رمضان شهر الرحمة وأولى بنا أن نلتف حول مصلحة الوطن المفتي يجب أن يظل ملكًا للجميع ولا يحسب على فصيل دون غيره محاولات جر المؤسسة الدينية لمعارك حزبية لن تفلح يجب على الدعاة أن يخلعوا عن أنفسهم عباءة السياسة الإعلام مسئول عن ترويج الفتاوى التي تثير البلبلة لدى المسلمين أكد د. شوقي علام مفتي الجمهورية، أن رمضان شهر الرحمة، مشيرًا إلى أنه أولى بنا أن نتراحم فيه ونلتف حول غاية واحدة وهي مصلحة الوطن، وأن دار الإفتاء ستظل بعيدة عن المعترك السياسي الحزبي. وأوضح علام، في حوار أجرته معه "البوابة نيوز"، أنه يجب على الدعاة أن يخلعوا عن أنفسهم عباءة السياسة ويطلعوا بمهامهم بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن الإعلام مسئول مسئولية كاملة عن ترويج مثل هذه الفتاوى الشاذة، التي تثير البلبلة لدى المسلمين. وفيما يلي نص الحوار: * كيف نجعل من رمضان فرصة لإعادة تشكيل شخصية المصريين بعد فترة طويلة من المشاحنات الثورية، والتخوين المستمر؟ ** رمضان شهر الرحمة والمغفرة وأولى بنا أن نتراحم فيما بيننا ونغفر ونصفح ونعود إلى سابق عهدنا من الالتفاف حول غاية واحدة وهي مصلحة الوطن وإعلاء كلمته حتى لا يدب الفشل فيما بيننا لقوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، كما أن علينا أن نطهر أنفسنا من الحقد والضغائن ونصفيها من كل شائبة علقت بها في الأيام السابقة ونجعل من هذه الأيام المباركة البداية لمرحلة جديدة قوامها التوحد والعمل والبناء ونبذ الخلاف والفرقة. *أصدر الأزهر الشريف قرارًا بمنع الانتماء السياسي على أعضاء هيئة كبار العلماء، فهل ترى ذلك أوجب بالنسبة للدعاة أيضًا؟ ** يجب على الدعاة أن يخلعوا عن أنفسهم عباءة السياسة ويطلعوا بمهامهم الأساسية وهي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وإرشاد الناس إلى ما فيه صلاح أمره في الدنيا والآخرة، ولقد مدح الله تعالى الداعية القائم بأمور الدعوة إلى الله بقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وأمور السياسة تأخذ الداعية عن مهامه الأساسية في الدعوة والتوجيه؛ ووجود الدعاة وتمسكهم بأدوارهم وأدائهم هو الخير، وهو ضمانٌ لمسيرة الخير في المجتمع، وصمام أمانٍ للمجتمع بأسْره، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. *هل هناك رؤية للمرحلة المقبلة في تعاطيكم مع القضايا السياسية في مصر والعالم الإسلامي؟ ** لدينا قناعة تتمثل في أن عالم الدين بشكل عام، والمفتي على وجه الخصوص، كالقاضي، يجب أن يظل ملكًا للجميع، لا يتم حسابه على فصيل دون غيره، ومحاولات جر المؤسسة الدينية إلى معارك سياسية وحزبية لن تفلح، وهذا ما أكد عليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب من قبل ونحن نؤكد عليه أيضًا، ولن ندخل أو نسمح لأحد أن يجرنا إلى المعترك السياسي الحزبي، لكننا سنشارك علماء الأمة في الأزهر الشريف بالعمل الدءوب على رعاية مصالح الأمة والتأطير لشئونها العامة. * تصدر دار الافتاء العديد من الفتواى فهل يتم مراجعة الفتوى بين الحين والآخر؟ ** نعم فالفتاوى تتغير بتغير الجهات الأربع (الزمان والمكان والأحوال والأشخاص)؛ لأنه توجد هناك ضوابط للفتوى لا بد أن تراعى، وهذه الضوابط تراعي التغير في الفتوى، وتغير الفتوى يكون بتغير هذه الجهات الأربع، وهذا التغير يتعلق بالأحكام المبنية على الأعراف والعادات والأحكام الاجتهادية فقط والتي استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية، وموضوع التغير له شروط وقواعد وليس مجرد استجابة أو إذعان لضغط الواقع وإنما هو عملية تتسم بعدة صفات منها أن عملية تغير الفتوى بتغير ما هي مترتبة عليه؛ حيث إنها عملية تهدف إلى إبقاء الأمور تحت حكم الشريعة وإن تغيرت صورها الظاهرة، وهي ليست خروجًا على الشريعة واستحداثًا لأحكام جديدة، فالتغير في الفتوى هو تغير خاص من حيث الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. *في ظل ما نشهده اليوم من تطرف كيف يمكن نشر مبدأ الوسطية في المجتمع؟ **القضاء على التطرف والتشدد يتحقق من خلال استماع الجميع إلى المنهج الوسطي والمعتدل الذي يتصف به الإسلام؛ فالمغالاة والتطرف والتشدد ليسوا من طباع المسلم الحقيقي المتسامح المنشرح الصدر المتأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا من خواص الأمة المحمدية أمة الإسلام بحال من الأحوال، فمنهج الدعوة إلى الله يقوم على الرفق واللين، ويرفض الغلظة والعنف في التوجيه والتعبير والتوازن والاعتدال والتوسط والتيسير، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه"، وإن من خطورة التطرف والتشدد أنه تسبب في تدمير حضارات كثيرة كانت عظيمة، وهو بكل أشكاله وأنواعه غريب عن الإسلام الذي أسس على الاعتدال والتسامح، ولا يمكن لإنسان أنار الله قلبه أن يكون مغاليًا متطرفًا ولا متشددًا، ومن أجل أن نبتعد عن الخلافات والشقاق لا بد من جلوس كل التيارات والقوى للحوار وبحث وتدارس القضايا التي تنهض بالأمة؛ حتى نستطيع توحيد الكلمة وتحقيق صالح البلاد والعباد، والوصول إلى مشترك فكري يمكن في إطاره إدارة الحوار البناء الذي ينهض بالبلاد والعباد حتى نتجاوز ما هو مختلف فيه، وضمان وجود السلام الاجتماعي الذي في ظله ينعم الجميع بحياة آمنة. * يختلف كثيرون حول جدوى "الحوار" مع الآخر في هذه الآونة الأخيرة التي تشهد حملات غربية عدائية ضد الإسلام.. كيف ترى أهمية الحوار في بيان حقائق الإسلام ودحض شبهات خصومة؟ ** هناك من يريد الحوار والتعاون، وهناك من لا يريد الحوار ويريد الصدام فقط، لذلك نرى أن تعميم لفظ الآخر هنا ليس في صالح القضية الإسلامية للطرفين، وعليه يجب علينا قبل كل شيء أن نفهم رأي من يريد الحوار والتعاون، وأن نحيّد أو نغير رأيا من يريد الصدام، ولا يجب أن نكتفي بالقول بأن هذا لا يريد الحوار، بل عليَّ أن أثبت سوء قصد هؤلاء وفساد رأيهم، وعلى كلٍّ لا بد من الجلوس مع الآخر والتحاور معه وسماع جميع آرائه بدلاً من العزلة التي غالبًا ما تعكس صورة سيئة عن الطرفين وتعطي تصورًا مشوهًا أيضًا عنهما، ومن خلال الحوار نستطيع بيان كل الشبهات التي توجه للإسلام والرد عليها لإزالة كل ما أشاعه خصومه عنه في وسائل الإعلام وغيرها. * ماذا عن انتشار الفتاوى الغريبة في التي يتخذها البعض ذريعة للسخرية من الإسلام.. ألا يدعو ذلك إلى توحيد جهة الفتوى على مستوى العالم الإسلامي؟ ** هذه الفتاوى الغريبة تمثل حالة من الفوضى في الخطاب الديني وهذه الفتاوى في الغالب الأعم ليست صحيحة ولم تصدر عن أية جهات رسمية، والإعلام مسئول مسئولية كاملة عن ترويج مثل هذه الفتاوى الشاذة، التي تثير البلبلة لدى المسلمين والتي لا تعبر إلا عن رأي مطلقها، هناك مشكلة أخرى أن البعض يخلط بين الرأي والفتوى مما يعتبر أيضًا مشكلة تضاف إلى المشكلات الأخرى، لكن على المسلم أن يلجأ إلى جهات الفتوى الرسمية المتمثلة في دار الإفتاء، أما ما يخص توحيد جهة الفتوى على مستوى العالم الإسلامي فدار الإفتاء المصرية بصدد إطلاق مشروع دار الإفتاء العالمية التي توحد الفتوى في بلدان العالم الإسلامي، كما أنه لا بد من الالتزام بكل المقررات والفتاوى التي تصدر من الجهات الإسلامية المعتبرة بالعالم للبعد عن هذه الفوضى وعلى رأسها مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة.