يناقش مفاهيم مغلوطة ويحذر من التدين «الشكلى» و«السياسى».. ويؤكد: صراع الحق والباطل أبدى «جمعة»: أسباب شطط العلماء حب الظهور والبحث عن الشاذ من الآراء ومجاملة السلطات «أحيانًا» ضمن مساعى مواجهة التطرف التى تتبناها المؤسسات الدينية فى الدولة، أصدر الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف كتابا جديدًا تحت عنوان «الدين والدولة»، الكتاب الصادر حديثًا والمترجم لأكثر من لغة أهمها الإنجليزية والفرنسية، يناقش عددًا من المفاهيم المغلوطة والتحذير من التدين الشكلى أو السياسى الذى تبنته جماعة الإخوان الإرهابية وعدد من جماعات الإسلام السياسى التى دارت فى فلكها. واستهل وزير الأوقاف كتابه بمقدمة مقتضبة عن العلاقة بين الدين والدولة، مؤكدًا أنها ليست علاقة عداء ولن تكون، إذا أن تدينًا رشيدًا صحيحًا وسطيًا يسهم وبقوة فى بناء دولة عصرية ديمقراطية حديثة تقوم على أسس وطنية راسخة وكاملة، مشيرًا إلى أن من يرون تعارضًا وصراعًا محتمًا يجب أن يكون بين الدين والدولة، فهم إما جاهلون بمفهوم الدولة، أو لا يفهمون الأديان فهمًا صحيحًا. وفى الفصل الأول لفت الكتاب إلى الفرق بين التدين والتطرف؛ حيث أوضح أن التدين يدفع صاحبه إلى التسامح والرحمة والصدق والتعايش السلمى مع الذات والآخر، أما التطرف والإرهاب الذى يدعو إلى الإفساد والتخريب والهدم واستباحة الدماء والأموال، فهو الداء العضال، مشيرًا إلى أن التدين حق والتطرف باطل، والصراع بين الحق والباطل سيظل قائمًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إلا أن الحق سينتصر طال الزمن أو قصر؛ فهذا وعد الله فى قوله تعالى «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون». وأكد «جمعة» أن كل ما يدعو للبناء والتعمير والإنتاج وتحقيق أمن الناس واستقرارهم، فهو جوهر الدين الحق والإنسانية الحقيقية، وشدد على ضرورة احترام دستور الدولة وقوانينها وإعلاء دولة القانون، وألا تنشأ فى الدول سلطات موازية لسلطة الدولة أيًا كان مصدر هذه السلطة، فهو لواء واحد تنضوى تحته وفى ظله كل الألوية الأخرى، محذرًا من خطورة أن تحمل كل مؤسسة أو جماعة لواءً موازيًا؛ فهذا خطر داهم لا يستقيم معه لا أمر الدين ولا أمر الدولة. وفى فصل آخر بعنوان «الحق والواجب»، أوضح الكاتب أن النصوص القرآنية والنبوية أشارت إلى التبادلية فى الحقوق والواجبات؛ فمن أخذ الأجر يحاسبه الله على العمل، والعقد شريعة المتعاقدين، والله أمرنا بالوفاء بالعقود وحذرنا من خيانة الأمانات فى العمل وغيره، فقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون». كما حذر من التدين الشكلى والسياسي، فقال إن ظاهرة التدين الشكلى والتدين السياسى تعدان من أخطر التحديات التى تواجه المجتمعات العربية والإسلامية، سواء ممن يركزون على الشكل والمظهر ولو كان على حساب اللباب والجوهر، وإعطاء المظهر الشكلى الأولوية المطلقة حتى لو لم يكن صاحب المظهر على المستوى الإنسانى والأخلاقى الذى يجعل منه القدوة والمثل؛ فلا بد أن يكون سلوكه متسقًا مع تعاليم الإسلام، حتى لا يكن سببًا فى الهدم والتنفير، ويعد من المنافقين وفقًا لقول النبي «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». وكذلك ينطبق الأمر على من يحصر التدين فى باب العبادات والاجتهاد فيها مع سوء الفهم للدين، والإسراف فى التكفير وحمل السلاح والخروج على الناس به كما حدث من الخوارج، الذين كانوا من أكثر الناس صلاة وصيامًا وقيامًا، غير أنهم لم يأخذوا أنفسهم بالعلم الشرعى الكافى الذى يحجزهم من الولوج فى الدماء فخرجوا على الناس بسيوفهم؛ ولو طلبوا العلم أولًا لحجزهم عن ذلك. وعن التدين السياسي، أوضح الكتاب أن المقصود به الصنف الذى يتخذ الدين وسيلة ومطية للوصول إلى السلطة، من خلال استغلال العواطف الدينية وحب الناس وخاصة العامة منهم، وإيهامهم أن الهدف من الوصول للسلطة هو خدمة الدين والتمكين له والعمل على نصرته. ولفت «وزير الأوقاف» إلى تجربة جماعة الإخوان الإرهابية فى الحكم، قائلًا: «إن التجربة التى عشناها مع جماعة الإخوان الإرهابية ومن دار فى فلكها أو تحالف معها من جماعات الإسلام السياسي، أكدت لنا أن القضية لم تكن قضية دين على الإطلاق، إنما كانت صراعا على السلطة بشره ونهم لم نر له مثيلا، وإقصاء للآخرين فى عنجهية وغرور ما نفر الناس منهم ومن سلوكهم الذى صار عبئًا كبيرًا على الدين». فى فصل آخر بعنوان «الخلاف الفقهى والخلاف السياسي»، أوضح أن المفكرين والعلماء والفقهاء ينبغى عليهم أن يكونوا رجال فكر وعقل، ودعاة أمن وسلام بحق وصدق، مستحضرين منهج الإسلام فى ترسيخ أسس التعايش السلمى بين البشر جميعًا؛ فالأصل أن يقود العلماء التوافق لا أن يقودوا الخلاف، أو يزكوا جذوة الشقاق. وأرجع السبب فى شطط العلماء، إلى بحث بعضهم عن الشاذ من الآراء، وحب الظهور، ومجاملة السلطات أحيانًا أخرى، ومسابقة بعض المحسوبين على العلماء فى إذكاء التطلعات التوسعية لبعض الدول وإلباسها ثوب الواجب الديني؛ مما يسهم فى بث الفرقة وتأجيج الفتن على حساب جمع الشمل الذى لا غنى عنه للأمة والمنطقة وتحقيق أمن وسلام العالم، وتخليص الدينى من السياسى، والمذهبى من التوظيف السياسى للدين أو المذهبية.