اجتماع اسطنبول بين الوفدين الروسى والأوكراني بحضور وزير خارجية تركيا مع دخول الحرب في أوكرانيا يومها ال 1175، تعثرت آخر محاولات الرئيس دونالد ترامب للتوسط في السلام بين روسياوأوكرانيا، مما يُبرز مرة أخرى تعقيدات حل النزاعات في بيئة مشحونة جيوسياسيًا. انتهت المحادثات المباشرة في إسطنبول بين روسياوأوكرانيا، والتي كان ترامب يؤيدها، بتقدم ضئيل، حيث اتفق الجانبان فقط على تبادل الأسرى. يُؤكد هذا الاجتماع، الذي سبقه ارتباك ومسرحيات سياسية، سبب فشل جهود ترامب للسلام مرارًا وتكرارًا في تحقيق أي تقدم. أمل بعيد بالتقدم وُصفت المحادثات المباشرة في إسطنبول بأنها خطوة مهمة نحو إنهاء الحرب، لكن الواقع كان أقل إثارة بكثير. فبعد أسابيع من المناورات الدبلوماسية المترددة، اجتمعت روسياوأوكرانيا أخيرًا في محادثات لم تتجاوز ساعتين. لم تُسفر المحادثات، التي دفع ترامب باتجاهها، إلا عن اتفاق لتبادل الأسرى وهي نتيجة اعتبرها الكثيرون رمزية أكثر منها جوهرية. جاء هذا الإنجاز المتواضع في وقت بدا فيه الطرفان بعيدين كل البعد عن أي اتفاق شامل. ولم يكن فشل الاجتماع في تحقيق أي شيء أكثر جوهرية نتيجةً للأعمال العدائية طويلة الأمد فحسب، بل أيضًا للإشارات المتضاربة الصادرة عن ترامب نفسه. في البداية، ضغط ترامب بقوة من أجل محادثات إسطنبول، حتى أنه ألمح إلى احتمال حضوره شخصيًا. ومع ذلك، مع اقتراب موعد المحادثات، خفت حماسة ترامب، وبدا في النهاية وكأنه ينسحب من العملية تمامًا. لم يكن غيابه علامةً على تراجع اهتمامه فحسب، بل كان أيضًا مؤشرًا على صعوبة جهوده السلمية في كثير من الأحيان في اكتساب زخم جدي. معضلة نهج ترامب تمحور نهج ترامب تجاه السلام في أوكرانيا بشكل أساسي حول الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وهو طلب رفضه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستمرار. خلال الأشهر التي تلت بدء ترامب جهوده، بذل كلٌّ من بوتين وزيلينسكي جهودًا حثيثة لإقناع الرئيس الأمريكي بمشاركة هدفه في إنهاء الصراع، وأن الطرف الآخر هو العائق الحقيقي. وقد حثّ زيلينسكي، على وجه الخصوص، باستمرار على ضرورة التركيز على تصرفات روسيا، بينما صوّر بوتين الوضع في إطار رفض أوكرانيا الامتثال للمطالب الروسية. ومع ذلك، وكما أظهرت محادثات إسطنبول، فإن وقف إطلاق النار دون معالجة القضايا الجوهرية، مثل السيطرة على الأراضي، والانسحابات العسكرية، والسيادة، أثبت أنه حل غير كافٍ. ففي مواجهة المواقف المتصلبة، لم يجد إصرار ترامب المتكرر على وقف إطلاق النار دون مراعاة القضايا الأعمق والأكثر صعوبة المطروحة صدى لدى أيٍّ من الجانبين. الناتو وغموض ترامب اتسمت الأيام التي سبقت محادثات إسطنبول بالمسرح السياسي، حيث حاول كل جانب كسب اليد العليا. انخرط زيلينسكي في خطوة دبلوماسية بالغة الخطورة، بعرضه حضور المحادثات شخصيًا، وتحديه بوتين للقيام بالمثل. إلا أن بوتين أرسل وفدًا منخفض المستوى، وصفه زيلينسكي بأنه فريق "مُزيّف". أبرز هذا التباين الدبلوماسي انعدام الجدية في المحادثات، إذ لم تُبدِ روسيا أي استعداد حقيقي للتعامل مع أوكرانيا على قدم المساواة. من جانبه، بدا ترامب أكثر انفصالًا عن العملية. فعلى الرغم من حثّه في البداية على عقد المحادثات، إلا أنه صرّح لاحقًا للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأمريكية بأنه "لن يحدث شيء حتى نلتقي أنا وبوتين"، مشيرًا إلى أن اهتمامه الحقيقي يكمن في لقاء مباشر مع الرئيس الروسي. أثار هذا التعليق تساؤلات حول جدوى خطة ترامب للسلام، إذ أوحى بأن نهجه يرتكز على الدبلوماسية الشخصية بدلًا من معالجة شبكة القضايا المعقدة بين أوكرانياوروسيا والمجتمع الدولي الأوسع. تفاقم الالتباس المحيط بمحادثات إسطنبول بسبب موقف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي وجد نفسه في تركيا في خضم عملية تخلّى عنها رئيسه فعليًا. وبينما حاول روبيو الحفاظ على مظهر من التفاؤل الدبلوماسي، طمأن وزراء خارجية الناتو في أنطاليا بأن ترامب لا يزال "منفتحًا على أي آلية تُوصلنا إلى سلام عادل ودائم". إلا أن هذا التصريح كان بمثابة طمأنة دبلوماسية أكثر منه انعكاسًا لأي خطة ملموسة. لطالما وُجهت انتقادات لنهج ترامب تجاه السلام في أوكرانيا لافتقاره إلى استراتيجية متماسكة. وقد دفع استعداده لإجراء مناقشات مع بوتين، حتى مع تهميشه للمصالح الأوكرانية، الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كان ملتزمًا حقًا بسلام متوازن، أم أن أفعاله تعكس إعجابه القديم بالزعيم الروسي. ويثير هذا التناقض بين خطاب ترامب وواقع الصراع مخاوف بشأن جدوى جهوده السلمية في المستقبل. يُعدّ فشل محادثات إسطنبول تذكيرًا صارخًا بأن تحقيق السلام في أوكرانيا يتطلب أكثر من مجرد دعوة لوقف إطلاق النار. بل يتطلب معالجة القضايا الأساسية التي غذّت الصراع لسنوات، بما في ذلك النزاعات الإقليمية، والاستراتيجية العسكرية، وتطلعات كل من روسياوأوكرانيا. وبينما ربما أثارت جهود ترامب في البداية آمالًا في حل سريع، إلا أن الواقع هو أن السلام في أوكرانيا سيتطلب أكثر بكثير من مجرد مسرحيات سياسية وإيماءات رمزية. وحتى يتم اعتماد نهج أكثر شمولًا نهج يتضمن حوارًا ذا معنى وتنازلات من جميع الأطراف فمن المرجح أن تستمر الحرب، مع نفس إراقة الدماء والمعاناة التي ميزت السنوات الثلاث الماضية. *نيويورك تايمز