فيديو.. رئيس قناة السويس: ندرس تجديد حافز ال15% للسفن وخفض تكاليف التأمين    مدبولي يلتقي نائب رئيس "المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني".. صور    ستارمر: بريطانيا ستزود أوكرانيا بمزيد من صواريخ الدفاع الجوي    6 حكام مصريين في كأس أمم أفريقيا 2025    هاري كين ينفي تفاوضه مع برشلونة    "الوطنية للإعلام" تُصدر قرارًا بتكليف عدد من قيادات ماسبيرو    أعمال محمد عبد الوهاب بقيادة علاء عبد السلام فى أوبرا الإسكندرية    ضبط محاولات التزوير في انتخابات مجلس النواب بالغربية    إقبال كثيف على انتخابات مجلس النواب في الجمالية وباب الشعرية    استمرار حبس رمضان صبحي حتى 30 ديسمبر للنطق بالحكم    تداول فيديو لشاب يوزع المال لشراء أصوات الناخبين بالشرقية    اكسترا نيوز: الإسماعيلية تحقق نسب مشاركة قياسية في انتخابات النواب 2025    يلا شوت بث مباشر.. الهلال × الشرطة العراقي على تويتر بث مباشر مجانًا دون تشفير أو اشتراك | دوري أبطال آسيا 2025-2026    محامية فضل شاكر ل اليوم السابع: حالة المطرب الصحية جيدة ومعنوياته مرتفعة    الأزهر للفتوي: التهديد بنشر خصوصيات طرفي الحياة الزوجية.. جريمة دينية    النصر يختار أبو ظبي لمعسكره خلال كأس العرب    بعد انتهاء ساعة الراحة.. استئناف التصويت بمدينة 15 مايو فى انتخابات النواب    تامر هجرس يكشف تفاصيل دوره في فيلم "عائلة دياب ع الباب" مع محمد سعد    من فيلم "السادة الأفاضل".. الحاجة نبيلة تغني "بره هالله هالله" بتوقيع أحمد زعيم    منتخب الكويت يهزم موريتانيا ويتأهل لمجموعة مصر في كأس العرب 2025    الأوقاف تحتفل باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.. والأزهري: رسالة تقدير وتعظيم لدورها ومكانتها    "الصحة" تكشف حقيقة ظهور متحور جديد لفيروس كورونا    انعقاد جولة مشاورات سياسية بين مصر واليونان    استئناف التصويت بعد انتهاء استراحة القضاة وتزايد حضور الناخبين أمام لجان القصر العيني    إعلامي يكشف عن رحيل 6 لاعبين جدد من الزمالك    تأجيل محاكمة 24 متهما بخلية مدينة نصر    موقف إدارة ريال مدريد من رحيل ألونسو بعد تراجع النتائج    نائب رئيس حزب المؤتمر: وعي الشعب أسقط حملات الإخوان لتشويه الانتخابات    وزير قطاع الأعمال يترأس الجمعية العامة للقابضة للأدوية لاعتماد نتائج أعمال العام المالي 2024-2025    الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق دبلومة صحافة الذكاء الاصطناعي    مراسل إكسترا نيوز بالدقهلية: انتظام العملية الانتخابية وسط إقبال متزايد    وكيل توفيق محمد يفجر مفاجأة بشأن انتقاله للأهلي في يناير    أمن المنافذ يضبط 66 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    تأجيل محاكمة الصغير المتهم بإنهاء حياة صديقه بالمنشار في الإسماعيلية    محافظ الجيزة: تطوير عيادات الصف والبدرشين وروز اليوسف والبراجيل ومركز كُلى البطران    الداخلية تضبط مدير كيان تعليمي وهمي بالدقي بتهمة النصب على المواطنين    الداخلية تضبط 3 متهمين بجرائم سرقات متنوعة في القاهرة    مراسلة إكسترا نيوز بدمياط: تنظيم وانسيابية فى اليوم الثانى لانتخابات النواب    تكريم عمار الشريعي بلمسة أوركسترا بريطانية    وزير التعليم الإيطالى: أشكر مصر على