قالت الشاعرة الأمريكية ذات الأصل الإفريقى مايا أنجيلو، إن «الحياة لا تقاس بمقدار الأنفاس التى نتنفسها، بل تقاس بعدد اللحظات التى لم نقدر على التنفس فيها»، وكانت لحظة إطلاق المكوك الفضائى عام 1961 بوكالة «ناسا» لعلوم الفضاء واحدة من تلك اللحظات التى سحبت أنفاس 3 مهندسات أمريكيات من أصل إفريقى، عملن على هذا المشروع فى «ناسا» فى بدايات برنامج الفضاء الأمريكى بأربعينيات القرن الماضى. وحُكيت قصة النساء الثلاث فى كتاب جديد ل«مارجو لى شيترلى»، وتحول العمل إلى فيلم يعرض الآن بدور العرض الأمريكية وحقق رواجا كبيرا، ويحمل اسم «رموز مخفية» من إخراج ثيودور ملفى، وبطولة تراجى هينسون، وأوكتافيا سبنسر، وجانيل موناى، وكان الفيلم من الجودة بحيث أعجب الشخصيات الواقعية التى بنيت عليها القصة. الرئيس السابق للولايات المتحدة باراك أوباما، كرم المهندسة كاثرين جونسون، التى كانت المسئولة عن الفريق التى أدت دورها فى الفيلم الممثلة تاراجى بيندا هينسون، ومنحها وسام الحرية الرئاسى فى نوفمبر من عام 2015، وقال فى كلمته: «على مدى 3 عقود عملت خلالها فى وكالة ناسا، تضمنت سيرة كاثرين جونسون قائمة طويلة من الإنجازات، ومنها وضعها للمسارات المحسوبة لآلان شيبرد، والتى كانت حجر الأساس فى أول رحلة لإنسان فى الفضاء عام 1961، كما حسبت مسار رحلة «أبولو 11» إلى القمر، وعملت على تدريب الطاقم كله حتى تضمن عودتها إلى الأرض بسلام، وسيتم منحها الوسام لإنجازاتها». وتقول مؤلفة الكتاب مارجو لى: «فى الوقت الذى جاءت فيه النساء أصحاب البشرة السمراء للعمل فى لانجلى، فى عام 1943، وكان التمييز العنصرى فى أوجه ذلك الوقت، بالرغم من أن هذا التوقيت كانت (ناسا) فى بداياتها، وهن يملكن وظائف هامة جدا عن استحقاق، إلا أنهن طبقت عليهن قوانين الدولة، وهى أن ينفصلن تماما عن زملائهن أصحاب البشرة البيضاء، حيث كانت لهم غرف عمل منفصلة، كما كان هناك حمامات منفصلة، إضافة إلى كافيتريا منفصلة، وكانت المهندسات يواجهن تحرشات عنصرية فى أوقات الغداء، متمثلة فى أقوال مثل (أجهزة الكمبيوتر الملونة) فى إشارة إلى المهندسات أصحاب البشرة السوداء اللواتى يقمن بالأعمال الحسابية الرياضية». أما المهندسة كاثرين جونسون نفسها فتقول: «لم أشعر بهذا التمييز العنصرى فى وكالة (ناسا)، لأن فريقى كله كان منشغلا عنها بالبحث العلمى، فقد كانت لدينا مهمة ونعمل على إتمامها، فمن المهم أن نتمم أعمالنا، وفى وقت الراحة لتناول الغذاء كنا مرهقين لدرجة لا نعى معها تلك التحرشات. «كاثرين» كانت عبقرية لدرجة جعلت جون جلين أول إنسان يذهب إلى الفضاء عام 1962 يثق فيها، ويطلق مقولته الشهيرة: «إذا قالت الفتاة إن الأرقام صحيحة.. وقتها فقط أكون مستعدا للذهاب». بالطبع كان القلق يخيم على «ناسا» فتلك أول مرة يحاول إنسان أن يخرج بعيدا عن الكرة الأرضية، ولهذا طلب رائد الفضاء شخصيا أن كاثرين إعادة فحص حسابات الكمبيوتر الإلكترونية فى فبراير 1962 الخاصة برحلته على متن الزئبق «أطلس 6» وكبسولة «الصداقة 7»، وهى بعثة «ناسا» التى جعلته يصبح أول أمريكى يدور حول الأرض. وتم تعيين هؤلاء النساء عام 1953 فى مركز أبحاث لانجلى التابع لناسا فى هامبتون بولاية فيرجينيا الأمريكية كجزء من فريق كله من الإناث وسمى «أجهزة الكمبيوتر التى ترتدى التنانير»، وبدأ الفريق فى مساعدة كل الفرق البحثية الأخرى المكونة كلها من الذكور، بالطبع لم يرحب بها الرجال فى بداية الأمر، إلا أنهم بعد أن أدركوا مهارة ذلك الفريق رحبوا به فى نهاية المطاف. ولم تكن الرحلة العملية لكاثرين سهلة، فعندما طلبت أن تنضم إلى إحباطات برنامج الفضاء أجيب سؤالها بأن النساء لا ينضممن لتلك البرامج، فردت: «هل يوجد قانون يمنع هذا؟»، فأجاب رئيسها آل هاريسون بالنفى. وعمل الفريق مع الطائرات فى قسم الإرشاد والملاحة، واللجنة الوطنية الاستشارية للملاحة الجوية، والتى أصبحت فى عام 1958 الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) وذلك بفضل قانون الفضاء لعام 1958. أما المهندسة دوروثى جونسون فوجان فكانت أول امرأة من أصل إفريقى تعمل فى «ناسا» كمديرة، وكان هذا عام 1948.