يتابع المؤرخ الفرنسي البارز هنرى لورنس، أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربى بالكوليج دو فرنس، فى كتابة الموسوعى « مسألة فلسطين.. السلام المستحيل»، الذى يبدأ من يونيو 1982 وينتهى فى يناير 2001 بقوله: «بعد ظهر يوم 16 سبتمبر 1982 قصف الجيش الإسرائيلى مخيم شاتيلا والأماكن المجاورة له، وطبيعة أن الناس تلجأ إلى المخابئ والمستشفيات التي تعتبرها أماكن آمن، ويقرر كبار المخيم إرسال وفد إلى الإسرائيليين لمطالبتهم بوقف إطلاق النار، وكل ما أمكن تركيبه عن الأحداث بعد ذلك هو أن وفدًا من أربعة أشخاص قد اتجه بالفعل إلى موقع القيادة الإسرائيلية، لكنه لم يصل إليه البتة، وقد تم العثور على جثامين هؤلاء الأشخاص فيما بعد، وتحاول مجموعة من النساء والأطفال القادمين من مستشفى عكا والرافعين الرايات البيضاء مغادرة المخيم، لكن طلقات نارية فى اتجاههم تجبرهم على العودة من حيث أتوا». وتدخل ميليشيات القوات اللبنانية المخيمات، فى اللحظة عينها التى يوقف فيها الإسرائيليون قصفهم العشوائي، وبحسب أطروحة مقربين من القوات اللبنانية، فقد تكون بإزاء رجال تابعين ل«حبيقة» بالأخص، نوع من الميليشيات الخاصة تتبع جهاز الاستخبارات تكون أقل انضباطًا واتصافًا بالطابع العسكرى بكثير من الوحدات الأخرى للقوات اللبنانية، ومن المؤكد أن «حبيقة» يراقب العمليات انطلاقًا من موقع القيادة الإسرائيلية المتقدم المطل على صبرا وشاتيلا، وبما أننا فى الليل، فإن الإسرائيليين يقومون بإضاءة السماء بقذائف مضيئة، ويستأنفون طلقاتهم العشوائية على مناطق بالمخيمات لا يوجد الميليشيات فيها، ما ينطوى على تنسيق تحركات كان مستديما. وتستمر المذبحة خلال الجزء الأكبر من يوم السبت 18 سبتمبر، ويقوم الميليشيايون اللبنانيون باقتياد الفريق الطبى الأجنبى فى مستشفى غزة إلى خارج المستشفى، وبحسب شهاداتهم، فقد كانوا على وشك أن يقتلوا رميا بالرصاص، لكن الجنود الإسرائيليين تدخلوا لإنقاذهم، ويحدث الشيء نفسه مع عدد كبير من الأشخاص الذين اقتيدوا إلى ساحة رياضية للتحقيق معهم وإعدامهم على الأرجح. وبعد انسحاب الميليشياويين من المخيمات بأمر من الجيش الإسرائيلي، بدأ مراسلو الصحافة الدولية فى الوصول فى نهاية النهر، يتلوهم الجيش اللبناني، وتتدخل البولدوزرات من جديد لحفر حفر جديدة لدفن الجثامين المتحللة بأسرع ما يمكن، بينما يستميت الناجون فى البحث عن أفراد عائلاتهم، وتذهب التقديرات إلى أن عدد الأشخاص الذين جرى دفنهم آنذاك يصل إلى 700 أو 800. والحال أن الجيش الإسرائيلي، المتورط إلى حد بعيد فى الفضيحة، إنما يجلو عن قطاع المخيمات، الذى يتولى الجيش اللبنانى المسئولية عنه، بينما تقوم الصحافة الدولية بجمع شهادات الناجين، وتتخذ المنظمات الإنسانية تدابير صحية عاجلة، ويجرى حرق جثث بقاذفات لهب، وعلى نحو منتظم، تدب تحركات ذعر بين صفوف وسكان المخيمات بسبب الشائعة الملحة التى تتحدث عن عودة ميليشيا «سعد حداد». هناك تقريران رسميان عن المذابح، فالتقرير اللبنانى يجتهد فى تبرئة القوات اللبنانية والعمل على إلقاء المسئولية على الإسرائيليين ورجال جيش لبنان الجنوبى. أما التقرير الإسرائيلى فهو يعمل على إعادة إلقاء المسئولية عن الجانب الرئيسى من المذبحة، التى يجرى التقليل من