تشهد الأزمة الليبية تطورات متسارعة ومتلاحقة خلال الفترة الحالية قد تؤدى إلى حلول سياسية لتهدئة الأوضاع، ما يثير غضب جماعة الإخوان، ويدفعها للتحرك بقوة نحو المراوغة من أجل إطالة أمد النزاع، حتى تبقى في السلطة أطول فترة ممكنة. الجماعة الإرهابية دفعت الميليشيات الموالية لها، ولحكومة الوفاق التى يرأسها فايز السراج، إلى إعلان رفض نتائج المفاوضات الجارية تحت رعاية الأممالمتحدة، وعدم الاعتراف بها، حتى يكون ذلك سببًا في عرقلة أى محاولات للحل، خاصة أن الميليشيات حددت مطلبها وهو إقرار المسار الدستورى أولًا، وهو الطلب ذاته الذى تصر عليه جماعة الإخوان، لأنه الوحيد الذى يضمن استمرار الفترة الانتقالية مدة أطول. مراوغات خبيثة ويصف الدكتور فتحى العفيفي، أستاذ الفكر الاستراتيجى بجامعة الزقازيق، التحركات الإخوانية لتأجيج الصراع الليبي، وإفشال محاولات التوصل إلى حل سياسي، بأنها مراوغات خبيثة، تهدف إلى إجبار العالم على الرضوخ لأجندة الجماعة الرامية إلى البقاء في السلطة على حساب الليبيين. وأوضح أن ميليشيا ما يسمى بغرفة عمليات سرت والجفرة، أعلنت بوضوح في بيان مصور، سعيها لعرقلة عمل حكومتى البلاد لإجبارهما على الأخذ بالمسار المحبب للجماعة الإرهابية، وهو إنهاء الاستحقاق الدستورى أولًا، حتى يمكنها إحداث المزيد من اللغط والبلبلة والتشويش السياسي، الذى يفضى في النهاية إلى إطالة أمد النزاع إلى ما لا نهاية. وقال: «الهدف ذاته سعى الصادق الغرياني، مفتى الجماعات المتطرفة المعروف، إلى تأكيده، عبر مطالبته بإشراك ألف من عناصر ميليشيات السراج في الحوارات السياسية التى تشهدها الساحة حاليا، ما يشير إلى رغبته ليس فقط في إيجاد مكان للميليشيات ضمن مفردات حل الأزمة ليضمن عدم تفكيكها، وإنما أيضا حتى يكون من الصعب على هذا العدد الضخم الاتفاق على كلمة سواء». ولفت العفيفى إلى أن الغريانى الذى دأب على إطلاق الفتاوى التحريضية والمضللة، اقترح عقد ملتقى موسع في المدن الكبرى، لاختيار المسار الأمثل للمرحلة المقبلة، وهى محاولة أخرى لإضاعة الوقت، عبر خطوات تمهيدية تسبق حتى تفعيل المسار الدستورى الذى ينادى به الفريق الموالى للجماعة. وأضاف العفيفي: «الغريانى طالب باختيار ما أطلق عليه جمعية عمومية من مؤتمره المزعوم، لتنتخب لجنة عليا تمثل ليبيا في كل الحوارات السياسية والعسكرية، وهو لم يوضح كم من الوقت يمكن أن تستغرق التفاهمات حول هذه المهاترات، ولم يتحدث عما يمكن أن يضمن عدم وقوع خلافات على هذا الصعيد، الأمر الذى يشير إلى وجود تناقض كبير يتمثل في أنه يطالب بإشراك العناصر الميليشياوية في المشاورات السياسية في الوقت الذى لا تعترف فيه الجماعة ولا هذه العناصر الميليشياوية بنتائج المشاورات، ما يعنى أن تبقى ليبيا في دائرة مغلقة لا تنتهى أبدًا». محاولات إفشال جماعة الإخوان لم تتوقف عند حد إعلان الرفض الواضح لمشاورات الحل، وإنما اتخذت خطوات عملية لإجهاض فرص الحل، هذا ما أكده طه على، الخبير في شئون الجماعات المتطرفة، مشيرا إلى أن العاصمة طرابلس تعيش حالة من الفوضى الأمنية بسبب ذلك، بعدما زادت خلال الفترة الأخيرة عمليات الخطف والسرقة والسطو المسلح على منازل المواطنين من قبل الميليشيات والمرتزقة حتى يمكن إشعال الأوضاع وإنهاء حالة الهدوء الموصلة إلى طاولة المفاوضات. ولفت إلى أن المعارك الدامية التى وقعت في قلب طرابلس الأسبوع الماضي، بين ميليشيا الضمان وميليشيا أسود تاجوراء، التابعتين لحكومة السراج، كانت مدفوعة من قيادات الإخوان حتى يتم إشعال الأوضاع. الموقف الدولي في الوقت ذاته أبدى الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تأييده