في تطوّر غير مسبوق قد يُعيد تشكيل ملامح الصراع الممتد بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، أعلنت مجموعة من مقاتلي الحزب عن تسليم أسلحتهم وإتلافها قرب أحد الكهوف في منطقة جبلية شمال العراق، في خطوة رمزية وصفها مسؤول تركي رفيع بأنها "نقطة تحول لا رجوع عنها" في مسار عملية السلام. نزع السلاح... لحظة مفصلية أم عرض رمزي؟ تأتي هذه الخطوة بعد تمرد مسلح استمر لأكثر من أربعة عقود، وخلّف عشرات الآلاف من القتلى، وعمّق الشرخ بين الدولة التركية والمجتمع الكردي، لا سيما في جنوب شرق البلاد. وعلى الرغم من أن الحكومة التركية صنفت حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، فإن هذا التطور الأخير يُنظر إليه - على الأقل ظاهرياً - كمؤشر على احتمال إنهاء النزاع بشكل دائم. وبحسب التصريحات الرسمية، فإن أنقرة تعتبر ما جرى "فرصة لحماية أرواح الأبرياء، وبناء مستقبل خالٍ من الإرهاب"، مؤكدة التزامها بدعم نزع السلاح والاستقرار والمصالحة. الظروف المحيطة: دوافع متعددة وراء الخطوة لكن هذه المبادرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي، خاصة في ظل التغيّرات التي يشهدها ملف الأكراد في العراق وسوريا، حيث تتقاطع مصالح أنقرة مع قوى دولية كبرى. ويبدو أن قرار الحزب بالتخلي عن السلاح قد جاء نتيجة لضغوط مركّبة، من ضمنها: ضغوط داخلية من قيادات كردية بدأت تشعر بأن العمل المسلح لم يعد يحقق مكاسب سياسية حقيقية. ضغوط إقليمية خاصة من حكومة إقليم كردستان العراق التي تسعى للحفاظ على علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع تركيا. ضغوط دولية من أطراف غربية ترى أن تصفية "الملف الكردي المسلح" بات ضرورة لاستقرار المنطقة. حسابات تركيا: بين الانتصار السياسي والتحديات المستقبلية من وجهة نظر أنقرة، فإن نزع سلاح الحزب يمكن اعتباره انتصاراً سياسياً وأمنياً، ورسالة قوية للداخل والخارج معاً. لكن هذا الانتصار لا يخلو من التحديات، فالسؤال الأهم الذي يفرض نفسه الآن: هل هذه الخطوة تعني نهاية حقيقية للعمل المسلح؟ ففي تجارب سابقة، شهدت تركيا مبادرات مشابهة - مثل مفاوضات السلام في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية - لكنها انهارت سريعاً بسبب غياب الضمانات السياسية، واستمرار الخطاب القومي المتشدد. ردود الفعل الشعبية والميدانية: صمت حذر حتى الآن، لم تصدر ردود فعل رسمية من القيادة المركزية للحزب، ولا من القواعد الشعبية الكردية في تركيا، ما يفتح الباب أمام احتمال أن تكون هذه الخطوة محصورة في فصيل معيّن داخل التنظيم. وإذا لم يُتبَع نزع السلاح بإجراءات سياسية تعزز الحقوق المدنية والثقافية للأكراد، فقد يُنظر إليه على أنه مجرد مناورة تكتيكية لتخفيف الضغط العسكري والسياسي عن الحزب. نزع السلاح، رغم أهميته الرمزية، لا يشكّل بالضرورة نهاية للصراع الكردي–التركي، إلا إذا ترافق بخطوات سياسية واقتصادية واضحة لمعالجة جذور الأزمة. ويبقى اختبار النوايا هو العامل الحاسم في تحديد ما إذا كانت هذه "نقطة لا رجوع عنها" بالفعل، أم مجرد محطة جديدة في صراع لم تنطفئ جذوته بعد.