الاهتمام بتعليم الإيطالية بالثانوية والإعدادية    لاعب إيفرتون: مشادة جانا جاي مع كين كانت لحظة جنون.. وهذا ما حدث في الاستراحة    رئيس الوزراء والوزير الأول للجزائر يترأسان غدا اجتماع اللجنة العليا المشتركة    الداخلية تكشف تفاصيل تعطيل شخص حركة المرور    مغادرة مئات شاحنات المساعدات معبر رفح البري إلى كرم أبو سالم لدعم أهالي غزة    بعد تصنيف «كارتل الشمس» إرهابية.. أمريكا تستعرض قواتها قرب فنزويلا    وزير التعليم: أتوجه بالشكر للرئيس السيسى تقديرا على اهتمامه البالغ بالتعليم    انسيابية عالية وإقبال كثيف.. الشباب والمرأة يتصدرون المشهد في القليوبية | فيديو    مجلس حكماء المسلمين يدعو لتعزيز الوعي بحقوق المرأة وحمايتها من كل أشكال العنف    الصين: أجواء المكالمة الهاتفية بين شي وترامب كانت "إيجابية وودية وبناءة"    الاحتلال ينفذ عمليات نسف للمباني في غزة مع قصف مدفعي شرق خان يونس    وزير الصحة: مصر وتركيا شريكان استراتيجيان في بناء أمن صحي إقليمي قائم على التصنيع والتكامل    الافتاء توضح حكم الامتناع عن المشاركة في الانتخابات    باسل رحمي: نعمل على مساعدة المشروعات المتوسطة والصغيرة الصناعية على زيادة الإنتاجية والتصدير    شراكة استراتيجية بين "سان جود" الأمريكية و"اورام الأقصر" لخدمة أطفال الصعيد    الزراعة تطلق حملة لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية    «الصحة»: تقديم 21.9 ألف خدمة في طب نفس المسنين خلال 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يصبح القلق مرض
نشر في البداية الجديدة يوم 09 - 10 - 2014

إن القلق هو من المشاعر الإنسانية الأساسية مثله مثل الفرح والحزن والخوف .. ويعني القلق الشعور بالتوتر والترقب والإحساس بالخطر العام وهو يعني أيضاً عدم الاطمئنان . والقلق مصطلح حديث نسبياً في لغتنا العربية وقديماً استعملت عدة مصطلحات للتعبير عنه مثل الخوف والوجل وغيره .. وفي العامية يستعمل مصطلح التوتر والنرفزة والعصبية للتعبير عنه بشكل تقريبي .
ويمكننا القول" إن قليلاً من القلق لابأس فيه" لأنه يحضر الإنسان لمواجهة الحياة اليومية ويجعله مستعداً بشكل أفضل لدرء المخاطر وإتقان تصرفاته و أعماله المتنوعة ..والحياة اليومية تواجهنا بمواقف كثيرة تتطلب الجهد والرد الصحيح ، والقلق باعث إيجابي للتكيف مع الواقع ومتطلباته .. وتكمن المشكلة عند زيادة كمية القلق أو استمراره فترة طويلة .. وهنا يعتبر القلق مرضاً واضطراباً .. لأنه يعطل الإنسان ويرهقه ويجعل حياته اليومية مؤلمة ومزعجة .. ويجعل أعصابه مشدودة ومتوترة ..كما أن الإحساس بالقلق والترقب فترة طويلة يؤدي إلى المزاج السيئ والإرهاق واستنزاف الطاقة ونقص الإنتاجية .
ولابد من الإشارة إلى أن معظم المجتمعات لديها تراث متنوع يتعلق بالأساليب التي تخفف من القلق والتوتر .. مثل الترويح عن النفس والتسلية ، وتدليك الجسم والعضلات ، وتناول بعض المشروبات والأعشاب ، وأيضاً الأساليب الدينية والروحية المتعددة .
ويوصف العصر الحديث بأنه عصر القلق .. لأن فيه تغيرات سريعة وحادة ومفاجئة .. وفيه أزمات وتغيرات اجتماعية واقتصادية وتقنية وفكرية متنوعة ،والإنسان المعاصر عليه أن يتكيف مع جملة من المتغيرات وأن يلحق بها ،وهو معرض للقلق والاغتراب والإحباط بشكل مستمر .
