مصر تمتلك تصورًا متميزًا فى المواجهة الأمنية والعسكرية من واقع الصراع مع «الجماعة الإسلامية والجهاد» لا أحد يختلف على عمق الاستراتيجيات العربية فى مواجهة ظاهرتى الإرهاب والتطرف، وبخاصة تلك التنظيمات ذات البعد الدولى أو العالمى التى أطلت على مجتمعاتنا فى الشرق والغرب، التنظيمات ذات الامتداد الخارجى هى الأخطر وغيرها من التنظيمات المحلية، غير أن تباين رؤى المواجهة العربية والعمل عليها خلق مساحة أكبر لحسم المعركة مع الإرهاب والتطرف معًا فى المنطقة. ثمار الكثير من هذه الاستراتيجيات بالقدم وخبرة أصحابها الذين طبقوا جزءًا منها فأثبت نجاعتها، هؤلاء وضعوا بصمات جديدة على تجاربهم تناسب تحور الإرهاب فى شكلة الجديد وقدموا تصورًا مدركًا لحجم وطبيعة هذه التنظيمات وخطرها، غير أن هذه التجارب تمر بعثرات بسبب فاعلية التطبيق من ناحية وتحديات أخرى تواجه أصحابها، فضلًا عن عدم وجود تعاون دولى أو عربى يمكن التعويل عليه فى هذه المواجهة، وهو ما يقلل من أهمية الرؤى المطروحة ويجعلها غير فاعلة حتى وإن كانت رؤى متميزة فى شكلها وجوهرها. الاستراتيجيات العربية خطى متسارعة فى مواجهة التطرف لا شك فى وجود رؤى عربية لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف ولكنها غير واضحة المعالم ولا يوجد إجماع عربى عليها، فكل عاصمة عربية تعمل وفق ما تعتقده فى مواجهة الإرهاب، بعض هذه العواصم يخطط لهذه المواجهة ووضعت لنفسها رؤية تتحدد ملامحها فى أن ترى بلادها خالية تمامًا من الإرهاب وأهدافًا لتحقيق هذه الرؤى. وهنا مشكلة عواصمنا العربية فى شكل المواجهة مع الإرهاب التى تبدو فردية ومرتبطة بالظرف السياسي، فهناك بعض العواصم تظن أن هذه المواجهة رفاهية تصنعها عندما تكون فى حل من التزامات هى ترى أنها أهم، وهنا يفقد التعاون أهميته وتُصبح كل عاصمة وكأنها تحرث فى البحر، ويزداد الإرهاب شراسة خاصة أنه يلعب على التناقضات العربية وبخاصة فى مواجهته. كل دولة من دول المنطقة تمتلك رؤية خاصة فى مواجهة الإرهاب يمكن دمجها فى رؤية واحدة تُراعى طبيعة الظاهرة فى كل دولة وترسم بعدًا جديدًا فى استراتيجية المواجهة مع كل هذه التنظيمات ذات الامتداد الدولي، فتكون هذه المواجهة أكثر حسمًا، فنقضى أولًا على الاجتهادات الفردية فى الطرح إزاء هذا التحدى الكبير، ونستفيد ثانيًا من خبرات وإمكانات الدول التى خاضت هذا الصراع فى وقت مبكر، وهو ما يُعطينا مساحة أكبر لتجميع هذه الرؤى والنقاش حولها. القاهرة وأبوظبى والرياض، من أهم العواصم التى تمتلك رؤى عميقة فى مواجهة الإرهاب، ولديها القدرة على تفكيك خطابه، غير أنها تبحث عن مساحات مشتركة مع كل دول المنطقة، ليس هذا فحسب وإنما تبحث عن ذات هذه المساحات مع المجتمع الدولى سواء من يملك رؤية للمواجهة وإرادة لهذه المواجهة أو من يواجه بطريقته، يواجه هنا ويدعم هناك وفق هواه السياسى وخطته ومصالحه. مصر تمتلك تصورًا متميزًا فى المواجهة الأمنية والعسكرية معًا، فضلًا عن خبرتها الواسعة فى التعامل معه فى سياقها الأمني، وهذه الرؤية اكتسبتها من واقع الخبرة التى خاضتها فى الصراع المفتوح مع تنظيمات التطرف «الجماعة الإسلامية والجهاد» وكثير من الميلشيات المسلحة منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضى وحتى نهاية التسعينيات وتحديدًا بداية قتل الرئيس