أعلنت فصائل سورية منضوية تحت غرفة عمليات «درع الفرات» المدعومة من تركيا، أمس الأحد، إتمام السيطرة على قرية «دابق» بريف حلب، إلا أن تنظيم «داعش» قلل من أهمية دابق خلافا لدعايته السابقة، مميزا بين معركة «دابق الصغرى» و«ملحمة دابق الكبرى». وكانت فصائل المعارضة المنضوية تحت لواء «عملية درع الفرات» التركية، في ريف حلب الشمالى الشرقى، عملت في الأيام الماضية على توسيع نطاق سيطرتها من بلدة الراعى الحدودية باتجاه دابق، وبحسب مواقع معارضة فقد أرسل تنظيم «داعش» أكثر من 1200 عنصر إلى البلدة، سحب بعضهم من جبهات حمص ومناطق تماس مع قوات سوريا الديمقراطية، وبينهم نحو 1000 مقاتل استقدمهم التنظيم من خارج سوريا. وسقوط دابق، هو سقوط لنبوءة كبرى لدى تنظيم داعش، إذ يعتقد أن الملحمة الكبرى التي ستحدث آخر الزمان ستكون في بلدة دابق، بين جيش المسلمين وجيش الكافرين، أي أن لتلك البلدة أهمية دينية رمزية لهم. وتكتسب دابق بعدا تاريخيا نسبة لمعركة «مرج دابق»، التي انتصر فيها العثمانيون على المماليك شمال حلب، وكانت بوابة سيطرتهم على سوريا وانضمامها إلى الدولة العثمانية، ولأهميتها أطلق داعش اسم (دابق) على مجلته التي تصدر باللغة الإنجليزية، التي وجهها للغرب خصيصًا، وهى تعد إحدى أهم عناصر الدعاية التي وظفها التنظيم بشكل كبير. النبوءة لها وقع خاص لدى التنظيمات الإسلامية، لكنها بلغت مبلغا عظيما لدى «داعش» وتنظيمات الشام، حتى إنه لا يقع حادث إلا ويضعون له تصورات ورؤى تصدر عن تأويلات لنصوص دينية، ونبوءات لما يسمى «أيام الملاحم الكبرى» التي تقع قبل قيام الساعة. وقد أسقطوا ما ورد في النصوص على الواقع بحسب قراءتهم وفهمهم، ولذا فبمجرد أن سمع التنظيم رقم «12» ورقم «62»، شعر أن النصر قد اقترب، ورفع أنصاره على مواقع التواصل الاجتماعى «دابق موعدنا»، استنادا إلى رواية وردت في صحيح مسلم، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق (منطقة تتبع أنطاكيا جنوبتركيا) أو بدابق (تتبع حلب شمال سوريا)، فيخرج إليهم جيش من المدينة (يرجّح أن تكون دمشق بحسب تفسير ابن كثير)، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافّوا، قالت الروم: خلّوا بيننا وبين الذين سُبُوا منّا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلّى بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فيُهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا (الذين يرتّدون عن الإسلام بسبب الفتن بحسب ابن كثير) أي لا يلهمهم الله التوبة، ويُقتلُ ثُلث هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينية». وبإعلان جون آلان، منسق التحالف، نيته التوجه إلى دول شرق آسيا لتوسع التحالف الدولى، الذي يضم اليوم 62 دولة، ينظر أنصار «داعش» إلى الأمر على أنه علامة جديدة تتحقق من «النبوءة» بإمكانية وصول رايات الدول المعادية للتنظيم إلى 80، ليكون الموعد مع مقاتليهم في «دابق». في هذا السياق رأى الشيخ عمر محمود المعروف بأبى قتادة، أحد كبار منظرى السلفية الجهادية، أثناء بحثه لأسباب ودوافع ومآلات الثورات العربية في كتابه «المقاربة لنازلة العصر قدرا وشرعا»، «أن الوصف الحقيقى لهذا الحراك هو أنه مقدمات حصول الوعود الإلهية بالنصر والتمكين». واستحضر أبوقتادة ما لبلاد الشام من أهمية ومكانة في الأدلة الشرعية، ثم انتهى إلى القول: «والأمر الآن هو سقوط طاغوت سوريا، وهو أمر سيغير صورة العالم الإسلامى في منطقة بلاد الشام، أرض الوعود والحشر