حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    عيار 21 بكام بعد الارتفاع الجديد؟.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 5 مايو 2024 بالصاغة    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    أسعار السمك اليوم الأحد 5-5-2024 بعد مبادرة «خليها تعفن»    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الأحد 5 مايو 2024 بعد الارتفاع    هل ينخفض الدولار إلى 40 جنيها الفترة المقبلة؟    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تتجاوز 76 مليون دولار في أبريل    عاجل.. رعب في العالم.. فيضانات وحرارة شديدة ومئات القتلى بسبب تغير المناخ    تظاهر آلاف الإسرائيليين بتل أبيب للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة    علي معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    أحمد مصطفى: نُهدي لقب بطولة إفريقيا لجماهير الزمالك    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    الأرصاد: انخفاض مفاجئ في درجات الحرارة.. وشبورة مائية كثيفة صباحًا    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    كريم فهمي: لم نتدخل أنا وزوجتي في طلاق أحمد فهمي وهنا الزاهد    تامر عاشور يغني "قلبك يا حول الله" لبهاء سلطان وتفاعل كبير من الجمهور الكويتي (صور)    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    عمرو أديب ل التجار: يا تبيع النهاردة وتنزل السعر يا تقعد وتستنى لما ينزل لوحده    مصطفى بكري: جريمة إبراهيم العرجاني هي دفاعه عن أمن بلاده    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    حسب نتائج الدور الأول.. حتحوت يكشف سيناريوهات التأهل للبطولات الأفريقية    مختار مختار ينصح كولر بهذا الأمر قبل نهائي إفريقيا أمام الترجي    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة مار جرجس في طنطا    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    إصابة 8 مواطنين في حريق منزل بسوهاج    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    كاتب صحفي: نتوقع هجرة إجبارية للفلسطينيين بعد انتهاء حرب غزة    احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيجان الأمريكية    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    اليوم.. قطع المياه عن 5 مناطق في أسوان    مكياج هادئ.. زوجة ميسي تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية أنيقة    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    عاجل.. مفاجأة كبرى عن هروب نجم الأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    رئيس جامعة دمنهور يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الهزل حكم وعبر
نشر في البوابة يوم 25 - 01 - 2019

إذا كان أفلاطون قد وضع الحب والحكمة فى ذروة سلم الفضائل والمكارم، وراق لأرسطو تعظيم فضيلة الصدق والصداقة والوسطية على دونها من القيم المحمودة فى ميدان الأخلاق، فإن ابن المقفع قد أكد على أن النبل والشرف والحب والعدالة ينبغى أن تكون فى صدارة خصال كل حاكم فى رعيته وسلوك كل راعٍ فى معيته، فالحياء والعفة والوفاء والصداقة هى من العمد المؤثرة والأسس الرئيسية التى لا تستقيم بدونها الأنفس الخيرة، والعقول المتسامحة والأعمال الناجحة.
وقد صاغ ابن المقفع هذه القيم فى صور حكم وأمثال وأقوال مأثورة تجرى على ألسنة أبطال حكاياته، فها هى أقواله نسوقها إليك منتزعة من سياقاتها القصصية. وهى تعبر بلا أدنى شك على وجهته الفلسفية وقدرته الفائقة على ستر مضامينها عن عيون الوشاة والحساد أولئك الذين كانوا يضمرون له العداء ويحسدونه على دربته ودراياته وذكائه وعبقريته.
ويقول: «إذا دخل قلب الصديق من صديقه ريبة فليأخذ بالحزم فى التحفظ منه، وليتفقد ذلك فى ملاحظاته وحالاته، فإن كان ما يظن حقًا ظفر بالسلامة، وإن كان باطلًا ظفر بالحزم، ولم يضره ذلك، فالذى يفسده الحلم لا يصلحه إلا العلم، وأن الكريم لا يكون إلا شكورًا غير حقود، تنسية الخلة الواحدة من الإحسان الخلال الكثيرة، من الإساءة، وأن أعجل العقوبات عقوبة الغدر، وإذا سئل الغادر عن العفو، فلم يرحم، ولم يعف، فقد غدر. وإن من اتخذ صديقًا، وقطع إخاءه، وأضاع صداقته، حرم ثمرة إخائه، ويأس من نفع الإخوان والخلان».
ويبين ابن المقفع أن رذيلة الخيانة إذا لحقت بمواطن الأصدقاء وعلقت بمخادع المحبين وتسللت إلى مجالس الخلان والأوفياء لم تبق على ود أو رحمة أو صفاء بينهم، لذا وضعها فى درك سلم الرذائل، ولم يصف بها سوى الأراذل والأسافل من الناس.
