في ألمانيا وحدها أكثر من 100 ألف مصاب بالشلل النصفي، يضاف إليهم كل سنة ألف مصاب جديد، أمل جديد لهؤلاء قدمه معهد فراوهوفر الألماني، على شكل حبل شوكي إلكتروني يعين المشلولين على الحركة. طرح الكثير من الطرق العلاجية للمشلولين في السنوات الأخيرة، إلا أنها بقيت حلولًا خارجية، أي تستعين بالآلات والبدلات الإلكترونية والتجهيزات الروبوتية لمساعدة المصابين على الحركة، استعان معهد فراونهوفر الألماني للميكروتكنيك بتقنية إلكترونية مصغرة، تعتمد على زرع حبل شوكي إلكتروني دقيق داخل العمود الفقري، يعوض المريض حبله الشوكي المتضرر. وأعلن المعهد أن الحبل الشوكي الإلكتروني سيتم استعراضه، واستعراض طريقة عمله، في المعرض الدولي لأجهزة الاستشعار والتجارب الذي يقام بين 3-5 يونيو المقبل في مدينة نورنبرج الألمانية. وأطلق علماء المعهد على الحبل الإلكتروني اسم "مجس الأقطاب المنمنمة"، ويعولون عليه في إطلاق الايعازات المطلوبة إلى العضلات بغية تحريكها. وتساعد هذه الايعازات على تعويض العلاقة بين الأعصاب والعضلات، وتتطلب من المريض التمرين عليها، بعد عملية زرعها بالطبع، وصولًا إلى حركات المشي اللازمة. وتم إنتاج النموذج الأول من مجس الأقطاب المنمنمة في معهد فراونهوفر في إطار مشروع أوروبي شارك فيه أكثر من عالم وأكثر من دولة، وخصص الاتحاد الأوروبي مبلغ تسعة ملايين يورو لتطوير الحبل الشوكي الإلكتروني ضمن مشروع "نيو ووك"، أو المشي الجديد. ذكر الدكتور بيتر ديتيمبل، رئيس قسم التقنية الكيميائية والميكروتكنيك، أن التجارب الأولى على الفئران نجحت في جعل الفئران تحرك أطرافها السفلية، وأجريت التجارب على فئران مختبرية تعاني من قطع غير كامل في الحبل الشوكي، وصارت تركض أيضا بعد أن تم زرع الحبل الشوكي الصناعي لها، ثم عززت النتائج بمساعدة "كوكتيل" من الأدوية والتمارين. وجرى عبر مجس الأقطاب المنمنمة إرسال الايعازات إلى عضلات الفخذين التي ما زالت خلاياها تحتفظ بذاكرة الايعازات الصادرة من الدماغ عبر الحبل الشوكي، وهكذا، تم عبر مجموعة كبيرة من الأقطاب الغاية في الدقة، والمرهفة، التعويض عن جذور الأعصاب المقطوعة وإيصال الايعازات إلى الخلايا العصبية الحركية. استخدم ديتيمبل وفريق عمله "جهاز محاكاة للايعازات العصبية" الطبيعية في نهاية الحبل الشوكي الإلكتروني، وتم من خلال هذا الجهاز المنمنم إرسال الايعازات الكهربائية التي اتخذت نفس مسارات الايعازات العصبية الطبيعية في العضلات. لا يرى ديتيمبل ما يعارض نجاح مجس الأقطاب المنمنمة في البشر المعانين من الشلل النصفي، لكن العلاج سيعتمد مستقبلًا على شدة الحالة، بحسب رأيه، والمهم أيضًا أنه لا تتوفر مؤشرات على أن جسم الإنسان سيرفض الحبل الشوكي الإلكتروني، وربما سيعين الاختراع الجديد المشلولين على الحركة داخل البيت، وربما خارجه أيضًا، بما في ذلك ممارسة الرياضة الخفيفة. وفي خطوة لاحقة، سيجري خلال الصيف زرع الحبل الشوكي الإلكتروني في مريضين يعانيان من شلل نصفي ناجم عن قطع غير كامل في الحبل الشوكي، وهذا يعني أن الصلة بين العضلات والدماغ موجودة، ويحتاج الأمر إلى تعزيز الإيعازات العصبية الكترونيًا، ومن ثم اعادة تأهيل المريضين، إلا أن الأطباء أعدوا مجس أقطاب منمنمة خاصًا بهذه الحالة، أي القطع غير الكامل، لتجربته على المريضين. وتأتي بعد ذلك مرحلة تجريب الحبل الشوكي الإلكتروني على مرضى يعانون من قطع كامل في الحبل الشوكي، تليها مرحلة التجارب السريرية والتمارين المناسبة والدعم بالأدوية، وهذا كله سيستغرق بضع سنوات قبل أن يكون الإختراع جاهزًا للسوق. يركز العلاج التقليدي لمرض باركنسون أو الشلل الرعاش على استخدام الأدوية المحفزة للدوبامين بهدف تقليل الرعاش، وتقليل الآلام، وتحسين قدرات الإنسان على الحركة، ومعروف أن هذه العقاقير، وخصوصًا العقاقير الكيميائية الشبيهة بمحفزات الدوبامين، يمكن أن تسبب الاكتئاب والهلوسة عند كبار السن، وتستخدم الطرق العلاجية المتقدمة شريحة إلكترونية ذات أقطاب تزرع في الدماغ بهدف تحفيز الايعازات العصبية أو تقليلها. ويرى الدكتور بيتر ديتيمبل أن الحبل الشوكي الإلكتروني يمكن أن يعين مرضى باركنسون أيضًا عبر إرسال الأوامر التي تحفز أو تكبح الايعازات العصبية. وبتقديره، عملية زرع الحبل الإلكتروني أسهل، وأقل خطرًا، بكثير من زرع الأقطاب الكهربائية التي تثبت عادة عميقًا في الدماغ. بعد سنوات من العمل على المشروع، نجح فريق جراحي اميركي في مساعدة المشلولين في الجزء الأعلى من الجسم، على تحريك اليدين. وأعلن الباحثون من مؤسسة "باتل" للأبحاث، في مطلع مايس الحالي، أنهم زرعوا شريحة إلكترونية في دماغ شخص مشلول، بسبب تضرر الحبل الشوكي في منطقة العنق. وتولت الشريحة، المزودة ب 94 قطبًا، نقل الأوامر الصادرة من جزء الدماغ المسئول عن تحريك اليدين إلى عضلات اليدين. وصار بوسع المريض تحريك يديه المشلولتين بمجرد التفكير في ذلك، إلا أن العملية تمت من خلال سلك يمر عبر ثقب في الرأس، يصل إلى كومبيوتر يفسر إشارات الدماغ، ويرسلها من ثم بمثابة ايعازات إلى عضلات اليدين.