أثار إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، تفاعلًا واسعًا كشف انقسامًا واضحًا في المواقف الدولية، بين ترحيب عربي وأوروبي من جهة، واعتراض أمريكي – إسرائيلي حاد من جهة أخرى. جاء الإعلان عبر منصة "إكس"، حيث أكد ماكرون أن الاعتراف المرتقب يأتي وفاءً بالتزام تاريخي فرنسي من أجل سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، مرفقًا ذلك برسالة رسمية وجهها إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عبّر فيها عن رغبة الفرنسيين في الإسهام في تحقيق سلام حقيقي بالمنطقة. وأكد أن "السلام ممكن"، إذا ما تكاتفت الجهود الدولية، وخاصة الأوروبية، مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وأشار ماكرون إلى أن قراره يستند إلى تعهدات مباشرة تلقاها من عباس، وشدد على ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح المحتجزين، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، ما يربط الاعتراف الفرنسي بالسياق الميداني في القطاع، ويعطيه بعدًا إنسانيًا ودبلوماسيًا. ولم يمر الإعلان دون أثر سياسي؛ إذ أعلنت الخارجية الفرنسية على لسان الوزير جان نويل بارو، تسليم رسالة رسمية بهذا الشأن للسلطة الفلسطينية عبر قنصلها العام في القدس، بما يوحي بأن القرار دخل مرحلة التطبيق الفعلي، وليس مجرد نية أو ضغط رمزي.
ردود عربية حاسمة لدعم الخطوة السعودية وصفت الإعلان ب"القرار التاريخي"، وأكدت أن الاعتراف يجسد التوافق الدولي على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. أما الأردن، فرأى فيه "خطوة في الاتجاه الصحيح"، تعزز حل الدولتين، بينما رحبت السلطة الفلسطينية وحركة حماس به، واعتبرتاه تحركًا نوعيًا ضد محاولات الاحتلال طمس الحقوق الوطنية.
الدعم الأوروبي تمثّل في إشادة إسبانيا بالخطوة الفرنسية واعتبارها حماية لحل الدولتين، كما تعهدت كندا، وإن لم تصل إلى مستوى الاعتراف، بدعم سياسي كامل في جميع المحافل لتحقيق هذا الحل.
رفض أمريكي في المقابل، قوبل الموقف الفرنسي برفض أمريكي معلن. فقد اعتبر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الاعتراف المرتقب قرارًا "متهورًا"، يخدم "دعاية حماس" ويُعيق فرص التفاوض. وذهب السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام إلى وصفه ب"المثير للقلق"، متسائلًا عن تفاصيل بنية الدولة الفلسطينية المحتملة، ومدى ارتباطها بحماس، في طرح يعكس توجهًا أميركيًا متشككًا في جدوى هذا الاعتراف دون اتفاق مسبق على التفاصيل الجوهرية.
الموقف الإسرائيلي جاء أكثر حدة، إذ وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاعتراف بأنه "مكافأة للإرهاب"، مدعيًا أن إقامة دولة فلسطينية ستشكل "منصة للقضاء على إسرائيل". واعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، القرار "استسلامًا للإرهاب"، بينما استخدم وزير الخارجية سخرية لاذعة تجاه ماكرون، مشككًا في قدرته على تأمين الشوارع الفرنسية، فضلًا عن الشرق الأوسط. ومع اقتراب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، يزداد زخم التحرك الدبلوماسي المشترك بين فرنسا والسعودية لعقد مؤتمر وزاري حول حل الدولتين، في ظل جهود عربية ودولية متصاعدة لمحاولة فرض مسار سياسي جديد قد يعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بعد سنوات من الجمود، وسيطرة الأولويات الأمنية على المشهد الإقليمي والدولي. في سياق ذلك، يُنظر إلى الخطوة الفرنسية على أنها ليست مجرد قرار منفرد، بل جزء من تحرك أوسع تقوده باريس والرياض، بدعم من الاتحاد الأوروبي، لبلورة تحالف دولي من أجل الدفع بحل الدولتين، وخلق ديناميكية تفاوضية جديدة تُواجه محاولات تهميش القضية الفلسطينية.