يشهد نادي الإسكندرية للكتاب حلقة النقاش الخامسة والخمسين، الأحد 26/2/2014، والتي يجري خلالها مناقشة رواية "نسف الأدمغة" للكاتب الكبير خيري شلبي. وتعبِّر الرواية المختارة بدقة شديدة، عن شخصيات مصرية حقيقية، لتمر بالأشخاص الذين تبدأ حياتهم بالحشيش والأفيون وجلسات المزاج وتنتهي ب"قال الله" و"قال الرسول"، والذي يخفي "خيري شلبي" وراءها افتراضا خفيّا بأن استخدام مظاهر الدين كستار للتصرفات أو الأعمال المشروعة أحيانًا ما يكون أرحم من الازدواجية التي يعيشها كثيرون بين حياة الغياب عن الوعي والهروب من الواقع بالمواد المخدرة والخشوع الزائف المضحك الشبيه بمزحة اللص الذي يدعو الله بأن يوفقه على باب كل بيت يسرقه. المخدرات هنا عامل أساسي، وذلك ليس بالغريب أبدًا على عوالم "خيري شلبي" الغنية بالشخصيات صارخة الألوان عميقة الخبرة، يجمعهم أنهم جميعًا من القاع، قاع المجتمع أو في الحضيض النفسي لتركيب شخصياتهم غير السوي.. وأيضًا كعادة روايات "شلبي"، لا يوجد سوى الرمادي، لا خير مُطلَقا أو شر مستطيرا، الشيء الذي يبدو جليًّا في شخصية بطل الرواية "أدهم فتحي".. الكاتب المعروف الذي تتعطَّل سيارته جوار المقابر صدفة لتفتح له أبواب عالم آخر ننغمس معه فيه مستكشفين حتى النخاع، بتلميح مباشر لتجربة "شلبي" الشخصية، حيث سكن كاتبنا الكبير حي "قايتباي" المتاخم للمقابر مدة تصل إلى خمسة وعشرين عامًا بعد صدفة تعطُّل سيارته! يسعى أدهم للخلوة والتأمل ومزاج الحشيش ليجد المقابر الملاصقة لشارع "صلاح سالم" جنة الله على أرضه بالنسبة إليه، لم يجدها خربة معفَّرة مليئة بالمتسولين وقُطَّاع الطرق، لأنه دخلها من باب آخر تمامًا عن طريق المعلِّم عيد أبو القاسم وشلِّة الأنس التي يتعرف عليها ويقدِّمها إلينا تدريجيًّا عبر الأحداث، كل إنسان بظروفه وخلفيته وإحباطاته وكل ما نحتاج معرفته عنه.. وهنا تأتي أبرز نقاط قوة أديب مثل "خيري شلبي"، الشخصيات التي يرسمها ببراعة شديدة وتفاصيل صغيرة ساحرة ترسِّخ جذور الشخصية في عالم الواقع أقرب منه للخيال. نقترب أكثر من المعلِّم "عيد أبو القاسم"، الحاج "حسين الوراق"، "أبو ميمي"، الأسطى "حسين قشطة"، "صابر حمؤه"، "أسعد الدُّهُلْ" في أثناء جلسات الحشيش التي تجمع بينهم.. تحمل أسرار نميمتهم على بعضهم البعض، وأحيانًا على أسرار كبار في البلد يدّعون أنهم زبائن لما تخفيه تلك القرافة من تجارة للمخدرات ورشاوى وجرائم يعلم الله وحده عددها. يعرف البطل بمحاولات وزارة التخطيط المصرية التي يتخللها الفساد بعمق لهدم جزء كبير من المقابر لتوسيع أحد أهم طرق القاهرة الرئيسية السريعة: الأوتوستراد.. ومحاولات سكان المقابر وتجارها لإيقاف هذا الهدم أو على الأقل إبعاده عن طريقهم.. يسرد لنا الرواي البطل تلك الأحداث بتفاصيل دقيقة وتسجيل فريد لوقائع كانت لتموت -كعادة روايات "خيري شلبي"- لولا رصده الدقيق المرهف لها. يجمع بين كل هؤلاء وبطل القصة عامل آخر غير الحشيش أكثر أهمية هو، أو هي بالأدق: "هند سليمان".. المرأة قوية الشخصية شديدة الجمال والجاذبية التي تسكن المقابر لسبب مجهول يتحرَّق جميع من يعرفها شوقًا لمعرفته، يذوب كل الرجال فيها ويتمنون إشارة رضا منها، محور الأحداث منذ ظهورها وحتى النهاية هو "هند"، التي رسمها "شلبي" ببراعة لنلحظ فيها تيمة محببة في أدبه هو الشخصيات الأكبر من الحياة ذاتها والتي تحمل حكمة وقوة يعجز الأغلبية عن استيعابها، سواء كانت في صورة صبي غرزة لا يبدو عليه الهيبة لأول وهلة مثل "صالح هيصة" في الرائعة التي