محمد أنور السادات على يد تنظيمى الجماعة الإسلامية والجهاد، وتشكيل الأجنحة العسكرية لهذه التنظيمات. وعلى قدر امتلاك مصر لهذه الرؤية والخبرات التى اكتسبها الجهاز الأمنى لديها فى المواجهة التى استمرت رحاها أكثر من عقدين من الزمان، والتى استفادت منها حتمًا فى مواجهة الموجة الثانية للإرهاب بعد 30 يونيه عام 2013، إلا أن الدولة مازالت تقدم اجتهاداتها فى هذا الإطار دون استخدام صور المواجهة الحديثة الكفيلة بالقضاء على بذور التطرف، وتضمن الكفاية من وجود أجيال جديدة لهؤلاء المتطرفين أو تحور الظاهرة فى أشكال مختلفة. وهنا نؤكد على أن مصر لديها قدرة من واقع الإشارة إلى خبرتها السابقة على مواجهة الإرهاب بالشكل الأمنى والعسكري، غير أن هذه القدرة تخبو عن المواجهة الفكرية، وهو ما يستلزم دورًا فاعلًا لكل المؤسسات المعاونة من تعليم وثقافة ودورًا مماثلًا للمؤسسة الدينية. التطرف والإرهاب وفق الخطط العربية للمواجهة فرق كبير بين أن تقضى على الإرهابى وبين أن تقضى على الإرهاب الذى يُشكل نواة التطرف التكفيري؛ فقد يكون تفكيك الخلية التى ينتمى إليها هذا الإرهابى أسهل ما فى المعادلة، الصعوبة تكمن فى القضاء على الحالة التى يُخلفها هذا الإرهابى أو الأفكار التى جندته وليس الأشخاص، فصنعت منه نموذجًا للتطرف، وهذه مهمة قد لا تكون أجهزة الأمن غير معنية بها أو لا تُعطيها اهتمامًا كافيًا. دور أجهزة الأمن يتحدد فى شكله الأمنى والعسكرى وتبقى أدوار أخرى تقوم بها باقى مؤسسات الدولة حتى يتم القضاء على ظاهرة الإرهاب تمامًا، هذه المؤسسات تعمل بشكل أساسى على مواجهة الأفكار الداعمة للإرهاب أو المؤسسة لخطابه، لو قطع أى اتصال ما بين النّاس وهذه الأفكار لن يكون هناك إرهاب وتصبح التنظيمات المتطرفة عاجزة عن تجنيد أشخاص جدد، فمشكلة الإرهاب فى أفكاره. وبالتالى دراسة ظواهر الإرهاب ورسم الخرائط الذهنية للتطرف وبحث آليات التفكيك للأفكار المؤسسة للتطرف أهم وأولى من مجرد السعى لتفكيك الخلايا التى ينتمى إليها هؤلاء المتطرفون، فالفرق بين استهداف الإرهابى واستهداف مسبباته كالفرق بين معالجة المرض والعرض، مجرد التركيز على العرض لن يُفضى إلى شيء دون علاج المرض والاقتراب من مسبباته حتى يتم القضاء عليه تمامًا. كما تمتلك مصر خططًا ورؤى عامة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف تمتلك المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة هى الأخرى تصورًا كاملًا لمواجهة ظاهرتى الإرهاب والتطرف على اعتبار أهمية وقدرة العواصم الثلاث فى المواجهة، فضلًا عن خبراتها السابقة فى مواجهة التطرف الطائفى والمذهبي، وهو ما يحتاج تنسيقا وترتيبا لوضع رؤية عامة ومشتركة. ما يميز هذا التصور أنه يُشكل رؤية كاملة تجمع المواجهة الأمنية والعسكرية وكذلك الفكرية معًا، ولعل هاتين الدولتين قد بذلتا جهودًا مضنية فى الأخيرة ربما أتت ثمارها إزاء مواجهة الظاهرة فى المنطقة بأكملها، ويمكن أن نقول: إن رؤيتيهما مبنيتان وفق استراتيجيته معلومة الخطوات ومحسومة النتائج. فالمملكة العربية السعودية وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة قادا أكبر مواجهة فكرية للتطرف وفق بعده الثقافى والفنى والتعليمي، وعلى مستوى تجديد الخطاب الدينى وليس هذا فحسب، وإنما تجديد الفكر الدينى نفسه، كما أن