والنبوءات في معركة سيطول أمدها، لأن الأمر فيها ليس أمر الطاغوت وجنده فقط، بل سيمتد إلى الزنادقة الروافض في العراق ولبنان وإيران». وتبدأ النبوءة من راية داعش، وهى راية سوداء مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، فلون الراية والمكتوب عليها ورد في النبوءة التي تشير إلى شكل راية الطائفة المنصورة التي تنتصر في آخر الزمان. ويتعلق البغدادى بإحدى النبوءات الواردة في بعض الأحاديث التي تشير إلى أنها «ستكون نبوة ما شاء الله أن تكون ثم خلافة على نهج النبوة ثم ملكا عضوضا، ثم ملكا جبريا، ثم تعود خلافة كما كانت»، ويصر على أن يعلن الخلافة، ويعتلى مسجد الموصل، ويرفض أن يذهب إلى أي مسجد في الرقة عاصمة دولته، حتى يحاكى هارون الرشيد الذي خطب في ذات المدينة. وتأتى نبوءة دابق، لتأخذ حظها الكبير، فالنبوءة تتحدث عن معركة ما قبل الساعة الأخيرة، التي ستجرى في دابق بين الجيش الكبير للروم، والطائفة المنصورة من المسلمين، حيث ينتصر المسلمون على 80 دولة، وعلى هذا فقد تحدث أتباع تنظيمات الشام وداعش على أنهم الطائفة المنصورة، مستعجلين نزول قوات التحالف على الأرض في المعركة البرية، حتى ينتصروا. واستعان أنصار التنظيم عبر حساباتهم بحديث آخر مسند، يشير إلى أن المعركة في دابق ستكون «عظيمة» تضم مئات الآلاف من المقاتلين، وينص الحديث في نهايته على أنه «تغدر الروم وتجمع للملحمة فيأتونكم تحت ثمانين غاية (راية) تحت كل غاية اثنا عشر ألفا»، ما يجعل تقدير العدد الإجمالى للجيش الذي سيخوض المواجهة مع المسلمين 960 ألف رجل من 80 دولة. ليس داعش وحده الذي يتعلق بتلك النبوءات، فقد جاء في كتاب أصدره حزب التحرير الإسلامى بسوريا، وهو «القول الفصل في أحاديث الشام (دار عقر الإسلام)»، «إن الله قد فضَّل الشام وجعلها فسطاط الإسلام، فإن صحَّ منكم العزم، وخلصت منكم النية، واستقامت طريقكم على نهج رسولكم صلى الله عليه وسلم، فإننا سنشهد بإذنه تعالى عما قريب أحد أبطالكم يرفع لواء دولة الخلافة الراشدة الموعودة فوق دار أمير المؤمنين بحول الله وقوته». كما أن الداعية المصرى محمد حسان له كلمة مشهورة قال فيها: «إن ما نراه بأعيننا في سوريا، ونستمع إليه من وكالات الأنباء، وعبر الفضائيات، ونشرات الأخبار قد تحدث عنه النبى المختار صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى». والواضح أنه من عادة التنظيمات الإرهابية أن النبوءة تظهر في وقت الأزمة، لذا فإنهم دائمًا يكتبون ويقولون إنهم يؤخرون المعركة لدابق، وإن تنظيمهم سيغزو العالم بعد ملحمة دابق. ومؤخرًا أطلق التنظيم مجلة (رومية) وهى إشارة إلى نبوءة أخرى، وهى فتح روما عاصمة إيطاليا الآن، وقد صدرت في ظرف لمحنة مر بها التنظيم، وإصدارها في هذا الوقت هو مرسوم بعناية، بعد مقتل مسئول التنظيم الإعلامي، أبومحمد العدنانى، الذي وضعته المجلة على صفحة الغلاف، كما جاء في وقت قتل فيه أبوعمر الشيشانى، أحد المسئولين العسكريين الكبار للتنظيم، وهنا يشير اسمها إلى روما، وإلى الانتصار، كما تعودوا على الرجوع للنبوءة، حرصًا على أتباعهم، ودعوة للأجانب بمزيد من العمليات. النبوءة الداعشية تغزو شريحة عمرية مهتمة بالشبكات الاجتماعية، وهى شريحة الشباب، وتصل عن طريق مواقع التواصل لعدد كبير من الأفراد، من أجل تنفيذ نوعية كبيرة من الأعمال القتالية، لكن ماذا عقب سقوط دابق، هل تسقط نبوءة رومية أيضًا؟ وهل هذا سيفتح شهية الأتراك وحلفائهم للتقدم نحو حلب والباب ومنبج، بعد دابق؟