"الضاحك الباكي".. هو اللقب الذي التصق باسمه وحُفر في ذاكرة جمهوره، فما بين ميلاده ورحيله حياة حافلة بالعطاء والعبقرية الفنية والكوميديا الراقية التي لا يدانيها أحد، ورغم أن ما وصل للأجيال الحالية من فنه قليل جدّا في بضعة أفلام سينمائية لا تعد على أصابع اليدين، إلا أن مكانته الفنية ظلت شامخة، وشكلت أعماله أسلوبًا ومدرسة فنية مستقلة قائمة بذاتها لها سمات وخصوصيات، ولعل أهم أسباب حصوله على لقب الضاحك الباكي هو أنه انفرد بالقدرة على انتزاع الضحكات من عمق المأساة ومن أشد اللحظات قتامة. ولد الفنان الراحل نجيب الريحاني عام 1889 لأب مسيحي من أصل عراقي وأم مصرية قبطية، ونشأ في القاهرة وعاش في منطقة باب الشعرية الشعبية منفردًا، وعاشر الطبقة الشعبية البسيطة والفقيرة، حيث يقول عنه يحيى حقي في كتاب له عن الريحاني: "إنه كان من الأجانب الذين أكرمت مصر وفادتهم، ولكنه عاش طيلة حياته يشعر بفارق مكتوم بينه وبين المصريين، ولعل هذا الأمر هو سر وحدته الملحوظة في حياته العامة والخاصة". عاش نجيب في حي الظاهر بالقاهرة، وبدت عليه ظاهرة الانطوائية إبان دراسته بمدرسة الفرير الابتدائية، وهي مدرسة لغتها الرسمية الفرنسية، مما أتاح له فهم هذه اللغة وتطويعها لعقليته الصغيرة، وعندما أكمل تعليمه ظهرت عليه بعض الملامح الساخرة، ولكنه كان يسخر بخجل أيضا، وعندما نال شهادة البكالوريا كان والده قد تدهورت تجارته فاكتفى بهذه الشهادة. بحث عن عمل يساعد به أسرته، وكان مولعًا بأمه أشد الولع، وتعلم منها الكثير، وكانت هي الأخرى ساخرة مما تشاهده إبان تلك الفترة التي كانت تعج بالمتناقضات الاجتماعية، وتفتحت عينا الريحاني على أحداث عظيمة كانت تمر بها مصر. والتحق في البداية بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر بنجع حمادي بالصعيد، وهذه الشركة كانت ملكًا خالصًا للاقتصادي المصري "عبود باشا" الذي أنشأ عدة شركات تعمل في كل المجالات على غرار شركات مصر التي أنشأها زعيم الاقتصاد المصري في ذلك الوقت طلعت حرب. ولكن هذه الوظيفة البسيطة والتي كان نجيب الريحاني يتقاضى منها راتبًا شهريّا 6 جنيهات، وهو مبلغ لا بأس به في ذلك الوقت، لم تشبع رغبته، فاستقال منها وعاد إلى القاهرة ليجد أن الأمور قد تبدلت وأصبح الحصول على عمل في حكم المستحيل، وأصبحت لغته الفرنسية التي يجيدها غير مطلوبة، وقدمت لمصر لغة أجنبية ثانية بعد أن استتب الأمر للإنجليز وسيطروا على كل مقدرات مصر. وفي يوم قادته قدماه إلى شارع عماد الدين الذي كان يعج آنذاك بالملاهي الليلية وقابل صديقًا له كان يعشق التمثيل، واسمه محمد سعيد، وعرض عليه أن يكوّنا سويّا فرقة مسرحية لتقديم الإسكتشات الخفيفة لجماهير الملاهي الليلية. تزوج من الراقصة اللبنانية بديعة مصابني، التي طلقها فيما بعد بسبب غيرتها الشديدة عليه، وله منها ابنة واحدة، وتوفي في 8 يونيو 1949 إثر إصابته بمرض التيفود، وخلدت ذكراه في عدد من الأعمال الفنية منها: صاحب السعادة كشكش بيه 1931، حوادث كشكش بيه 1934، ياقوت أفندي في عام 1934، بسلامته عايز يتجوز (1936)، سلامة في خير عام 1937، وأبو حلموس 1947، ولعبة الست 1946، وسي عمر عام 1941، وغزل البنات (1949)، وأحمر شفايف 1946.