ومن النواحي الطبية النفسية تترافق معظم الاضطرابات النفسية بأعراض القلق وكذلك عديد من الأمراض الجسمية .
وهناك مجموعة من الاضطرابات النفسية تسمى اضطرابات القلق وهي : القلق العام أو المتعمم(Generalized Anxiety Disorder) ، نوبات القلق الحاد أو الهلع (Panic Disorder)، اضطراب الوسواس القهري ( Obsessive Compulsive Disorder)، المخاوف المرضية المتنوعة مثل رهاب السوق والأماكن المفتوحة (Agoraphobia)والرهاب الاجتماعي (Social Phobia)والمخاوف المحددة من الحيوانات والمرتفعات والأماكن المغلقة والطائرات وغيرها من المخاوف ، اضطراب الشدة بعد الصدمة (Posttraumatic Stress Disorder)،اضطراب الشدة الحاد (Acute Stress Disorder)، وغير ذلك .
وفي جميع الاضطرابات السابقة نجد أن القلق هو العرض الرئيسي الذي يجمع بينها ..وهذه الاضطرابات واسعة الانتشار ولا تسبب اضطراباً شديداً في التفكير مثل الاضطرابات الهذيانية كالفصام أو الشك .. وهي تصنف عموماً ضمن الاضطرابات النفسية الصغرى تفريقاً لها عن الاضطرابات النفسية الشديدة أو العقلية .
اضطرابات القلق المحددة :
واضطرابات القلق بالمعنى المحدد هي : اضطراب القلق العام واضطراب الهلع .. وسنتحدث عنها بالتفصيل فيما بعد.
وأيضاً حالات اضطرابات التكيف (Adjustment Disorders)التي يمكن لها أن تأخذ شكل أعراض القلق والتوتر والعصبية ، وهي ناتجة عن ظروف أو أحداث معينة ، مثل صعوبات التكيف مع المدرسة أو عمل جديد أو علاقة زوجية حديثة أو بعد فشل علاقة عاطفية أو أزمة مالية ، ومن ذلك قلق الامتحان عند اقتراب موعده ، وغير ذلك ..
وهناك أيضاً مايعرف بالشخصية التجنبية القلقة وهي نوع من اضطراب الشخصية المزمن، وفيها(Avoidant Personality Disorder) يزداد القلق تجاه أمور حياتية كثيرة ، وهي تخاف من النقد وعدم الاستحسان لسلوكها ، كما أنها حساسة جداً وتبحث عن القبول ، وتبتعد عن أية تجديد واكتشافات في سلوكها العام . وهي خجولة عموماً وهادئة ومقموعة ، ولديها تقدير منخفض لذاتها ، ونمط حياتها محدود لأنها تتطلب التأكد والأمان باستمرار .
اضطراب القلق العام(Generalized Anxiety disorder):
يعتبر القلق العام أو المتعمم اضطراباً شائعاً ونسبة انتشاره حوالي 5% من السكان .وهو يصيب الذكور والإناث بنسب متشابهة . وهو يشخص في حال وجود : الشعور الزائد بالترقب والخوف وانشغال الذهن حول أمور متعددة ، مع صعوبة السيطرة على هذا الشعور ، ولمدة ستة أشهر على الأقل في معظم الأوقات ، إضافة لوجود ثلاثة أعراض على الأقل مما يلي :
1- الإحساس بالتوتر والتململ وعدم الراحة والغليان ( على أعصابي طوال الوقت ) .
2- سرعة التعب والإرهاق .
3- صعوبة التركيز أو الشعور بفراغ العقل .
4- العصبية والتهيج والنرفزة.
5- التوتر العضلي ( آلام في العضلات ، الشد على الأسنان ، تأرجح الصوت ) .
6- صعوبات في النوم ( الأرق وصعوبة الدخول في النوم ، تقطع النوم وعدم إشباعه ).
اضطراب الهلع(Panic Disorder):
وهو اضطراب شائع ونسبة انتشاره حوالي 3-4% ، وهو ينتشر أكثر عند المرأة وبنسبة ضعف انتشاره عند الرجل . ويترافق في ثلث الحالات أو نصفها مع الخوف المرضي المتعدد أو رهاب السوق والأماكن المفتوحة والحشود( Agoraphobia)، وعندها يزداد انتشاره عند المرأة بنسبة ثلاثة إلى واحد .