نفس المسار كان على مستوى الإعلام القائم على التوعية والتنمية، فلا يمكن أن تخوض معركة محاربة الإرهاب دون أن تكون معك مشاعل التنوير أو تُساعد على إضاءتها، ولا يمكن لك أن تفعل ذلك إلا عبر مؤسسات إعلامية يكون ذلك على رأس أولوياتها ويكون لديها خطة فى هذا السياق. وهنا يمكن القول، إنه لا توجد دول واحدة قادرة على مواجهة الإرهاب بمفردها لسببين أولهما، أن هذه الظاهرة ليست محلية وبالتالى لابد أن تكون مواجهتها تأخذ البعد العربى والدولى وليس المحلى فقط، والسبب الثانى وهو أنه لا يمكن مواجهة الإرهاب بشكل فردي، فكل عاصمة عربية من المشار إليها تمتلك رؤية جديرة بالمناقشة والدعم بحيث يدار حوار جماعى يخرج من خلاله رؤية شاملة وعاملة، وهنا تكون هذه الرؤية أكثر تأثيرًا فى الإرهاب. استراتيجيات عربية موحدة لمواجهة ظاهرتى الإرهاب والتطرف الاستراتيجيات العربية فى مواجهة الإرهاب لابد أن تكون مبنية أولًا على فهم الظاهرة حتى يمكن تفكيكها، وألا تكون أسيرة المواجهة الأمنية والعسكرية فقط، فالقضاء على الظاهرة يتطلب جهودًا أخرى موازية، فإذا كانت المواجهة الأمنية والعسكرية مهمة فنسبتها من خطورة الظاهرة لا تتعدى 30 فى المائة، بينما المواجهة الفكرية تصل نسبتها 70 فى المائة من الظاهرة، وبالتالى لا يمكن اللعب على تصور واحد، كما لا يمكن التركيز على القضاء على ظاهرة الإرهاب بينما لا جهود مساوية للقضاء على الإرهاب ذاته. ولذلك لابد من العمل وفق استراتيجية واحدة لمواجهة ظاهرتى الإرهاب والتطرف فى المنطقة العربية بعد مناقشتها وإقرارها وفق لجان مختصة وتحديد الاختصاصات وتبادل الخبرات حتى تحديد بنود الاتفاق الخاصة بمواجهة هذه الظواهر حتى ولو كانت فى دول أخرى، عملًا بقاعدة أن الخطر واحد وضرره سوف يصل للجميع لا محالة. هذه الفكرة بمثابة قوة عربية مشتركة ولكن تتعدى مجرد التشكيل الأمنى ولن تقتصر على تشكيل الفرق العسكرية، وإنما تكون بمثابة فرق عمل فى الجزء الأهم من المواجهة المفقودة فى إطارها الفكرى بشموليته، وأن تكون هناك توصيات ورقابة على تنفيذها، وأن تكون هناك مراكز بحثية دورها الحقيقى فى قراءة خطر هذه التنظيمات وبؤر التوتر المتجددة التى تظهر فيها، فضلًا عن مراكز الدراسات العاملة فى قراءة هذه التنظيمات قراءة واقعية ورسم خطط لتفكيكها، ووضع خطط أخرى لمواجهتها على مستوى التعليم والإعلام والثقافة والفن. ولذلك لابد أن من تشكيل لجنة عربية مشكلة من وزراء الخارجية العرب ووزراء الداخلية التعليم والثقافة، وأن تكون هذه اللجنة فى حال انعقاد دائم من أجل من تقديم مقترحات مشتركة قابلة للتنفيذ بهدف القضاء على الإرهاب فى المنطقة، هذه اللجنة لا تقدم خدمتها فى المساعدة بالقضاء على الإرهاب فى المنطقة العربية فقط، وإنما لابد أن يكون لها دور بارز وإسهام متميز فى القضاء على الظاهرة دوليًا، كما لابد أن تكون هذه اللجنة على تواصل مستمر مع المؤسسة الدينية فى مصر وأن يمثل شيخ الأزهر ضمن تشكيلها حتى تكون فاعلة ومؤثرة. اللجنة العربية المشكلة للقضاء على الإرهاب لابد أن يقدم لها دعمًا بهدف استثمار دورها، وأن تكون طبيعة تشكيلها بعيدة عن أى تأثير خارجى مرتبط بالظروف السياسية، وألا يتم الخلط بين أهدافها وبين أهداف سياسية أخرى للدول الأعضاء أو الممثلين وأهداف سياسية خاصة لهذه الدول أو هؤلاء الأعضاء