ويقول: «إن الخيانة أشر ما عمله الإنسان، والمكر والخديعة لا يؤديان إلى خير قط، وصاحبهما مغرور أبدًا وحقود دومًا، وما عاد وبال البغى إلا على صاحبه»
والجدير بالذكر أن ابن المقفع لم يؤسس أقواله المأثورة فى الأخلاق على المتواتر الموروث أو العواطف المفطورة، - كما هو الحال عند معظم الوعاظ وكتاب الحكم والمؤدبه ومصنفى كتب الأخلاق - بل أسسها على العقل الذى استند بدوره إلى السلوك والتجربة والخبرة والممارسة، وها هو يصرح بذلك: «إن العقل هو سبب كل خير ومفتاح كل سعادة، فليس لأحد غنى عن العقل، والعقل مكتسب بالتجارب والأدب، وله غريزة مكنونة فى الإنسان كامنة كالنار فى الحجر لا تظهر ولا يرى ضوءها حتى يقدحها قادح من الناس، فإذا قدحت ظهرت طبيعتها، وكذلك العقل كامن فى الإنسان لا يظهر حتى يظهره الأدب وتقوية التجارب، ومن رزق العقل ومن به عليه وأعين على صدق قريحته حرص بالأدب على طلب سعد جده، وأدرك فى الدنيا أمله، وحاز فى الآخرة ثواب الصالحين» - وقد تأثر معظم شيوخ فرقة المعتزلة بقوله فى العقل - وأن عقل الرجل ليبين فى ثمانى خصال: الأولى الرفق. والثانية أن يعرف الرجل نفسه فيحفظها. والثالثة طاعة الملوك. والتحرى لما يرضيهم. والرابعة معرفة الرجل موضع سره. وكيف ينبغى أن يطلع عليه صديقه. والخامسة أن يكون على أبواب الملوك ملق اللسان - غير مداهنًا أو منافقًا - والسادسة أن يكون لسره وسر غيره حافظًا أيضًا، والسابعة أن يكون على لسانه قادرًا، فلا يتكلم إلا بما استوثق مصدره وأمن تبعته، والثامنة إن كان بالمحفل لا يتكلم إلا بما يسأل عنه، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال كان هو الداعى إلى الخير نفسه».
ويضيف «ينبغى للعاقل أن يكون لهواه متهمًا، ولا يقبل من كل أحد حديثًا، ولا يتمادى فى الخطأ إذا ظهر له خطؤه ولا يقدم على أمر حتى يتبين له الصواب، وتتضح له الحقيقة، ولا يكون كالرجل الذى يحيد عن الطريق، فيستمر على الضلال، فلا يزداد فى السير إلا جهدًا، وعن القصد إلا بعدًا، كالرجل الذى تقذت عينه فلا يزال يحكها، وربما كان هذا الحك سببًا لذهابها فيصبح أعمى، ويجب على العاقل أن يصدق بالقضاء والقدر، ويأخذ بالحزم، ويحب للناس ما يحبه لنفسه، فلا يلتمس صلاح نفسه بفساد غيره».
ولا غروة فى أن ابن المقفع قد استفاد من فلسفة السابقين وعلى رأسهم أفلاطون وأرسطو وأفلوطين، وتأثر كذلك بالمأثورات التليدة سوء فى التراث العربى أو التراث الفارسي، غير أنه نجح إلى حد كبير فى التأليف بين سائر اقتباساته ووفق بين المعقول والمنقول، ويتضح ذلك فى حديثه عن علاقة الأخلاق بالدين، وقد أثر بدوره فى جل الفلاسفة اللاحقين عليه بداية من الفارابى وإخوان الصفا وأبى حيان التوحيدى إلى ابن حزم والغزالي.
فعن علاقة القيم بالنصوص المقدسة والمقاصد الإلهية يحدثنا ابن المقفع عن تجربته خلال بناء دستوره الأخلاقى فيروى أنه عاهد ذاته وألزمها بأنه لا يقبل شيئاً أو يصدقه إلا بعد عرضه على العقل فيجيزه ويستحسنه - أو يقصيه ويبعده بعد تحليل وتركيب وفحص للبراهين ونقد للأدلة وقد سبق الغزالى إلى ذلك - فراح يقلب أقوال الكهنة والرهبان، فلم يجد عندهم ضالته، فقرر أن يبحث بنفسه عن ذلك الرابط الذى يصل بين جميع الأديان، فوجد أنه البر والمعروف والإحسان وكف الأذى عن الناس، والتعفف عن كل فعل خالطه الهوى، وكل قول مسه القبح، وكل موضع سكنه الفحش، ويقول: «رأيت ألا أتعرض لما أتخوف منه حدوث مكروه، وإن اقتصر على عمل تشهد النفس أنه يوافق كل الأديان، فكففت يدى عن القتل والضرب، وطرحت نفسى عن المكروه والغضب والسرقة والخيانة والكذب والبهتان والغيبة، واضمرت فى نفسى ألا أبغى على أحد، ولا أكذب البعث والقيامة والثواب والعقاب، وأخرجت الأشرار من قلبي، واحتلت الجلوس مع الأخيار بجهدي، فرأيت أن الصلاح ليس كمثله صاحب ولا قرين، ووجدت مكسبه إذا وفق الله وأعان يسيرًا، ووجدته يدل على الخير ويشيد بالنصح، فعل الصديق بالصديق، ووجدته لا ينقص رغم الإنفاق منه، بل يزداد جمالًا وحسنًا، ولا خوف عليه من السلطان أن يغضبه، ولا من الماء أن يغرقه، ولا من النار أن تحرقه».
وللحديث بقية عن مأثورات وتجارب ابن المقفع الأخلاقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.