لم يقتصر لقب "عانس" على النساء فقط.. فهناك من الرجال من حملوا هذا اللقب عن طيب خاطر.. ولقد عرف الوسط الفني خلال زمنه الجميل أسماء عمالقة أضربوا عن الزواج طوال سنوات عمرهم حتى فارقوا الحياة.. قاطعوا الزواج بإرادتهم الحرة لتخلد أسمائهم في سجل التاريخ الفني كأشهر عزابه. سليمان نجيب: يعد الفنان القدير سليمان نجيب من أشهر المضربين عن الزواج في الوسط الفني، فبرغم وسامته وثرائه، وانتمائه للطبقة الارستقراطية، وتمتعه بثقافة أوربية متميزة؛ قرر نجيب بارادته الحرة ألا يتزوج.. وهو القرار الذي تمسك به طوال حياته دون تراجع أو استسلام. لم يكن قرار سليمان نجيب بالإضراب عن الزواج ناتج قصة حب فاشلة، او عقدة نفسية، لكنه كان عن قناعة تامة.. لأنه كان مؤمن بأن النساء مناكفات يبحثن دوما عن النكد.. وهو ما كان سوف ينعكس بشكل او بآخر على حياته الفنية. كما كان مؤمن بأن العمل في الفن غير مضمون، فوضعه المادي لم يكن مستقر، لذلك رفض أن يتزوج وينجب أطفال يعيشون في ظروف صعبة إذا ما أدارت له الدنيا ظهرها؛ رغم رفاهيته وثراءه..لذلك أوصى سليمان نجيب بثروته لدار الأوبرا المصرية التي كان أول مدير مصري لها. بشارة واكيم: أضرب بشارة واكيم عن الزواج وحمل لقب "عانس" لسبب طريف جدًا.. ذكره بشارة في أحد حواراته القديمة.. حيث أكد أن سبب رفضه للزواج كان خوفه من أن تتحقق دعوة أمه التي كانت دوما ما تبادره بدعوة واحدة كلما أثار غضبها وهي "روح إلهي يبتليك بجوازة تهد حيلك".. ولأن بشارة واكيم كان متيقين من استجابة دعوة الأم.. خاف أن تتحقق دعوة أمه وينهد حيلة بزوجة نكدية. لذلك كره الزواج وعاش متخيلا أنه مصيبة ونكبة يبتلي بها الله عباده.. لأنه اذا ما تزوج العبد ودع أيام الصفاء وراحة البال ودخل في دورة "العكننة ووجع الدماغ" على حد قوله.. فقد وصف بشارة واكيم الزواج فقال: "الجواز في نظري أكبر مقلب، ومن«بلاويه» البسيطة، ما سأشرحه هنا، مع اعتذاري لحضرات المتزوجين الذين وفّقوا في زواجهم.. والتوفيق من الله طبعًا، ولكن من يضمن هذا التوفيق؟ الأولى: يشبه المتزوج، محكومًا عليه بالسجن المؤبد يطيع الأوامر، فإذا مشى في الطريق، سار مؤدبًا زي الألف، زنهار، لا يجوز أن يتلفت يمينًا أو يسارًا لئلا يعاكس أحدًا، أو يعاكسه أحد، وعليه أن يأوي إلى منزله بعد الغروب وإلا طبقت على دماغ حضرته جميع اللوائح العسكرية والجنائية والشرعية والمنزلية!» أما «البلوى» الثانية فكانت قوله: «أين إذن حالة المتزوج، من حالة الأعزب، خصوصًا إذا كانت «اشيته معدن» إنه يمشي طليقًا.. حرًا.. يتنطط أو يتشقلب كيفما يشاء.. حد له عنده حاجة؟!.. في أماكنه أن يحبك «الوجاهة».. ويضع طربوشه على «سنجة عشرة».. ويفرفش.. ويزأطط، دون أن يقول له أحد «ثلث الثلاثة كام!»». وكانت «البلوى» الثالثة أن «الزوجة ممثلة بارعة، لأنها تقوم بدور «الجنابو» الذي لا تخفى عليه خافية من شئون زوجها، ودور مصلحة الضرائب فتجرد زوجها من أرباحه، ودور الطبيب فتنصحه بمقاطعة التزام ومزاولة رياضة السير على الأقدام، ودور«مشيخة الطريقة الصوفية» فتحرمه من التفكير في الفلوس، وبالتالي في تلويث جيوبه بهذا». وقال واكيم إن «البلوى» الرابعة هي «المفاجآت الزوجية»؛ كأن تضع الزوجة مولودًا «كده من غير مناسبة»، ويجيء المولود في الوقت الذي تكون فيه جيوب الزوج أنظف من الصيني بعد غسيله، فإذا كبرت الذرية قالت الأم: «هات»، والولد: «هات»، والبنت: «هات»؛ فمالي أنا ومال وجع القلب ده كله.. خليني بعيد عن الشر و..!». ولأنه كان يمتلك فلسفة خاصة ووجهة نظر اتضحت في كلامه السابق، لم يندم بشارة واكيم أبدا على اضرابه عن الزواج، وخاصة أنه لم يعاني من الوحدة كغيره ممن رفضوا الزواج.. بل عاش بشارة واكيم مع أخته وأولادها بعد ان رحل زوجها.. وارضى رغبته في ان يكون أب برعاية أبناء أخته.. كما كتب لهم كل ما يملك قبل رحيله. زكي رستم: إن كان بشارة واكيم قد عزف عن الزواج خوفا من أن تتحقق دعوة أمه، وسليمان نجيب لأنه كان يعرف أن النساء يجيدن فن النكد. فلقد رفض صديقه زكي رستم الزواج أيضا لأنه كان يدرك جيدا أنه صعب الطباع، لا تطيقه امرأة. لذلك قرر رستم أن يتزوج الفن الذي كان كل حياته. رفض أن يدخل في علاقة عاطفية وفرض على نفسه نظام صارم لم يتنازل عنه طوال حياته. فقد كره السهرات الليلية. ولم يعرف من الصداقات سوى علاقته بسليمان نجيب وعبدالوارث عسر. كان لا يفعل شيء في حياته سوى ممارسة عشقه داخل استديوهات السينما وأماكن التصوير. وعلى الرغم من أن أصدقائه قد نصحوه بالزواج بعدما تقدم به العمر ليجد من يهتم به، إلا أنه رفض بشده التنازل عن قراره بعدم الزواج وفضل أن يموت وحيدا بعد أن فقد سمعه ولزم بيته رافضا أن يرى أحد او أن يزوره أحد حتى رحل وحيدا.