سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هدد صرح طبي كامل.. إشعال ممرضة النيران بمستشفى حلوان العام بسسب اضطراب البيرومانيا نادر الحدوث.. دراسة: أقل من 1% من السكان قد يُصابون به في مرحلة من حياتهم
"مكنتش مخططة أولع النار في المستشفى لكن بحب أشوف النار والحرائق وهي بتولع وخوف الناس ودي متلازمة عندي"، كان هذا نص اعترافات الممرضة المتهمة بإشعال النيران في مستشفى حلوان العام وكانت اعترافاتها صادمة أمام رجال المباحث عقب إلقاء القبض عليها. في عالم يزداد فيه الحديث عن الاضطرابات النفسية والسلوكية، يظل اضطراب البيرومانيا أو "هوس إشعال الحرائق" أحد أكثر الظواهر غموضًا وإثارة للقلق. البيرومانيا ليس مجرد نزوة عابرة أو حب للاستطلاع، بل اضطراب نفسي مُعترف به في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، يجعل المصاب مدفوعًا بشغف قهري لإشعال النيران ومراقبتها، حتى وإن كان ذلك يعرضه أو يعرض الآخرين للخطر. لم يحدث أي اصابات اشتعلت النيران بمستشفى حلوان العام في 5 أسرة داخل غرفة الرعاية بالطابق الرابع، وامتدت النيران إلى سرير داخل غرفة الرعاية بالطابق الخامس، في المستشفى المكون من أرضى و5 طوابق، مما جعل المر يبدو مريبا كيف انتقلت النيران لغرف متفرقة في طابقين. وكشفت التحريات أن وراء هذا الأمر ممرضة شابة، ظهرت بشكل واضح في كاميرات المراقبة، بسبب خلافات مع مديرها في العمل. بحسب إفادة مدير المستشفى لم يسفر الحريق عن وجود أشخاص مصابين، مشيرًا إلى السيطرة على الحريق ومنع امتداده لباقي المستشفى، وتم نقل 8 حالات مرضى، من غرف الرعاية إلى مستشفى الحميات، وتم نقل حالة إلى مستشفى النصر. قررت النيابة العامة حبس الممرضة "ش. ع" 4 أيام على خلفية اتهامها بإشعال النار داخل غرف وحدة العناية المركزة بمستشفى حلوان العام، دون وقوع إصابات بشرية. ما هو اضطراب البيرومانيا؟ وما تحدثت عنه الممرضة _ إذا ثبت صدق أقوالها_ تسمى اضطراب " البيرومانيا" وليست متلازمة، فالإضطراب يعد خللا في السلوك أو التفكير أو الوظائف النفسية والعصبية. البيرومانيا (Pyromania) يُصنَّف ضمن الاضطرابات السلوكية المرتبطة بالتحكم في الاندفاعات. يتمثل في رغبة متكررة وقهرية لإشعال الحرائق، دون وجود دافع مادي مباشر مثل الانتقام أو الحصول على مكاسب مالية، فالمريض يشعر بتوتر شديد قبل إشعال النار، ثم بارتياح أو نشوة بعد رؤيتها تشتعل. يصف الدكتور روبرت فايرستون، الباحث في علم النفس الإكلينيكي، الأمر بأنه "إدمان على النار"، حيث لا يمكن للمصاب السيطرة على رغبته المتكررة في إشعال الحرائق، تمامًا كما يفقد مدمن المخدرات السيطرة أمام رغبته في التعاطي. هل سجلت حالات في العالم؟ نعم، فقد وثّقت العديد من الدول حالات مؤكدة لاضطراب البيرومانيا، خاصة بين المراهقين. تشير دراسة نشرت في المجلة الأمريكية للطب النفسي عام 2012 إلى أن أقل من 1% من السكان قد يُصابون بهذا الاضطراب في مرحلة ما من حياتهم، إلا أن تأثيرهم قد يكون مدمّرًا. وفي ألمانيا، أُجريت مراجعة على ملفات قضائية تخص حرائق متعمدة، وُجد أن نسبة غير قليلة من مرتكبيها عانوا من أعراض مطابقة للبيرومانيا. وفي الولاياتالمتحدة، تم تسجيل عشرات الحالات لأطفال ومراهقين أقدموا على إشعال الحرائق مرارًا، رغم معرفتهم بخطورتها، ليُكتشف لاحقًا أنهم يعانون من هذا الاضطراب. الأعراض والعلامات المميزة تتمثل أبرز أعراض اضطراب البيرومانيا في: 1. رغبة متكررة وقوية في إشعال الحرائق. 2. شعور بتوتر داخلي شديد قبل إشعال النار. 3. إحساس بالمتعة أو الراحة بعد إشعالها أو أثناء مشاهدة ألسنتها. 4. الانشغال بالنار وأدواتها (الولاعات، الكبريت، الوقود). 5. غياب الدوافع الواضحة (كالانتقام أو الكسب المادي). كيف نكتشفه لدى الأطفال؟ اكتشاف البيرومانيا في سن مبكرة أمر بالغ الأهمية، لأن التدخل المبكر يقلل من مخاطره. يمكن للأهل والمعلمين ملاحظة بعض المؤشرات، منها: * فضول مفرط تجاه النار ومحاولة الاقتراب منها دون مبرر. * تكرار اللعب بالولاعات أو الكبريت رغم التحذيرات المتكررة. * إشعال حرائق صغيرة متعمدة داخل المنزل أو المدرسة. * التحدث عن النار بإعجاب مبالغ فيه، أو إظهار حماس غير طبيعي عند رؤيتها. * السرية والكتمان حول حوادث اشتعال وقعت في محيطه. ويرى الأطباء النفسيون أن التفريق بين "الفضول الطبيعي" للأطفال تجاه النار وبين أعراض البيرومانيا يكمن في التكرار والإصرار على الإشعال، إلى جانب الإحساس بالراحة أو النشوة بعد حدوث الحريق. المخاطر على الفرد والمجتمع لا يشكل البيرومانيا خطرًا على المصاب فقط، بل يهدد أسرته ومجتمعه، فالحرائق قد تتسبب في خسائر بشرية ومادية فادحة. وتكمن الخطورة أيضًا في ارتباط الاضطراب باضطرابات أخرى، مثل الاكتئاب أو تعاطي المخدرات أو اضطرابات السلوك المعادي للمجتمع. العلاج والتعامل مع المصاب رغم خطورة الاضطراب، فإن علاجه ممكن، ويعتمد التدخل العلاجي على: * العلاج النفسي السلوكي: لمساعدة المريض على التحكم في اندفاعاته وفهم دوافعه. * العلاج الأسري: لإشراك الأهل في مراقبة السلوكيات ودعم الطفل أو المراهق. * العلاج الدوائي: في بعض الحالات، خاصة عند وجود اضطرابات مرافقة مثل الاكتئاب أو القلق. وتؤكد الدراسات أن إشراك المدارس في رصد السلوكيات مبكرًا، وتدريب الأهل على ملاحظة العلامات، يمثلان خط الدفاع الأول في مواجهة هذا الاضطراب. الوعي المجتمعي والتدخل المبكر قد يبدو اضطراب البيرومانيا للبعض نادرًا أو بعيدًا عن حياتنا اليومية، لكنه في الحقيقة يذكّرنا بخطورة إهمال الاضطرابات النفسية والسلوكية لدى الأطفال والمراهقين. فشغف صغير بالنار، إذا تُرك دون متابعة، قد يتحول إلى تهديد حقيقي للأرواح والممتلكات. ومن هنا، يظل الوعي المجتمعي، والتدخل المبكر، حجر الزاوية لحماية الأفراد والمجتمع من "نار" هذا الاضطراب.