للرأى السابق، مطالبا بموقف دولى أكثر حسمًا تجاه محاولات الإخوان الخبيثة لإشعال الصراع، والقضاء على جهود التسوية. وأوضح بدر الدين أن حديث وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، عن تفاؤله باقتراب حلحلة الأزمة الليبية، بعد تحسن الوضع على الأرض، يأتى لتسويق جهود بلاده الدبلوماسية في هذا الشأن، لكن الأمر يفتقر إلى الجدية اللازمة من جانب واشنطن لإنهاء الصراع. بومبيو أكد خلال مؤتمر صحفى مشترك مع نظيره الإيطالى لويجى دى مايو، في العاصمة الإيطالية روما، أن من مصلحة المنطقة بأسرها والشعب الليبى وقف إطلاق النار واستئناف إنتاج النفط، لتقسيم الأرباح بالطريقة الصحيحة، وهو ما يراه بدر الدين أمرا يصعب تحقيقه في ظل غياب الردع للإخوان وأتباعها داخل ليبيا. بدوره أكد وزير الخارجية الإيطالى لويجى دى مايو، عقب لقائه مع بومبيو، أن الجهود المشتركة مع الحلفاء، خلال الأسابيع الأخيرة، أصبحت تؤتى ثمارها، حيث تم إحراز خطوات إلى الأمام، على رأسها «الحوار الليبى - الليبي» وبين الدول التى لها تأثير على ليبيا، وهو ما علق عليه بدر الدين بالقول إن جميع الدول المهتمة بإنهاء النزاع الليبى يجب أن تدرك خطورة جماعة الإخوان، وأن اعتبارها رقما ضمن معادلة الحل سيجلب المزيد من الدمار لليبيا، ولن يسمح لها باستعادة الاستقرار والأمن. وزير الدفاع الأمريكى مارك إيسبر، أعلن في وقت سابق أن الولاياتالمتحدة تتقاسم مع تونس رؤيتها بشأن ليبيا، مؤكدا استعداد بلاده للمساهمة في إيجاد حل سلمى من شأنه أن يضع حدًا لأزمة ليبيا، ويساهم في تحقيق الاستقرار بالمنطقة. التحركات المصرية أما على الصعيد المصري، فمازالت القاهرة تحاول إيجاد المناخ المواتى لإنهاء الصراع الليبي، سواء عن طريق مباحثات الغردقة التى يشارك فيها عدد من أطراف النزاع الليبي، وتحظى بتأييد الأممالمتحدة، أو من خلال الاتصالات التى تجريها القيادة السياسية، للحفاظ على الزخم السياسى والدفع قدما نحو الحل. الرئيس عبدالفتاح السيسي، تلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، تبادلا خلاله وجهات النظر حول تطورات عدد من الملفات الدولية والإقليمية وفى مقدمتها الوضع في ليبيا. وذكرت مصادر أن الرئيس السيسي، أكد خلال الاتصال على موقف مصر الاستراتيجى الثابت تجاه الأزمة الليبية، والهادف إلى استعادة الاستقرار والأمن ودعوة كافة الأطراف الليبية إلى التفاعل الإيجابى البناء في المسارات المختلفة المنبثقة من قمة برلين وإعلان القاهرة، وصولًا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتدشين مرحلة جديدة من السلام والاستقرار واستعادة أركان الدولة الوطنية الليبية، وإنهاء فوضى انتشار الجماعات الإرهابية. وخلال الاتصال أعرب رئيس الوزراء البريطانى عن دعمه للجهود المصرية الملموسة لتسوية الأزمة، كما توافق الجانبان بشأن استمرار التشاور والتنسيق المشترك في هذا الصدد. وهكذا تستمر محاولات جماعة الإخوان من أجل إشعال الاضطرابات العسكرية والأمنية في ليبيا، حتى تضمن بقاء الفترة الانتقالية لأطول مدى ممكن، في ظل قناعة قادة الجماعة بأن هذه هى فرصتهم الأخيرة للبقاء على السطح، لا سيما في ظل تنامى الرفض الشعبى لها من جميع الفئات داخل ليبيا. ويرى المتابعون أن المجتمع الدولى بحاجة إلى اتخاذ خطوات أكثر حسما وسرعة، في مواجهة أطماع الجماعة، وكذلك ردع القوى التى تدعمها وعلى رأسهما قطر وتركيا في الشرق الأوسط، وبعض القوى الدولية الأخرى التى ترى في هذه الجماعة الإرهابية المارقة، وسيلة لتحقيق أطماع جديدة في منطقة الشرق الأوسط، حيث الثروات المالية والنفطية.