ونوبات الهلع تعتبر حالة شديدة مرعبة تستمر لدقائق ثم تختفي وخلالها يصاب الإنسان برعب شديد وقلق حاد وانزعاج وتصل النوبة إلى ذروتها خلال 10 دقائق وهي تتضمن 4 على الأقل من الأعراض التالية :
1- خفقان القلب أو ازدياد النبض .
2- ازدياد التعرق .
3- الرجفة أو الإحساس بالإرتعاش .
4- صعوبة في التنفس ، الكتمة وضيق التنفس .
5- الشعور بالاختناق وعدم القدرة على التقاط النفس .
6- ألم في الصدر أو انزعاج في الصدر .
7- الغثيان أو انزعاج في البطن .
8- الشعور بالدوخة أو عدم التوازن أو الشعور بالإغماء .
9- الإحساس بتغير الشخصية (كأنني لست أنا) أو بتغير البيئة المحيطة واختلافها .
10- الخوف من فقدان السيطرة على الذات أو الخوف من فقدان العقل .
11- الخوف من اقتراب الموت ، الشعور باقتراب النهاية والموت .
12- الشعور بالتنميل والخدر في الجسم والأطراف .
13- هبات في الجسم ساخنة أو باردة .
وفي حال ترافق ظهور نوبة الهلع مع موقف معين مثل وجود المريض في السوق أو في مكان عام مزدحم أو أثناء ركوب السيارة أو الطائرة أو غيرها من المواقف ، فإن المريض يمكن له أن يمتنع عن الذهاب إلى مثل تلك الأماكن .. وفي بعض الحالات الشديدة يبقى المريض حبيس المنزل ولايخرج منه إلا برفقة أحد من أقربائه أو معارفه وبعد جهد كبير .
ونوبات الهلع يمكن لها أن تتكرر في اليوم الواحد وأن تطول لمدة ساعة أو أكثر في بعض الأحيان ..ويتطلب التشخيص ظهور 4 نوبات خلال شهر أو نوبة واحدة خلال شهر يظل المريض خائفاً ومترقباً خلاله من ظهور نوبة ثانية . ونوبات الهلع يمكن أن تظهر مرة واحدة وتختفي لسنوات طويلة وعندها تسمى نوبة هلع منفردة وليس اضطراب نوبات الهلع المتكرر .
وتظهر نوبة الهلع أثناء القيام بعمل اعتيادي أو أنها تظهر بعد موقف يدعو للخوف أو الألم أو بعد الابتعاد عن الأسرة بسبب العمل أو الدراسة . ويمكن أن تظهر النوبة الأولى بعد الولادة أو قبل الدورة الشهرية أو أثناء ممارسة الرياضة أو بعد تناول إحدى المواد الممنوعة كالحشيش أو الكوكائين أو الأمفتامين .
وكثيرون من مرضى الهلع يراجعون أطباء القلب والصدرية وأقسام الطوارئ في المشفيات العامة ، وهم يقومون بفحوصات عديدة ومكلفة ولايظهر تخطيط القلب أو غيره من الفحوصات أية علامات على مرض عضوي، وهم يتنقلون بين مختلف العيادات التخصصية بما فيها أطباء الأذنية والهضمية وغيرها دون تشخيص واضح ودون جدوى .
وقليل منهم من يراجع الطبيب النفسي أو يتم تحويله إلى الطبيب النفسي .. وذلك بسبب الجهل العام والمخاوف التي لامبرر لها حول الطب النفسي والعلاج النفسي .
واضطرابات القلق عموماً هي اضطرابات مزمنة ..والقلق العام أشد إزماناً من اضطراب الهلع الذي يمر بفترات من الإشتداد والسبات ، كما أن بعض الحالات تشفى تلقائياً .
