في سابقة غير معهودة في العلاقات بين الحلفاء الديمقراطيين، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التقاليد الدبلوماسية والقانونية، ودعا بشكل علني إلى إيقاف محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المتهم في قضايا فساد خطيرة. عبر منشور على منصته "تروث سوشيال"، وصف ترامب استدعاء نتنياهو للمثول أمام المحكمة ب"السخيف"، في تصريح اعتبره كثيرون إهانة مباشرة للجهاز القضائي الإسرائيلي. وأضاف ترامب، في ما بدا وكأنه تبرير لتدخله، أن "أمريكا أنقذت إسرائيل، وستنقذ نتنياهو". خلفية الاتهامات يُحاكم نتنياهو منذ أربع سنوات في ثلاث قضايا أساسية تتعلق بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. من بين أبرز الاتهامات: تلقي هدايا فاخرة تزيد قيمتها عن 200 ألف دولار من رجال أعمال نافذين. منح تسهيلات تنظيمية ضخمة بمئات الملايين من الدولارات لقطب اتصالات، مقابل تغطية إعلامية إيجابية في موقع إخباري يملكه الأخير. ووفقًا لتقارير أمنية، فإن نتنياهو لجأ إلى سلسلة من المناورات القانونية والتشريعية لتأخير إجراءات محاكمته، بما في ذلك استخدام نفوذه كرئيس للوزراء، وهو ما أكده رئيس سابق لجهاز الشاباك، الذي اعتبر أن نتنياهو حاول توظيف سلطاته التنفيذية للتأثير على مسار العدالة. التدخل الأمريكي وتداعياته تصريحات ترامب أثارت جدلاً واسعًا حول استقلال القضاء في إسرائيل، خاصة أن التصريح جاء من رئيس أمريكي سابق لحليف استراتيجي يصنف ديمقراطياً. وهو ما يشير إلى اختلال واضح في الأعراف السياسية الدولية، حيث لم يُسجل من قبل تدخل مباشر من رئيس أمريكي في قضايا قضائية داخلية لدولة حليفة. التوقيت أيضًا يثير الريبة، إذ جاء بعد أن عبّر ترامب عن غضبه من قرار نتنياهو بشن غارات على إيران عقب إعلان وقف إطلاق النار، وهو ما اعتبره ترامب تقويضًا لجهوده السياسية والدبلوماسية. ولعل هذا الشعور بالإهانة دفعه إلى توجيه ضربة أخرى، ولكن هذه المرة للنظام القضائي الإسرائيلي. سياق الحرب في غزة: من جهة أخرى، يبدو أن استمرار الحرب في غزة أصبح وسيلة تكتيكية لنتنياهو لتأجيل مصيره القضائي. فكلما طُرحت صفقات لوقف دائم لإطلاق النار مقابل إعادة الأسرى، رفضها نتنياهو. التحليل السياسي يشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يرى في بقاء الأزمة العسكرية وسيلة لإبقاء الوضع السياسي متوتراً ومفتوحاً، بما يمنحه شرعية إضافية ويحول الانتباه عن محاكمته. البُعد الشخصي والوطني: الملفت أن نتنياهو يحمل الجنسية الأمريكية، ما قد يكون جزءًا من المبررات التي دفعت ترامب للمطالبة بالعفو عنه. لكن خلف هذا التدخل، يكمن دافع شخصي أعمق: طموح ترامب في نيل جائزة نوبل للسلام. وقف الحرب في غزة سيكون إنجازًا سياسيًا كبيرًا يرفعه على الساحة الدولية، ويدخله من جديد دائرة الترشيح والتأثير.