أصدرت لجنة العدالة والسلام المنبثقة عن مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية مساء أمس الجمعة، في الأرض المقدسة "القدس" بيانًا يبحث فيه "اضطهاد المسيحيين في العالم العربي" وفيما يلي النص الكامل للبيان: هل المسيحيون مضطهدون في العالم العربي؟ الكل يتكلم اليوم عن الاضطهاد، وفي بلدان كثيرة في الغرب يتكلمون على اضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط، ما الذي يجري بالضبط؟ أهو اضطهاد للمسيحيين فقط؟ أم هي حالة اضطراب واضطهاد عامة تطال الجميع؟ ككنيسة ومسيحيين علينا أن ندرك ما يجري في المنطقة وأن نعبِّر عنه كما هو في كامل حقيقته. لا شك أنّ قوى راديكالية مدمرة انطلقت مع الثورات الحديثة التي عرفت في البدء باسم "الربيع العربي"، وأحدثت، باسم تفسير سياسي للإسلام، دمارًا كبيرًا في عدد من بلداننا في الشرق الأوسط، ولاسيما في العراق ومصر وسوريا، ولا شك أن العديد من تلك القوى المتطرفة ترى في المسيحيين أقوامًا كافرين، أو أعداء أو عملاء لقوى أجنبية أو هدفًا سهلًا تسطو عليه. لقول الحقَّ يجب أن نقول إن المسيحيين ليسوا وحدهم الضحيّة، بل هم ضحية بين ضحايا عديدة لهذا العنف ولهذه الوحشية. المسلمون المعتدلون، كل الذين يقال فيهم إنهم "هراطقة" أو "منشقّون" أو فقط "غير ممتثلين للأعراف"، كل هؤلاء، في الفوضى القائمة، عرضة للاعتداء ويُقتلون. و حيث السنة هي الأكثرية يقتل الشيعة، وحيث الشيعة هي الأكثرية يقتل السنة، نعم المسيحيون يستهدَفون لأنهم مسيحيون، ولأنهم مختلفون في معتقداتهم، ولأنه لا حامي لهم، ولكن ما يصيبهم هو ما يصيب غيرهم من موت ودمار في أيام الموت والدمار التي نعيشها، ومثل غيرهم ومع غيرهم يهجرون من بيوتهم، ومثل غيرهم يصبحون لاجئين في بلدان غريبة لا حول لهم ولا قوة. هبت رياح الثورات على بلداننا، لأن جميع شعوب الشرق الأوسط ظنت أنها ستبدأ عصرًا جديدًا من الكرامة والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وزالت الأنظمة الاستبدادية التي كانت تضمن "القانون والأمن"، ولكن بثمن باهظ من الحكم العسكري وقمع الحريات. و مع زوالها زال القانون والأمن، كان المسيحيون يعيشون بالأمن والأمان في كنف تلك الأنظمة الاستبدادية، وكانوا يخشون زوالها، خوفًا من أن تعم الفوضى بعدها، أو تستولي على السلطة مجموعات متطرفة تحمل معها العنف والاضطهاد. ولهذا حاول بعضهم الدفاع عما مضى، والآن يجب أن نقول إن المسيحيين إخلاصًا لإيمانهم وللحقيقة، بل وإخلاصًا لتلك الأنظمة التي وفرت لهم "القانون والأمن"، كان من واجبهم أن يقولوا كلمة حق لتلك الأنظمة وينادوا بالإصلاحات الضرورية، مع بعض من تشجع من المسيحيين والمسلمين من قبل وطالب بالإصلاح وبمزيد من العدل واحترام حقوق الإنسان. إننا ندرك كل الإدراك مخاوف ومعاناة إخوتنا المسيحيين، الذين فقدوا في العنف الدائر أفرادًا من عائلاتهم أو هجروا من بيوتهم، ويحق لهم أن يطالبونا وأن يعتمدوا على تضامننا وصلواتنا، في الشدة التي يمرون بها، حيث أصبح عزاؤهم الأوحد في كلمة السيد المسيح لهم: "طوبى للمضطهدين من أجل البر فإن لهم ملكوت السماوات" (متى 5: 10). ولكن، مع رؤيتنا هذه الشدة القصوى، نقول إن بعض "الجماعات"، هنا أو في الغرب والتي يحلو لها أن تكرر إن المسيحيين في الشرق الأوسط مضطهدون، إشارة إلى ما يلاقونه من آلام في وسط موجة العنف التي تعم المنطقة، لا يفيد سوى المتطرفين، هنا وفي الخارج. هؤلاء نواياهم فتنة ومزيد من الفساد والكراهية بين الشعوب والديانات، نحن نقول إن هناك معاناة حقيقية وشدة يمر بها المسيحيون في الشرق الأوسط، ولكن ليس المسيحيون فقط بل المنطقة كلها، والمنطقة كلها بحاجة إلى نوايا صادقة وقوية لتحرر المنطقة والمسيحيين فيها. اليوم، حان الوقت لكي يقف المسيحيون والمسلمون معا في كل مكان، لمواجهة هذه القوى المتطرفة والمدمرة، لأن المسيحيين مهددون، وكذلك العديد من المسلمين مهددون، من قبل تلك القوى التي تريد أن تخلق مجتمعا لا مسيحيين فيه، وحيث القليل من المسلمين سيشعرن أنهم فيه مطمئنون، كل من يعمل في سبيل الكرامة، والديمقراطية، والحرية والازدهار هو هدف وضحية، الحماية هي الوقوف معا وأن نقول معا كلمة حق وحرية. و يجب أن نعرف، نحن المسيحيين والمسلمين، أن لا أحدًا من الخارج، سيحرك ساكنا ليحمينا، نحن وحدنا نحمي أنفسنا فيحب أن نكيف أنفسنا مع واقعنا حتى ولو كان واقع موت، ونتعلم معا كيف نخرج من خلال الاضطهاد والدمار إلى حياة جديدة كريمة لنا ولكل بلداننا معًا، يجب أن نبحث عن كل من يريد مجتمعًا حيث المسلمون والمسيحيون (واليهود أيضًا) يكونون مواطنين ويعيشون معًا، ويبنون معًا مجتمعًا حيث تقدر أجيال جديدة أن تعيش وتزدهر. وأخيرًا نصلي من أجل الجميع، من أجل كل الذي يضمون جهودهم إلى جهودنا، ومن أجل الذين يسيئون إلينا اليوم، بل ويقتلوننا نصلي ليمنحهم الله أن يدركوا الصلاح الذي وضعه في قلب كل إنسان، ولكي يحوِل الله كل إنسان إلى إنسان محب لكل إنسان، على مثال الله خالق الإنسان ومحب البشر أجمعين، وإن حمايتنا في الله وحده، وعلى مثال ربنا وسيدنا يسوع المسيح نبذل حياتنا في سبيل من يضطهدوننا، وفي سبيل المحبة والحقيقة والكرامة.