شاركت وزارة الأوقاف، اليوم الاثنين، بمؤتمر قيم الاعتدال والوسطية الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، حيث أكد الوزير الدكتور محمد مختار جمعة، أننا في حاجة ملحة إلى قراءة تراثنا الفكري قراءة واعية فاحصة في ضوء الحفاظ على الثوابت، ولابد للدين من دولة تحمله وتحميه والجماعات المتطرفة خطر على الدين والدولة، والوسطية تعني البعد عن الإفراط والتفريط، والفهم الصحيح الثاقب لمقاصد الشرع الشريف. وقال جمعة: ألخص حديثي في ثلاث نقاط: الأولى تتعلق بمفهوم الوسطية وبيان أنها فاصل دقيق بين الإفراط والتفريط، فباسم الأحوط ذهب كثيرون في اتجاه التشدد، وباسم التيسير ذهب آخرون في اتجاه التسيب، يقول الإمام الأوزاعي (رحمه الله): ما من أمرٍ أمرَ الله (عز وجل) به إلاّ عارض الشَّيطان فيه بخصلتين، لا يبالي أيّهما أصاب: الغلوّ، أو التَّقصير. الأمر الثاني: يتعلق بفقه الدولة وفقه الجماعة، ففقه بناء الدول يتسم بالسعة والمرونة، وفقه الجماعات في الغالب الأعم فقه نفعي مغلق، مصلحة التنظيم فيه فوق الدولة، ومصلحة الجماعة فوق مصلحة الأمة. وتابع، لقد حاولت الجماعات المتطرفة إحداث حالة من الانفصام والشقاق بين الشعوب وحكامها، فأخذت تسوق أنفسها على أنها حامية حمى الدين، وبما أنها في عداء دائم أو شبه دائم مع الأنظمة الحاكمة، فإنها تصور الأنظمة على أنها ضد الدين، فمن كان مع النظام أو الدولة حتى لو كان النظام في عدل عمر (رضي الله عنه) فهو ضدها، وضد الدين، وهذه دعوات مشبوهة تفكك الدول من داخلها، وتحقق أهداف أعدائها المتربصين، بها فهذه الجماعات المتطرفة ترى أن كل ما يقوي الدولة يضعف الجماعة، وكل ما يضعف الدولة يقوي الجماعة، فهي لا تقوم ولا تتغذى إلا على أنقاض الدول. وأوضح، الإسلام قد أوجب للحاكم العادل حق الطاعة بل الإعانة والتقدير، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): " إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ، وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ "، ودعوة الإمام العادل لا ترد، وهو في مقدمة السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إِلا ظله، وبهذا تبنى الدول لا تهدم، مما يتطلب منا جهدا وشجاعة لتصحيح المفاهيم الخاطئة. ولفت إلى أن الأمر الثالث: هو حاجتنا الملحة لاستخدام المنهج النقدي العقلي في إعادة قراءة المتغير من تراثنا مع حفاظنا على ثوابتنا الشرعية فإنزال الثابت منزلة المتغير هدم للثوابت، وإنزال المتغير منزلة الثابت عين الجمود والتحجر. واستطرد الوزير، اسمحوا لي أن أعرض هذا الأنموذج من أحد كتب عيون التراث تفسير القرطبي - مع تقديرنا الكبير للكتاب وصاحبه -، في تفسير آية الدعاء في الجزء الثاني من الكتاب صفحة 312 طبعة دار عالم الكتب، — لنوضح أن كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم — نقرأ هذا النص من الموضع المذكور: "قال علي (رضي الله عنه) لنوف البكالي: يا نوف، إن الله أوحى إلى داود أن مر بني إسرائيل ألا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأيد نقية، فإني لا أستجيب لأحد منهم، ما دام لأحد من خلقي مظلمة. يا نوف، لا تكونن شاعرا ولا عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا عشارا، فإن داود قام في ساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها، إلا أن يكون عريفا أو شرطيا أو جابيا أو عشارا، أو صاحب عرطبة، وهي الطنبور، أو صاحب كوبة، وهي الطبل". وشدد في نهاية كلمته، أننا بالبحث وجدنا أن في سنده كلا من: سهل بن شعيب (مجهول الحال)، وأبو علي بن الصقيل (مجهول الحال)، وعبد الأعلى بن عامر الكوفي (وهو ضعيف الحديث)، مما يؤكد أننا في حاجة ماسة إلى إعادة قراءة تراثنا الفكري قراءة جديدة بروح عصرية ناقدة ثاقبة وواعية، لتنفي عن ديننا انتحال المبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين، وهي مهمة ليست يسيرة، بل إنها تحتاج إلى التشمير عن ساعدة الجد.