قبل نحو عام جلس ناريندرا مودي مع أصحاب بعض من ألمع العقول في الهند لتخطيط حملة وصفها خبير استراتيجي في الانتخابات بأنها حملة "صدمة ورعب". ومن مكتب لا تميزه أي علامات في غاندينجار عاصمة ولاية جوجارات التي نشأ فيها مودي عمل رجال ونساء في مقتبل العمر بعضهم في إجازات بدون مرتب من المؤسسات التي يعملون بها مثل جيه.بي.مورجان ودويتشه بنك على تحويل الانتخابات البرلمانية التي تشهد انقسامات كبيرة لاختيار نواب لشغل 543 مقعدا إلى استفتاء أشبه بانتخابات رئاسية على مودي نفسه. وبهذا انفصل مودي عن الهيكل التقليدي لحزبه بهاراتيا جاناتا الذي يتخذ من دلهي مقرا له وكوادره وتبنى لغة بلد شاب يتطلع للتغيير واستخدم كل الوسائل الحديثة الممكنة من الهولوجرام حتى واتس اب. ونجح هذا الاسلوب فبعد ساعة فقط من بدء فرز الاصوات يوم الجمعة الماضي كان من الواضح أن مودي (63 عاما) بسبيله لتحقيق فوز كاسح بأقوى تفويض شعبي مما حصلت عليه أي حكومة في الثلاثين عاما الماضية. وفي المساء كان حزب بهاراتيا جاناتا وحلفاؤه يتقدمون السباق برصيد 339 مقعدا رغم أن الاغلبية التي تمكنهم من الحكم كانت تبلغ 272 مقعدا. بل إن الحزب وحده حصل على أكثر من نصف المقاعد. وكانت الرغبة في التغيير هائلة خصوصا بين الطبقة الوسطى التي يبلغ عددها نحو 300 مليون شخص في الهند وتشبث مودي نفسه برسالته للناخبين بقوة لدرجة تضاءلت معها في نظر كثير من الناخبين أهمية فصل مظلم في تاريخه السياسي يرتبط بالعنف ضد المسلمين. فعلى مدى فترة طويلة ظل مودي وهو من القوميين الهندوس يواجه اتهامات بأنه غض الطرف عن موجة عنف نفذها الهندوس ضد المسلمين في ولاية جوجارات بعد إشعال النار في قطار يحمل حجاجا هندوسا عام 2002. ونفى مودي الاتهامات وبرأ ساحته من تحقيق أمرت بإجرائه المحكمة العليا. ورفض مودي الدعوات لإبداء الندم على الأرواح التي أزهقت وأغلبها من الأقلية المسلمة التي يبلغ عدد أفرادها أكثر من 150 مليونا. وبدلا من ذلك ارتدى عباءة مصلح اقتصادي وداعية لتحديث الاقتصاد. وقال مودي في كلمة ألقاها في ولاية جوجارات بعد فوزه في الانتخابات "التنمية هي جدول الأعمال الوحيد الذي يمكن أن ينقد البلد." ودعا إلى نبذ الانقسامات السياسية. وقال للآلاف الذين تجمعوا للاحتفال "التنمية هي الحل لكل المشكلات. التنمية هي علاج لكل الأمراض". * جوانجدونج الهندية في السنوات الأخيرة شبه البعض ولاية جوجارات التي حكمها مودي منذ عام 2001 بإقليم جوانجدونج قاطرة الانتعاش الاقتصادي في الصين. ومنذ تولى مودي السلطة تصدرت جوجارات البلاد من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي وأصبحت تمثل 16 في المئة من الناتج الصناعي و22 في المئة من الصادرات رغم أنها تمثل خمسة في المئة فقط من سكان الهند. وفي ظل قيادته اطمأن المزارعون والصناع إلى عدم انقطاع التيار الكهربائي وإن ارتفعت الاسعار كما انكمشت العراقيل البيروقراطية. وقالت دراسة أمرت بإجرائها الحكومة المركزية الشهر الماضي إن الولاية بها أفضل سياسات للاستحواذ على الاراضي بين ولايات الهند التسعة والعشرين من حيث سهولة أداء الأعمال. وتمثل مشكلة الأرض حتى الآن أكبر عقبة في مختلف أنحاء البلاد إذ تعطل 90 في المئة من مشروعات البنية الاساسية. وتعد الطرق السريعة في جوجارات هي الأفضل في الهند بالمقارنة مع الطرق المليئة بالحفر في الحزام الشمالي من البلاد كما أن موانيها هي الأكثر ازدحاما. لكن تكرار قصة النجاح على مستوى البلاد يمثل تحديات كبيرة في بلد ذي هيكل اتحادي معقد وبيروقراطية قائمة على القيود الاشتراكية أكثر من ميلها للاصلاح وفجوة متنامية بين الأغنياء والفقراء بين السكان البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة. وعلى الهند أن تخلق عشرة ملايين وظيفة كل عام أي أربعة أمثال المعدل في السنوات الخمس الاخيرة لاستيعاب الشباب في قوة العمل. وعلى النقيض من الصين