وتأكيد تشخيص اضطراب نوبات الهلع يحتاج إلى الانتباه إلى بعض الأمراض العضوية التي يمكن أن تتظاهر بأعراض مشابهة لنوبات الهلع ويتطلب ذلك خبرة وتدريباً إضافة لبعض الفحوصات الطبية لنفيها أو تأكيد وجودها. وأهم هذه الأمراض نقص السكر في الدم وفرط نشاط الغدة الدرقية أو قصورها إضافة إلى فقر الدم وورم الغدة الكظرية .. وكل ذلك يحتاج إلى تحاليل دموية اعتيادية . ويمكن لبعض الاضطرابات القلبية أن تختلط بنوبة الهلع مثل نقص التروية القلبية وتدلي الصمام التاجي واضطرابات نظم القلب ، وهي تحتاج إلى تخطيط القلب وتصويره بالصدى و الفحص الطبي السريري .
ويضاف إلى ما سبق ذكره من الأمراض العضوية الربو الصدري وصرع الفص الصدغي وهي تحتاج إلى فحص الصدر واختبار الوظائف التنفسية وتخطيط الدماغ .
وأما تأكيد تشخيص القلق العام فهو يحتاج لنفي وجود بعض الأمراض العضوية السابقة وأيضاً استبعاد تأثير تناول مادة الكافئين بكميات كبيرة ( مادة الكافئين موجودة في القهوة والشاي والكولا والمتي والشوكولا وغيرها ).
الاضطرابات النفسية المرافقة للقلق :
يترافق القلق العام مع الاكتئاب بمختلف أنواعه وكذلك اضطراب الهلع . كما تترافق اضطرابات القلق مع بعضها البعض في نفس المريض . ويزداد استعمال المواد الإدمانية مع اضطرابات القلق . وتزداد الاضطرابات الجسمية النفسية مثل تناذر تشنج الكولون أو المعدة والصداع التوتري وغيره .
الأسباب :
تؤكد نظرية العوامل العضوية النفسية الاجتماعية في فهمها للاضطرابات النفسية على أهمية عدة عوامل معاً تساهم في نشوء معظم الاضطرابات النفسية .. وتختلف أهمية عامل معين وفقاً للاضطراب أو الحالة الفردية .. والعوامل العضوية الوراثية لها أهمية في نشوء القلق ولاسيما في حالات نوبات الهلع وتبين الدراسات أن أقارب الدرجة الأولى المصابين بالهلع لديهم نفس الاضطراب وبنسبة 25% ، كما تصل نسبة ظهور الهلع لدى التوائم وحيدة البيضة إلى خمسة أضعاف مقارنة مع التوائم ثنائية البيضة . وتشير إحدى النظريات إلى وجود حساسية خاصة في منطقة جذع الدماغ لغاز ثاني أوكسيد الكربون عند المصابين بالهلع وهي حساسية مزمنة تؤدي إلى فرط التنفس المزمن وسطحيته . وقد تبين بالتجارب العملية أنه إذا كان هواء الغرفة مشبعاً بنسبة 5% من غاز ثاني أوكسيد الكربون فإن ذلك يؤدي إلى حدوث نوبة هلع عند الأشخاص المهيئين له .. وعملياً نجد أن عديداً من الأشخاص المهيئين للهلع ينزعجون عند دخول غرفة مكتظة أو سيئة التهوية مما يفسر الحساسية الخاصة لديهم لغاز ثاني الكربون الناتج عن تنفس الحاضرين الاعتيادي .
وتتفاوت الفرضيات العضوية في تأكيدها على منطقة معينة في الدماغ من حيث زيادة نشاطها أو وجود نقص في إحدى الخمائر المسؤولة عن النواقل الدماغية العصبية وعلاقة ذلك بنشوء القلق . وربما تكون منطقة اللطخة الزرقاء ( Locus Coerrolous) هي المسؤولة عن إفراز دفعة من مادة الأدرينالين المولدة للقلق .
وتؤكد النظريات النفسية على أهمية قلق الخصاء ( Castration Anxiety ) والذي يحسه الشخص على شكل خطر وتهديد من رموز السلطة الأبوية المتنوعة .. وهو ينتج عن أسباب تربوية وصراعات نفسية تؤدي إلى الشعور بالتهديد عندما يحاول المرء أن يتبث ذاته أثناء حله لمشكلة تعترضه أو موقف صعب يعرضه لقلق الفشل أو الشعور بالضعف والقصور .
