لم تكن دار ميريت للنشر التي أسسها الناشر المعروف محمد هاشم عام 1998 مجرد شقة 3 غرف وصالة، ينحصر نشاطها في مجرد طباعة وبيع الكتب فقط، وإنما تعدى نشاطها وقوتها وتأثيرها حدود الأركان الأربعة التي تحيط بها، لتكون الأوسع انتشارا، والأعلى صوتا، والأكثر تأثيرا في مجال الأدب والفكر والسياسة، ليس في مجال النشر فقط وإنما في معرض المواقف السياسية في جميع المراحل التي مرت بها مصر منذ تأسيس الدار وإلى يومنا هذا، لدرجة دفعت الإخوان إلى تكفير هاشم نفسه والتحريض عليه ووصفه بالفاسق الفاجر. كما جاء في هذا الفيديو ففي الوقت الذي خاف فيه الناشرون، تصدرت "ميريت" المشهد، ولم تخش الخسارة أو المخاطرة من النشر لكتاب مازالوا يتلمسون طريقهم، وفي الوقت الذي أحجم فيه الجميع تصدت ميريت للغزو الإخواني، واستضافت في بداية عهد الإخوان الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم ليلقي قصائده الشهيرة ضد الإخوان وضد الظلم والقهر والاستبداد، وفي الوقت الذي هرول فيه المهرولون إلى علاء عبدالعزيز وزير الثقافة الإخواني، وقف "هاشم" بقوة يدعم اعتصام المثقفين الذي كان شرارة التخلص من حكم الإخوان وكان أحد رموز الاعتصام. وصدرت من الشقة التي تعلو سينما ومسرح قصر النيل، مقر دار ميريت، الكثير من البيانات التي ترفض استبداد مبارك، وتأسست بها الكثير من حركات الرفض والمقاومة في عهد المخلوع، أبرزها حركة "أدباء ومثقفون من أجل التغيير"، وحركة "5 سبتمبر" التي تبنت قضية ضحايا محرقة مسرح بني سويف، فضلا عن عقد بعض اجتماعات حركة كفاية بالدار. 16 عاما من حياة ميريت، نجحت خلالها في تغيير كثير من المفاهيم التي كانت سائدة بالأوساط الثقافية، وكانت حلقة الوصل بين القراء والجماهير، والمبدعين المختلفين غير النمطيين، وكانت المحصلة نحو 700 عنوان، لجميع الأجيال، وعشرات الجوائز من معارض ومهرجانات متعددة كان آخرها 5 جوائز في مسابقة ساويرس الأدبية. وسعت دار "ميريت للنشر" منذ بدايتها لترسيخ مفاهيم العقلانية وحرية الرأي والفكر والإبداع، من خلال إصدار الكتب وإقامة الندوات والمناقشات المحدودة، بعضها بالتعاون مع حركة "كتاب وأدباء وفنانون من أجل التغيير"، واعتبرت التصدي للرقابة على العقل بكافة أشكالها السياسية والدينية "واجب مقدس"، كما ناهضت التطبيع وكافة أشكال التعاون مع العدو الإسرائيلي. نشرت الدار لكتاب معاصرين مثل علاء الأسواني، وميرال الطحاوي، ومنتصر القفاش، وحمدي أبو جليل، وإيمان مرسال، وياسر عبداللطيف، وأحمد العايدي، وحامد عبدالصمد، والعديد من الشعراء الشباب أبرزهم مصطفى إبراهيم. وأثارت أنباء تغيير موقع "دار ميريت" من مقرها الحالي منذ نشأتها، شجونا كثيرة للمثقفين الذين يعتبرون مقر الدار في الشقة التي تعلو سينما قصر النيل وطنهم وبيتهم وجزء من تراث وسط القاهرة، وذلك بعد أن طالب مالك العقار من الناشر محمد هاشم شراءه وليس إيجاره، كما درج على ذلك هاشم، ووضع مبلغًا كبيرًا نظير ذلك، وهو مليون ونصف المليون جنيه، مما اضطر هاشم إلى البحث عن عقار جديد يحتضن دار ميريت. ويطالب الكثير من المثقفين بتدخل الدولة أو رجال الأعمال المهتمين بالثقافة لإيجاد حل لهذه المشكلة وشراء الشقة أو استمرار تأجيرها، لتظل "ميريت" أحد أهم علامات الثقافة الجديدة في مصر.. قلعة تأبى الهدم.