أعد مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي "INSS" تقريرًا عن دور قطر في التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية، وأوضح أن قطر تحولت في السنوات الأخيرة إلى دولة "مفتاحية" في الشرق الأوسط وذات تأثير كبير خارجها، إلا أن كل هذا قد يتغير. وساعدها في ذلك القوة الاقتصادية الضخمة والاستعداد لاستخدامها لأغراض سياسية، إضافة إلى ضعف عدد من مراكز القوة الإقليمية على خلفية الربيع العربي، مثل مصر وليبيا، والي أبرزت السياسة الخارجية المتميزة لقطر. ورأت الدراسة، التي أعدها الباحث في شئون الشرق الأوسط "يؤال جوزنسكي"، أن الدعم الأمني الأمريكي لقطر سمح لها بالتحرك دبلوماسيا، لافته إلى وجود أكبر قاعدة أمريكية عسكرية بالشرق الأوسط على الأراضي القطرية. لكن قوة الدوحة لم تكن فائقة دائما، فقد أحدثت دويا غاضبا تجاه سياستها الخارجية "المغامرة" ونشاطها الإقليمي. ووفقًا لما جاء في التقرير الأمني الإسرائيلي، فإن هناك عدة تطورات داخلية وخارجية قد تؤثر بشكل سلبي على مكانة قطر، أولها التغييرات التي شهدتها الإمارة في القيادة، ففي يونيو الماضي - وفي خطوة استثنائية - نقل الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني" السلطة إلى نجله "الأمير تميم"، البالغ من العمر 33 سنة، وبذلك تحول إلى الزعيم الأصغر في العالم العربي. وهناك مؤشرات على أن الأمير الجديد سيحاول التركيز،وبشكل تدريجي، على الشئون الداخلية بالإمارة – خاصة قبيل استضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022- على حساب السياسة الخارجية التي انتهجها والده، والتي لاقت انتقادات داخلية كبيرة. فهناك مطالب باستغلال الأموال القطرية في تنمية الطرق في الدوحة وليس في لبنان. وأشار التقرير إلى أنه على صعيد السياسة الخارجية، اتضح أن عددا من رهانات قطر قد فشلت، فقبل بداية الحرب الأهلية في سوريا كانت قطر قريبة إلى النظام السوري وبعد بدء اشتعال الحرب في مارس 2011 - وبدافع أن أيام "النظام العلوي "باتت معدودة – أدار "حمد" ظهره إلى نظام "الأسد" وبدأ بدعم المعارضة. فهذا الدعم من جانبها للمتطرفين بين صفوف المعارضين في سوريا - كما فعلت في ليبيا- أدى إلى انتقادات كبيرة وإلى الإضرار فادحة في العلاقات بين قطر مع الولاياتالمتحدة، فواشنطن تخشى تداعيات تعاظم قوة هذه الجهات المتطرفة. كما أن هناك انتقادات دولية متزايدة على قطر بعد الكشف عن الظروف اللاإنسانية للعمالة الأجنبية داخل قطر، خاصة النيباليين والهنود والبغال، والذين يعملون في تطوير المنشآت استعدادا لمونديال 2022، حيث أن 600 عامل أجنبي يتوفون في كل عام بقطر. أيضا إمكانية تأجيل المونديال إلى الخريف بدلا من الصيف الحارق في الخليج قد يلحق الضرر بمكانة وهيبة قطر التي تنظر بعين الأهمية إلى بدء المونديال. وفيما يتعلق بالدور القطري في الوساطة بين الولاياتالمتحدة وطالبان، فإن هذه المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بعد إغلاق مكتب طالبان في الدوحة، فقد ألحق هذا ضررا كبيرا بمكانة قطر وقدرتها على الاستعانة بخدماتها مستقبليًا. ورأى التقرير الإسرائيلي أن قطر ميّزت في وقت مبكر صعود "الإسلام السياسي"، وعلى الرغم من استياء جيرانها في الخليج، إلا أنها- وكعادتها- حاولت ركوب الموجة الإسلامية والاتصال مع الممثل الأبرز لهذه الموجة وهي مصر برئاسة الرئيس المعزول "محمد مرسي"، بعد أن كانت علاقتها بمصر متوترة على