استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى اليوم الجمعة، بقصر الاتحادية قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، الذى يقوم بزيارة رسمية لمصر، حيث أقيمت مراسم الاستقبال الرسمي، وتم عزف السلامين الوطنيين. وألقى الرئيس كلمة خلال اللقاء مع قداسة بابا الفاتيكان وجاء نصها: "بسم الله الرحمن الرحيم.. قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، السيدات والسادة.. اسمحوا لى فى البداية أن أجدّدَ الترحيب بقداسة البابا فرانسيس فى أرضِ مصر.. ضيفًا عزيزًا.. وشخصيةً فريدة.. وقيادة دينية وروحية ذات مكانةِ رفيعة.. يُجلُّها الملايينُ من البشر فى كافةِ أنحاءِ العالم.. من كافة الأديان على حدٍّ سواء.. ويطيب لى أن أوكد كل الاعتزازِ والتقديرِ لشخصِ قداسةِ البابا.. ومواقفِه الإنسانيةِ النبيلة.. التى تفتحُ طاقةَ الأملِ فى نفوسِ البشر.. تَجمع ولا تُفرِّق.. تُوحد ولا تُشتت.. تزرعُ الخيرَ والأملَ فى قلوبِ الناس.. وتنزعُ الشرَّ واليأسَ من حياتِهم. إننى أؤكد لكم قداسة البابا.. أن مواقفَكم التى تقوم على تشجيعِ التسامح والسلام والتعايش بين جميع الأمم.. هى موضع إعجابٍ واحترام.. إننى أذكر بكل تقدير لقائى الأول بقداستكم فى الفاتيكان فى نوفمبر 2014.. وأتذكر بامتنان أننى استمعت لرؤيتكم التى تدل على بصيرةٍ ثاقبة.. تنبعُ من رُوحٍ متشبعةٍ بالإيمانِ بقدرةِ البشر على فعل الخير.. ومتمتعةٍ بحكمة عميقة.. تُدرك أهميةَ التعامل مع تعقيدات واقعٍ صعب.. من مُنطلقِ العمل على بلوغِ الأهدافِ النبيلة.. التى تحفظ للبشرِ إنسانيتَهم.. وتُشيعُ العدلَ والسلامَ والخيرَ بينهم. أرحبُ بكم قداسة البابا فى أرضِ مصر الطيبة.. التى سطرت على مدار الزمن فصولًا مضيئة فى تاريخ الانسانية.. والتى مَزَجَت بعبقريةٍ متفردة.. بين رسالاتِ السماءِ إلى البشر.. وبين ما أنتجهُ هؤلاء البشر من حضارةٍ وثقافة.. لِيَخْرُجَ إلى العالمِ نورٌ.. يُضئُ معالمَ الطريق نحوَ السلام والعُمران والتسامح بين كافة بنى البشر. وعلى مرِّ العصور.. كانت هذه الأرض المباركة.. حاضنةً للتنوع الحضارى والدينى والثقافي.. وموطنًا لشعبٍ طيب الأعراق.. يؤمن بأن الدينَ لله والوطنَ للجميع.. وبأن رحمةَ الخالق عز وجل تسع البشرَ جميعًا من كل الأجناس والعقائد.. وعلى هذه الأرض – قداسة البابا – وجد السيد المسيح عليه السلام.. والسيدة مريم العذراء الأمنَ والأمانَ والسلام.. وطافوا بأرجائها.. محتمين بها من بطشِ وبغى "هيرودس".. وكانت مصر كعادتها دومًا.. ملاذًا آمنًا وحصنًا رحيمًا". وأضاف الرئيس خلال كلمته: "قداسة البابا فرنسيس.. إننا نعتبر زيارتَكم التاريخيةِ إلى مصر اليوم.. والتى تتواكب مع الاحتفال بالذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والفاتيكان.. بمثابة رسالة.. تؤكد ما ترتبط به مصر والفاتيكان من علاقات تقديرٍ واحترام.. تتأسس على إيمانٍ مشترك بالقيم الأخلاقيةِ الرفيعةِ التى رسختها الأديانُ السماوية.. لتكونَ دستورًا لتعايش البشر على الأرضِ فى سلامٍ ومحبة.. وأساسًا لمنع الصراعات.. التى لا تنشر سوى العنف والدمار بين أبناء الأسرة الإنسانية..ولقد أكدنا خلال لقائنا اليوم.. أهمية أن تظلَّ هذه المبادئ نبراسًا للقادة والحكومات فى عالمنا اليوم.. إذ يواجهون تحدياتٍ غير مسبوقة لم تشهدها البشرية من قبل. فالعالم يشهد أيامًا يعلو فيها صوتُ العنف والكراهية.. تنطلقُ هجماتُ الإرهابِ الأسود.. عمياءٌ هوجاء.. تضربُ فى كل مكانٍ بدون تمييز.. تُفجعُ قلوبَنا إذ تَحرِمُنا من الأهلِ والأحباءِ والأصدقاء.. وما يَزيدُ من أَلَمِنا.. أن قوى الشرِّ هذه.. تزعم ارتباطها بالدين الإسلامى العظيم.. هو مِنهم براء.. وهُم مِنهُ نُكَرَاء.. إن الإسلام الحق لم يأمر أبدًا بقتل الأبرياء.. ولم يأمر أبدًا بترويع الآمنين وإرهابهم.. وإنما أَمَرَ بالتسامح.. والرحمة.. والعمل الصالح الذى ينفعُ الناسَ.. كما أمر باحترام الآخر وحقه فى اختيار دينه وعقيدته". وتابع: "السيدات والسادة، إنَّ مصرَ تقفُ فى الصفوفِ الأولى فى مواجهة هذا الشر الإرهابي.. يتحمل شعبُها.. فى صمودٍ وإباءٍ وتضحية.. ثمنًا باهظًا للتصدى لهذا الخطرِ الجسيم.. عاقدين العزم على هزيمتِه والقضاءِ عليه.. وعلى التمسك بوحدتنا وعدم السماح له بتفريقِنا. وفى هذا السياق.. أؤكد من جديد.. أن القضاءَ نهائيًا على الإرهاب.. يستلزمُ مزيدًا من التنسيقِ والتكاتف بين كافة القوى المحبة للسلام فى المجتمعِ الدولي.. يتطلب جهدًا موحدًا لتجفيفِ منابِعِه.. وقطعِ مصادرِ تمويلِه.. سواء بالمال أو المقاتلين أو السلاح.. يحتاج القضاء على الإرهاب إلى استراتيجيةٍ شاملة.. تأخذ فى اعتبارها ليس فقط العمل العسكرى والأمني.. وإنما الجوانب التنموية والفكرية والسياسية كذلك.. التى من شأنها هدم البنيةِ التحتية للإرهاب.. ومنع تجنيدِ عناصرٍ جديدةٍ للجماعات الإرهابية. ولا يفوتنى فى هذا الإطار.. أن أثمنَ وأقدرَ مواقف قداسة البابا فرانسيس الداعمةِ لتفعيل الحوار مع المؤسسات الدينية المصرية بعد سنواتٍ من التوقف.. لقد كانت إعادة إطلاق حوار الأديان بين الكنيسة الكاثوليكية ومؤسسة الأزهر الشريف خطوة تاريخية.. سيكون لها فى تقديرنا أبلغ الأثر فى تعضيد جهودنا من أجل تجديد الخطاب الديني.. وتقديم فكر دينى مستنير.. يعيننا على مواجهةِ التحديات الجسام التى تشهدها منطقتنا والعالم بأسره من حولنا.. إن الأزهرَ الشريف.. بما يمثله من قيمةٍ حضاريةٍ كبرى.. وما يبذله من جهودٍ مقدرةٍ للتعريفِ بصحيحِ الدينِ الإسلامي.. وتقديم النموذج الحقيقى للإسلام.. إنما يقومُ بدورٍ لا غِنَى عنه فى التصدى لدعواتِ التطرف والتشدد.. ومواجهة الأسس الفكرية الفاسدة للجماعات الإرهابية.. وأود هنا الإعراب عن التقدير لمشاركتكم البناءة فى "المؤتمر العالمى للسلام" الذى نظمه الأزهر الشريف بالقاهرة.. والتى تؤكد حرصكم على ترسيخ ثقافة الحوار بين كافة الأديان.. لتدعيم قيم المحبة والسلام والتعايش المشترك. وبالمثل.. كانت الزيارة التاريخية التى قام بها قداسةُ البابا تواضروس للفاتيكان فى عام 2013.. وإعلان يوم 10 مايو يومًا للصداقة بين الكنيستين القبطية والكاثوليكية.. خطوةٌ هامة على صعيد تدعيم أواصر التعاون بين مؤسسات مصر الدينية العريقة والفاتيكان.. وها أنتم يا قداسة البابا تحلون ضيفًا عزيزًا على مصر اليوم.. بحضور ممثلى مؤسساتها الدينية العريقة.. ليكون استقبالُنا لقداستِكم على أرضِ مصر.. إعلانًا للعالم عن متانةِ وحدتنا الوطنية وصلابتها.. تلك الوحدة التى نعتبرها خط دفاعنا الأساسى ضد من يضمرون لوطننا شرًا. قداسة البابا فرنسيس، إننا إذ نرحب بكم مجددًا ضيفًا كريمًا على أرض مصر.. فإننا نشاطركم عظيم الأمل فى مستقبلٍ أفضل.. يحمل فى طياتِّه عهدًا من السلام والرحمة والتسامح.. ونتمنى لكم إقامةَ سعيدةَ وطيبةَ فى بلدنا.. داعيًا الله العلى القدير أن يديم على مصر وعلى العالم بأسره.. نعمةَ الأمانِ والطمأنينةِ والاستقرار."