قال الشاعر سمير درويش، رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة: إن واقع الشعر، في ظني، يعيش مرحلة ثانية من رحلته الطويلة في الثقافة العربية، فقد كان استنفد كل محاولات التجديد في بلاغته القديمة التي اعتمدت على تخليق الصورة الشعرية من العلاقة بين طرفي التشبيه، التي بدأت بالتشبيه الصريح وانتهت بالمجاز الثقيل، منذ ما قبل الشعر الجاهلي إلى آخر تجليات قصيدة التفعيلة، هذا المأزق أوقعه في التصنع واللعب اللغوي- في العصر المملوكي مثلًا- الذي يخالف رسالة الشعر نفسها، بحيث لجأ الشعراء إلى إحداث جرس عالٍ، وتنظيم الحروف العربية بطرق معينة بحيث ينتج عنها أشكال رياضية لغوية.. إلخ هذه الألعاب التي كادت تقتل الشعر، لولا شعراء الإحياء الذين حاولوا إنقاذه فأرجعوه إلى الوراء خمسة عشر قرنًا، فنجد شاعرًا كبيرًا كأحمد شوقي يبدأ بالطلليات مثلًا. وأضاف درويش: اليوم وبالتزامن مع اليوم العالمي للشعر، أتصور أن "قصيدة النثر" بجمالياتها المختلفة فتحت طريقًا جديدًا للشعر العربي باستحداث بلاغتها، فلم تعد ترتكن إلى التشبيه، بل إلى إحداث صدمة للقارئ بالتركيز على المواقف العادية والبسيطة غير الفارقة، واستخدام لغة سهلة مندهشة ومدهشة، اعتمادًا على أن الشعرية تتخلق من المفارقة التي تحدث- في ذهن القارئ- بين النص الشعري الذي يخلق واقعه الخاص، وبين الواقع ذاته، بخشونته وقسوته، واختلاف هذا الواقع باختلاف عدد قراء النص يفتح تأويله إلى ما لا نهاية. بهذا أصبح لدينا جماليات جديدة للقصيدة العربية، أفرزت شعراء متميزين ودواوين لا يمكن التعامى عنها أو تجاوزها، كما أنها نقلت القصيدة والثقافة العربية عمومًا من الحالة الشفاهية إلى حالة الكتابة والتدوين. وحول دور الشعر في الارتقاء والنهوض بالأمم وزيادة الوعي والانتماء، قال درويش: إن أي شعر لا يرتقي بالأمم ولا يساعد على زيادة الوعي والانتماء لا يعول عليه، وأظنه يفعل ذلك عن جدارة خلافًا لما يشاع بأن الشعر خلق للترفيه والرفاهية. فالقصيدة تتسلل لقارئها بهدوء وتجعله يتبنى جمالياتها دون زعيق ولا افتعال، فإذا هتف المتلقي في نهاية النص: الله.. فهذا معناه أنه تبنى منطلقاته المضمونية والجمالية. كما أن القصيدة الجديدة موغلة في الذاتية، تحفر داخل الشاعر نفسه وترينا خفاياه، دون تضخيم ولا تصغير، وهذا له أثره الأكيد في أن نفعل مثله لنعرف ذواتنا أكثر، تلك المعرفة التي تقودنا إلى أن نصلح خلل أنفسنا. وتابع درويش: مع ذلك، فإن أغنيات أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وغيرهم- وهي قصائد شعر في الأساس- ساهمت بشكل كبير في تكوين ذائقة جيل، بل أجيال، فعلمتهم كيف يحبون ويشاركون الآخرين مشاعرهم وهمومهم، وكيف يسعون نحو الآخر، ويشتبكون مع الحياة، ويحبون الوطن، ولك في أغنية "يا حبيبتي يا مصر" للفنانة شادية مثلًا، فقد كانت تلهب المشاعر أثناء الثورة وحتى الآن، حيث توحدت الأغنية/ القصيدة، بالمشاعر الوطنية وترجمتها، كما فعل ذلك بالضبط قصيدة أبو القاسم الشابي في تونس، إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. إلخ.