وهناك قلق الانفصال Separation Anxiety)) والذي يمكن أن يبدأ بشكل خوف من الذهاب إلى المدرسة في سن الطفولة وفيما بعد يظهر بشكل نوبات هلع عندما يغادر الإنسان منزله أو يسافر بعيداً عن أهله وعلاقاته الهامة .
كما أن التعقيدات النفسية والحرمانات والآلام التي يتعرض لها خلال مرحلة الاستقلال والانفصال في نموه النفسي يمكن لها أن تترك جروحاً وحساسية خاصة لكل مايذكر بالاستقلال والانفصال وتؤدي إلى ظهور أعراض القلق والهلع فيما بعد .
وتؤكد النظريات السلوكية على أهمية التعلم الشرطي في فهم القلق ومثلاً يتعلم الإنسان أن ازدياد ضربات القلب مرتبط بحدوث الخطر الشديد مهما كان سبب هذا الازدياد ، ويؤدي ذلك إلى ارتباط الخوف والقلق بالظرف المؤلم وبالتالي بتوقع الخطر .
ويمكن للقلق أن يتم تعلمه من الآخرين ومن البيئة المحيطة حيث يعلم الأباء والأمهات القلق لأطفالهم، كما أن بعض الأشخاص يولدون ولديهم مزاج حساس وقلق .
وتلعب العوامل الاجتماعية العامة والتربوية دورها في ازدياد الشعور بالمخاطر وعدم الأمان ، من خلال الحروب والكوارث والاضطرابات الاجتماعية وأحوال الحياة الاقتصادية والمعيشية وتناقضاتها وتغيراتها الحادة .. إضافة إلى قيم التنافس الشديد والتربية القاسية الشديدة والحرمانات الطفولية .. وكل ذلك يمكن أن يزيد في حساسية الجهاز العصبي والنفسي العامة ، وأيضاً الحساسية لإشارات الخطر المتنوعة .. مما يزيد في حدوث نوبات الهلع والقلق العام . ونمط الحياة العصرية بقيمها وتناقضاتها يمكن لها أن تغذي القلق وأن تشجعه مقارنة مع نمط الحياة البسيطة .
العلاج :
هناك عدد من الأساليب العلاجية المفيدة في علاج القلق النفسي بمختلف أشكاله .. والعلاج الدوائي مفيد وفعال في علاج اضطراب الهلع وهو يمنع تكرار حدوثها ويضبطها . وكذلك يفيد في حالات القلق العام وهو يحتاج للاستمرار فيه عدة شهور أو أكثر . والأدوية الحديثة المضادة للسيروتينين أدوية فعالة وأمينة ولاتسبب الإدمان ومنها : باروكستين (Seroxat) ، سيرترالين (Zoloft) ، سيتالوبرام وإيستالوبرام (Cipram,Cipralex) وفلوفوكسامين (Faverin) وغيرها .. وكذلك الأدوية الحديثة المضادة للسيروتينين تحديداً وللنورأدرينالين ومنها فينلافاكسين Efexor)) .وبالطبع فإن الأدوية ثلاثية الحلقة مفيدة وفعالة وهي من الأدوية القديمة ولها بعض الآثار الجانبية ولاتزال تستعمل كمضاد للقلق مثل كلوميبرامين (Anafranil) وإيميبرامين (Tofranil) .
والأدوية المهدئة من زمرة البنزوديازيبين مفيدة وفعالة وهي تستعمل لفترات فصيرة عادة لمدة أسابيع أو عند اللزوم لأنها تسبب التعود إذا استعملت لفترات طويلة وبشكل يومي . ومنها ديازيبام (Valium) وكلونازيبام (Rivotril) وبرومازيبام (Lexotanil) وألبرازولام (Xanax). وهذه الأدوية المهدئة تخفف من أعراض القلق والخوف وأيضاً تخفف من استباق الخوف (Anticipation anxiety)الذي يتولد عند المريض بعد حدوث نوبة هلع مثلاً ، مما يفيد المريض بأن يجعله يتصرف بشكل مقبول في أموره اليومية دون الهروب والابتعاد عن المواقف التي يتوقع فيها الخوف .