تحمل اسمه، أو الحاجة "فاطمة تعلبة" في رواية "الوتد" -أدّت دورها الراحلة "هدى سلطان" في مسلسل بنفس الاسم- أو "الشيخة صباح" في ثلاثية الأمالي "أولنا ولد"، "ثانينا الكومي"، "ثالثنا الورق"، أو الشخصية النسائية الوحيدة بروايتنا تلك: "هند سليمان" الجميلة الغامضة التي لا يستطع أحد في المقابر أن يسبر لها غورًا سوى في نهاية الرواية التي أراد لها مؤلفها أن تفاجئ القارئ على مستوى الشخصيات والأحداث. ينتقد "خيري شلبي" بشدة على ألسنة أبطال "نسف الأدمغة" كل وأي شيء، من السياسة للاقتصاد إلى نفسيات البشر الذين لم يعودوا بشرًا، فمنهم من يتسلى بنسف دماغه بالحشيش أو الأفيون، ومن يتاجر باللفظ حرفيًّا بسحق جماجم الموتى وبيعها للمدمنين الذين لا يدركون الفارق وسط عماهم، بخطوط رفيعة رمادية باهتة بين الأحياء والأموات تجعل القارئ يتساءل بعد إنهاء الرواية بجدية: على أي جانب من الدنيا يقف هؤلاء؟ خيرى شلبي من مواليد قرية شباس عمير، مركز قلين، محافظة كفر الشيخ. رحل في صباح يوم الجمعة 9-9 -2011، عن عمر يناهز ال73 عاما. خيري شلبي كاتب وروائي مصري له سبعون كتابا من أبرز أعماله مسلسل الوتد عن قصة بنفس الاسم قامت ببطولتها الفنانة المصرية الراحلة هدى سلطان في الدور الرئيسي "فاطمة تعلبة". رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة، وتعد روايته "رحلات الطرشجي الحلوجي" عملا فريدا في بابها. كان من أوائل من كتبوا ما يسمى الآن بالواقعية السحرية، ففى أدبه الروائي تتشخص المادة وتتحول إلى كائنات حية تعيش وتخضع لتغيرات وتؤثر وتتأثر، وتتحدث الأطيار والأشجار والحيوانات والحشرات وكل ما يدب على الأرض، حيث يصل الواقع إلى مستوى الأسطورة، وتنزل الأسطورة إلى مستوى الواقع، ولكن القارئ يصدق ما يقرأ ويتفاعل معه. على سبيل المثال روايته السنيورة وروايته بغلة العرش، حيث يصل الواقع إلى تخوم الأسطورة، وتصل الأسطورة في الثانية إلى التحقق الواقعي الصرف، أما روايته الشطار فإنها غير مسبوقة وغير ملحوقة لسبب بسيط، وهو أن الرواية من أولها إلى آخرها خمسمائة صفحة يرويها كلب، كلب يتعرف القارئ على شخصيته ويعايشه ويتابع رحلته الدرامية بشغف. حاصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1980- 1981. حاصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1980 – 1981. حاصل على جائزة أفضل رواية عربية عن رواية "وكالة عطية" 1993. حاصل على الجائزة الأولى لاتحاد الكتاب للنفوق عام 2002. حاصل على جائزة ميدالية نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة عن رواية "وكالة عطية" 2003. حاصل على جائزة أفضل كتاب عربى من معرض القاهرة للكتاب عن رواية "صهاريج اللؤلؤ" 2002. حاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب 2005. رشحته مؤسسة "إمباسادورز" الكندية للحصول على جائزة نوبل للآداب. يرأس حاليا تحرير مجلة الشعر (وزارة الإعلام). رئيس تحرير سلسلة : مكتبة الدراسات الشعبية (وزارة الثقافة). من أشهر رواياته: السنيورة، الأوباش، الشطار، الوتد، العراوي، فرعان من الصبار، موال البيات والنوم، ثلاثية الأمالي (أولنا ولد- وثانينا الكومي- وثالثنا الورق)، بغلة العرش، لحس العتب، منامات عم أحمد السماك، موت عباءة، بطن البقرة، صهاريج اللؤلؤ، نعناع الجناين، إضافة إلى صالح هيصة: قصة شخصية مثيرة للجدل من عموم الشعب المصري لها آراؤها الخاصة في الحياة ونسف الأدمغة: عصابة تتاجر ببعض البقايا البشرية لكي تنتج أنواعا أشد فتكاً من المخدرات.