مدى سنوات. ولكن بعد سقوط نظام الإخوان الإرهابي في مصر، خسرت قطر حليفا رئيسا لها منحته 8 مليار دولار كقروض ومنح، كذلك قدرة التأثير التي لا يستهان بها التي كانت لها في القاهرة، حيث حاولت لكن بدون نجاح أن تقدم نفسها بعد الثورة في مصر بأنها كانت تدعم الشعب المصري وليس هذا النظام أو ذاك. ولم يصدق النظام المصري الجديد هذه المحاولات، وجمّد المحادثات حول استيراد الغاز الطبيعي القطري، وأغلق مكتب الجزيرة في القاهرة ورفض طلب قطر بزيادة عدد الرحلات بين القاهرةوالدوحة، بل أعاد وبشكل احتجاجي منحة ب 2 مليار دولار كانت قد قطر قد أودعتهم بالبنك المركزي المصري خلال عهد "مرسي". أيضًا في سبتمبر الماضي أصدرت السلطات المصرية أمرا باعتقال الشيخ "يوسف القرضاوي"، المقيم في الدوحة، والمنتمي لجماعة "الإخوان المسلمين" بتهمة التحريض على قتل أفراد الشرطة المصريين. وفقدت قناة "الجزيرة" القطرية جزء كبير من شهرتها والتأثير الكبير الذي تتمتع به في أجزاء غير قليلة من العالم العربي على ضوء تغطيتها للأحداث في مصر. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد احتفظت قطر بعلاقات مفتوحة- بمثابة تطبيع واقعي - على مدى سنوات، لكن بدا أنه في أعقاب حملة "الرصاص المسكوب" على غزة خلال 2009 وعلاقات قطر مع جهات إيرانية وحماس ومنح الأمير "حمد" دعما لحماس بقيمة 400 مليون دولار أثناء زيارته لقطاع غزة أنه قطع العلاقات بين تل أبيب والدوحة، حيث تفاخرت الدوحة بهذه العلاقات التي أسهمت في أن تكون هي الشاذة في المشهد العربي. وأكد التقرير أنه رغم أن قطر لا تخفي استعدادها للاحتفاظ بعلاقات علنية مع إسرائيل في حالة تأكيد تل أبيب لجديتها في العملية السلمية وهو شرط أدنى في سقف الشروط التي يطرحها العالم العربي لإقامة علاقات علنية مع إسرائيل. وأضاف أنه ولكون قطر دولة صغيرة، فعليها أن تحدد الخطوات والاتجاهات لمواكبة جاراتها الأكبر منها في الصراع معها، من أجل تحقيق الأجندة الخاصة بها، والنابعة من مصلحة البقاء، وليس من المستبعد أن قطر وصلت إلى حدود قوتها وقوبلت برد فعل مضاد وواسع للخط السياسي الذي تبنته، وسيتعين عليها أن توائم سياستها الإقليمية بشكل عام - ومع مصر بشكل خاص - إذا كانت تريد الحفاظ على مركزها في العالم العربي ومدى تأثيرها. فطالما أن النظام في مصر لم يستقر حتى الآن فمن المحتمل أن يكون من الصعب عليه أن يدير ظهره بشكل تام للمساعدات القطرية، لكن إذا ما استقر الوضع في مصر بدون حدوث تغيير في العلاقات بين الدولتين فإن النظام المصري سيفضل المساعدات التي سارع إلى تقديمها السعودية والإمارات والكويت. وحتى بداية الأحداث في سوريا، اتسمت السياسة الخارجية القطرية بالحفاظ على معظم الأبواب المفتوحة وخطوط الاتصالات مع معظم الجهات في الشرق الأوسط لتكون بمثابة شهادة تأمين ضد القوى الراديكالية في المنطقة. فقطر التي يبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف مواطن، لعبت خلال السنوات الأخيرة في ملعب الكبار وذهبت بعيدا وجاوزت المدى. وسيكون من الصعب تجاهلها على ضوء قدراتها الاقتصادية، لكن أن الضعف المؤقت للإسلام السياسي في المنطقة قد يضطرها إلى الاهتمام بشئونها الداخلية وتبني سياسة أكثر حذرا وانتظار الفرص، ورأي التقرير الإسرائيلي أن الزيارة الأولى ل"تميم" خارج بلاده للسعودية هي دليل وربما محاولة لتقليص التوتر مع الرياض ومن المحتمل تبني سياسة خارجية أقل اندفاعا وأكثر اعتدالًا.