وتفيد الأدوية المهدئة أيضاً في حالات الأرق والقلق المؤقت أو الناتج عن شدة نفسية معينة أو ظروف صعبة مثل قلق الامتحان وغيره ، حيث تستعمل بنجاح خلال فترة قصيرة .
ويعتمد العلاج النفسي غير الدوائي على عدد من الأساليب السلوكية المفيدة مثل : التحكم بالتنفس والتنفس العميق بدلاً عن التنفس السريع السطحي من خلال تمارين الاسترخاء وتمارين التنفس .
ومن المفيد مواجهة نوبة الهلع مثلاً بدلاً عن الهروب منها ..وكذلك مواجهة المواقف التي تثير النوبات ويمكن استعمال دواء مهدئ أو أساليب نفسية إيحائية أوسلوكية وغيرها من المطمئنات التي تعين على البقاء في الموقف ومواجهته ولو بشكل تدريجي إلى أن تتعود الأعصاب وتهدأ في نفس الموقف .. وهذا يزيد من الشعور بالسيطرة على القلق ويعدل موقف المريض من حالته .
ويفيد العلاج المعرفي الذي يعتمد على تعديل أفكار المريض التلقائية ونمط التفكير السلبي الذي تعود عليه والمرتبط بنوبات الهلع مثلاً حيث يعتقد مريض الهلع بجملة من الأفكار الخاطئة التي تساهم في تثبيت الخوف والهلع ويجري مناقشة مثل هذه الأفكار وتحديدها ومن ثم تعديلها من خلال الحوار والجلسات العلاجية .
ويفيد بشكل عام الدعم النفسي والتاكيد على الاستقلالية وتحقيق الشخصية ، وكذلك بحث بعض العقد الشخصية والذكريات المؤلمة من خلال التحليل النفسي المختصر والعلاقة الإيجابية مع المعالج .
كما تفيد بعض الأساليب العامة المطمئنة في تخفيف القلق مثل الأساليب الدينية والروحية والذكر والاستغفار وبعض الأساليب الصوفية القديمة مثل تكرار كلمة معينة لفترات طويلة ، وأيضاً أساليب اليوغا والسيطرة على النفس وأساليب التأمل وغيرها .
ويفيد الاسترخاء العام من خلال أساليب التدليك ( المسّاج ) والرياضة بمختلف أنواعها والحمامات الساخنة وحمامات البخار والترويح عن النفس والموسيقا والرقص وتناول بعض الأعشاب إضافة إلى الأجهزة الحديثة مثل الأجهزة العاكسة للوظائف الحيوية (Biofeedback Instruments) ، وغير ذلك من الأساليب الذاتية وأساليب عالج نفسك بنفسك و"كيف تسيطر على القلق" و"دع القلق وإبدأ الحياة" ..
وقائمة العلاجات التي يمكن استخدامها لعلاج القلق طويلة ..وتظهر علاجات وأساليب جديدة بين الوقت والآخر .. وبعضها غير ثابت في فعاليته ..ومع ازدياد فهمنا للقلق بشكل علمي وطبي من خلال الدراسات والأبحاث ، فإنه من المتوقع تحسن الوسائل العلاجية الطبية الحالية وتلاشي بعضها الآخر .
كلمة أخيرة :
القلق النفسي مرض يحتاج إلى العلاج .. وهو شائع وله عدة أشكال .. وهو يؤدي إلى المعاناة والألم النفسي والجسدي وإلى عدم الاستمتاع بالحياة اليومية وإلى تحديد النشاطات وتضييقها .. كما أنه يستهلك طاقة الإنسان النفسية الداخلية ويجعله أقل فعالية وأقل إنتاجاً في مختلف المجالات .
ولابد من تفهم القلق وعلاجه والتخفيف من أضراره وتبديد الأوهام المرتبطة به .. ولابد من تضافر الجهود الطبية والتربوية والاجتماعية والفكرية والإعلامية لدراسته وبحثه وتسليط الأضواء عليه والعمل على إيجاد أفضل الطرق العلاجية والوقائية بما يخدم مجتمعاتنا وصحتنا النفسية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.