حتى لا يؤثر ذلك بشكل كبير على عملهم. فرق كبير بين القضاء على الإرهابى والقضاء على الإرهاب الذى يُشكل نواة المتطرف التكفيري؛ فقد يكون تفكيك الخلية التى ينتمى إليها هذا الإرهابى أسهل ما فى المعادلة، الصعوبة تكمن فى القضاء على الحالة التى يُخلفها هذا الإرهابى أو الأفكار التى جندته وليس الأشخاص، فصنعت منه نموذجًا للتطرف، وهذه مهمة قد لا تكون أجهزة الأمن غير معنية بها أو لا تُعطيها اهتمامًا كافيًا دراسة ظواهر الإرهاب ورسم الخرائط الذهنية للتطرف وبحث آليات التفكيك للأفكار المؤسسة للتطرف أهم وأولى من مجرد السعى لتفكيك الخلايا التى ينتمى إليها هؤلاء المتطرفون، فالفرق بين استهداف الإرهابى واستهداف مسبباته كالفرق بين معالجة المرض والعرض، مجرد التركيز على العرض لن يُفضى إلى شيء دون علاج المرض والاقتراب من مسبباته حتى يتم القضاء عليه تمامًا العمل العربى المنفرد سمة استراتيجية المواجهة تمتلك مصر خططًا ورؤى عامة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف كما تمتلك المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة هى الأخرى تصورًا كاملًا للمواجهة على اعتبار أهمية وقدرة العواصم الثلاث، فضلًا عن خبراتها السابقة فى مواجهة التطرف الطائفى والمذهبي، وهو ما يحتاج تنسيقا وترتيبا لوضع رؤية عامة ومشتركة الاستراتيجيات العربية لمواجهة ظاهرتى الإرهاب والتطرف لابد أن تكون لها دلالات واضحة وحاسمة فى ذات الوقت حتى يمكن الحكم على نتائجها، وخلاصة القول فى هذه الاستراتيجيات أنه لا يوجد تصور عام لهذه الاستراتيجية وأن أغلب الدول العربية مازال يعمل بشكل منفرد وأن التحدى الأهم والأخطر فى هذا الأمر هو العمل بشكل متناغم وجماعى حتى تكون هناك نتائج مرضية فى القضاء على الإرهاب. من المعوقات التى تقف أمام حسم معركة الإرهاب وقوف المصالح السياسية عقبة أمام وضع رؤية شاملة للمواجهة، فكل دولة تعمل وفق تصورها أولًا ومصالحها السياسية فى المنطقة ثانيًا، ما يؤدى فى النهاية لتعقيد مشهد المواجهة أو على الأقل لا يأخذ خطوات وثابة فى اتجاه المواجهة الشاملة، وهنا لابد للدول التى تضع على كاهلها فكرة المواجهة أن تحرر من فكرة القيود السياسية وأن تتعامل بمنطق المصلحة العامة والخطر الذى يتهدد العالم لمواجهة ظاهرتى الإرهابى والتطرف. لابد من تطوير آلية المواجهة العامة والشاملة للإرهاب بحيث تكون جزءا من عمل جامعة الدول العربية، وشحذ الهمم والقدرات العربية فى هذا الاتجاه وعدم التهاون مع الدول التى تدعم الإرهاب بأى صورة ما، مع قطع خطوط الإمداد الفكرية والمادية للإرهاب وتطوير آليات التنسيق المعلوماتى والعسكرى من أجل مواجهة حاسمة ومؤثرة. الانتباه لأهمية النتائج ومراجعة الخطط العربية المشتركة بشكل مستمر حتى نطمئن للنتائج بحيث لا نكتشف أننا لم نحقق شيئا أو ما حققناه لم يكن على قدر الطموح ونفاجأ بنجاح هذه التنظيمات فى إقامة دولة والسيطرة على بقعة ليست هينة من الأرض الجغرافية. النتائج الحاسمة لن تكون إلا إذا كانت هناك دلالات واضحة للمواجهة وفق ما أشرنا إليه من حوار عميق يجمع كل الأطراف العربية ويكون على مستوى المعنيين وأصحاب الحيثية، ما دون ذلك سوف يكون كالحرث فى البحر دون فائدة ويظل الإرهاب والتطرف مثل الكائن الحى يتغذى ويكبر ويتوحش دون مواجهة حقيقية أو واقعية.