فإن الهند لا تدار مركزيا. وسيخوض مودي معارك من أجل الحصول على التعاون الكامل من حكومات ولايات كثيرة وهو ما يحتاج إليه لتنفيذ برنامجه الوطني. وقال البعض إن وتيرة التنمية في جوجارات تسببت في حدوث أضرار بيئية وعرضت تجمعات سكنية صغيرة للخطر وأن المحاباة انتشرت في ظل حكم مودي. ويقول منتقدوه أيضا جوجارات تتخلف عن ولايات أخرى في مؤشرات اجتماعيه مثل معدلات الوفيات. لكن هذه الانتقادات لم تفلح في النيل منه. وقال رانجاث سينغ رئيس بهاراتيا جاناتا وهو من معاونيه المقربين "مودي قاد من الخط الأمامي. ولولاه لما أمكن أي يتحقق شيء من ذلك". * "متعهد الأحلام" وكان مودي ذو اللحية البيضاء هو الوجه الوحيد في الحملة الانتخابية. وقد قطع مسافة 300 ألف كيلومتر منذ اختياره مرشحا لرئاسة الوزراء في سبتمبر الماضي وألقى 457 خطابا في هذه الفترة. وعندما لم يستطع الحضور بنفسه كان يلقي كلمته من خلال تقنية الهولوجرام. وقال سانجاي جوبتا وهو من كبار الموظفين سابقا إذ استقال ليعمل بمشروعه الخاص حيث بدأ سلسلة فنادق "لقد أصبح (مودي) متعهد الأحلام. من الصعب توقع كيف سيلبي كل الطموحات المكبوتة دون إعادة هندسة النظام". ومودي هو ابن بائع الشاي في محطة للقطارات وهو يذكر الناخبين بأصله المتواضع على النقيض من عائلة نهرو غاندي التي قاد مرشحها راؤول غاندي حملة حزب المؤتمر الحاكم. ترك مودي البيت بعد أداء دراسته وقطع كل صلاته الاسرية إذ وجد ضالته المنشودة في منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ اليمينية التي تعد الاصل العقائدي للجماعات الهندوسية وحزب بهاراتيا جاناتا. ويسعى أعضاء هذه المنظمة إلى جعل الهند قوة عظمى قوية عسكريا مزدهرة اقتصاديا ويتلقون تدريبات شبه عسكرية وجلسات توجيه معنوي في مختلف أنحاء البلاد. وقال كيشور ماكوانا عضو المنظمة الذي كان يجلس على المقعد الخلفي لدراجة مودي النارية خلال الأيام التي كان يروج فيها للمنظمة إن مودي كان ينام أحيانا على الرصيف لانه وصل متأخرا إلى منزل مضيفه وكان يعتقد أن من الفظاظة النقر على الأبواب في ساعة متأخرة. وأحد الأشياء التي لم يتحدث عنها مودي قط علانية هو زواجه الفاشل الذي تردد أنه حدث قبل أن يبلغ 20 عاما وبعد أن اتفق والده مع والد العروس على الزيجة كما جرت العادة. وفي الشهر الماضي كشف مودي للمرة الأولى أنه كان متزوجا من جاشودابن في أحد المستندات التي تقدم بها للانتخابات بعد أن ترك الخانة خالية في مرتين سابقتين خاض فيهما الانتخابات. وتقول بعض الروايات غير الرسمية عن حياته إنه لم يقبل الزواج وربما يكون قد ترك البيت لهذا السبب. وعادت العروس إلى بيت شقيقها حيث عاشت دون أن تلتقي بزوجها لاكثر من 40 عاما. كما ابتعد مودي عن أقاربه من الدرجة الاولى ولم يلتق بوالدته واشقائه إلا بين الحين والآخر. وقال في مقابلة إن تعليمه الحقيقي تم في منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ وإنه يدين بكل شيء لها. وفي نظر البعض فإن خلفيته في المنظمة وأسلوبه في التعامل مع أعمال الشغب في ولاية جوجارات مدعاة للقلق. إذ يقول منتقدوه إن المنظمة تعارض المسلمين معارضة شديدة وإن هدف جعل الهند دولة هندوسية يتعارض مع التقاليد العلمانية. ويقول ماني شانكار ايار الذي شغل منصب وزير اتحادي عن حزب المؤتمر وهو من أشد منتقدي مودي "أجد فكرة تولي ناريندرا مودي رئاسة وزراء الهند فكرة بغيضة للغاية. فهي اعتداء على فكرة الهند بسبب ما يمثله وسجل أعماله". وفي ولاية جوجارات نفسها يشير المنتقدون إلى الفصل الديني الذي شهدته الولاية في العقد الأخير. فقد أصبح من الصعب على المسلمين شراء عقارات في المناطق التي يسيطر عليها الهندوس وأصبحت الطائفة المسلمة تعيش في أحياء عشوائية مكتظة بالسكان. وقال روشير شارما رئيس قسم الأسواق الناشئة في مورجان ستانلي "مودي سيحكم الهند كلها بما فيها 150 مليون مسلم وهناك ما يدعو للحذر".