بذاته. 4. مناقشة الطفل باستمرار بالسلوك الذي يتبعه وآثاره السلبية عليه وعلى من حوله. 5. تذكير الطفل بأن سلوكه غير إيجابي ويؤذي من حوله. 6. عدم الانصياع لرغبات الطفل وعدم تلبية كافة حاجاته حتى لا يصل إلى حد الدلال المفرط. 7. إشراك الطفل بالأنشطة الجماعية وإبعاده عن الألعاب الفردية حتى يشعر بأهمية الجماعة والعمل التعاوني ومساعدته على الاندماج. 8. توفير الحب والتقبل داخل الأسرة وإشعاره بأهمية وجوده في الأسرة. 9. توفير القدوة الحسنة الكريمة من قبل الوالدين حيث تعد أفضل الوسائل لترسيخ المعاني الحميدة والجيدة والسلوك الحسن. 10. تعليم الطفل الإيثار من خلال قصص اجتماعية ودينية وتعويده على سلوك الإيثار. 11. تعويد الطفل على الشعور بالآخرين والاهتمام بهم ومساعدتهم من خلال زيارة بعض المناطق والمواقع والتي يعاني فيها الأطفال الحرمان.