حجمها، على القوات اللبنانية. وتشير شهادات الناجين إلى أن غالبية القتلى كانوا يرتدون بزات تحمل علامة القوات اللبنانية المميزة،. على أن شريحة منهم كانوا يرتدون بزات إسرائيلية عليها علامة جيش لبنان الجنوبى المميزة، وهو جيش يعمل تحت القيادة المباشرة للجيش الإسرائيلي، كما عثر فى الموقع على عتاد وأشياء إسرائيلية متنوعة. وفى الحد الأدنى، يخص هذا أيضا رجال «سعد حداد». وكما فى كل مذبحة، تحدث خلافات عدد الضحايا. فالتقرير الرسمى قد كرس رقم ال800 قتيل، الذى جرت استعادته بلا كلل من كاتب إلى آخر، وقد سمحت الاستقصاءات المختلفة التى أجريت منذ عام 1982 بتحديد أسماء 906 قتلى و484 شخصًا اختفوا على أثر الاختطافات، ولم يتم العثور عليهم أبدًا، أى 1390 شخصًا، وعندما نأخذ فى الاعتبار الناس الذين دفنوا تحت أنقاض بيوتهم والمقابر الجماعية ومختلف أماكن الدفن، نصل إلى رقم قوامه 3500 ضحية فى الحد الأدنى، وهو رقم يتماشى مع التقديرات التى أجرتها دراسات مختلفة فى 1982-1983، إلا أن من الصحيح أن التقديرات الفورية لعدد الضحايا خلال حروب لبنان غالبًا ما اعتبرت فيما بعد تقديرات مبالغة، ومن ثم يمكننا اعتبار رقم 1390 ضحية تقديرًا دقيقا، وهو رقم يجب أن نضيف إليه عددًا غير محدد من الموتى يحسب بالمئات على الأقل، ولأجل الذاكرة، فإن مذبحة البوسنة فى عام 1995، والتى فيها نحو 8000 إنسان، قد اعتبرت إبادة من جانب المحكمة الجزائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، ومن جانب محكمة العدل الدولية بسبب عمديتها– إرادة القضاء على جماعة سكانية. والمنظم المباشر للمذبحة هو «إيلى حبيقة»، الذى تابع التحركات من موقع القيادة الإسرائيلية، وهذا يورط كثيرين من الناس، لأن هذا المغامر الأرعن سوف ينتقل بعد ذلك إلى صف الموالين لسوريا، وسوف يجرى اغتياله فى بيروت فى 24 يناير 2002 بينما كان يتهيأ للإدلاء بشهادة ضد «شارون» خلال محاكمة مقررة فى بروكسل بتهم ارتكاب جريمة ضد الإنسانية. وفى الحد الأدنى، تمثل مذابح صبرا وشاتيلا كارثة ثلاثية فى مجال الاستخبارات الإسرائيلية، وتكمن الكارثة الأولى فى ال2500 إلى 3000 مقاتل فلسطينى –وهو رقم شبه وسواسى– الذين ربما كانوا لا يزالون فى بيروت مستترين، والذين يجب تصفيتهم على وجه الإلحاح، وتتحدث التقديرات الأقل سخاء عن 60 إلى 80 مقاتلا غير محترف حملوا السلاح خلال دخول الميليشياويين المخيمات، وساعتها كان ذلك أيضا تقدير «درايرا»، الذى لم يتمكن قط من الحصول من الإسرائيليين على المصادر التى أسسوا عليها زعمهم. أما الكارثة الثانية فهى أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تتمكن من التنبوء بمسلك الميليشياويين فى عام 1976، ورأوا كيف تتصرف القوات اللبنانية مع الدروز، وكذلك تصرفات «إيلى حبيقة» فى الجنوب اللبنانى فى عام 1982. وأما الكارثة الثالثة فهى الغياب الكامل للمعلومات بخصوص ما دار على بعد مئات من الأمتار من موقع القيادة الذى كان بالإمكان أيضا متابعته بفضل الاتصالات الجارية بالراديو، ويزعم تقرير كاهان أنه لم يكن بالإمكان من قمة موقع القيادة، رؤية ما كان يجرى فى شوارع المخيم بسبب ضيق هذه الشوارع، لكن الصحفيين الذين ذهبوا إلى هناك بعد رحيل القوات الإسرائيلية توصلوا إلى استنتاجات مخالفة.