«واحة من الفن والجمال» هذا ما يمكن أن تطلقه على منزل الفنان عزت أبوعوف، فور عبور الباب، حيث تشعر للوهلة الأولى وكأنك فى زيارة لمتحف يحمل من ملامح الفن الكثير من صور الرقى والجمال. إنه أسلوب حياة تربى عليه الفنان القدير عزت أبو عوف الذى يهتم بكل التفاصيل واللمسات فى مختلف الأماكن التى يعيش فيها، فيركز على انتقاء ديكوراته بإتقان شديد، بحيث تجمع بين الفخامة والرقى الذى يعبر عن طبيعة شخصيته طوال رحلته الفنية الممتدة لنصف قرن لم ينقب عن أدواره فقط، بل اهتم بالتنقيب عن أشياء تحمل عبق الخلود من تحف وأنتيكات وسيارات كلاسيكية، وكلها أشياء لا تقدر بثمن. ولذلك لا تجد فى بيت عزت أبوعوف ركنا خاليا من لوحة فنية وقطع أثاث راقية، فضلا عن سيارات تعود إلى قرن من الزمان، كان يملكها كبار السياسيين والفنانين.. شخصية أبوعوف وأسلوب حياته المختلف هو ما جعله يكرس حياته وجهده ووقته وينفق ماله على جمع مقتنياته التى يرى أنها لا تقدر بثمن. ظل النجم الكبير طوال سنوات عمره السابقة فارضا سياجا حديديا حول هذه المقتنيات التى جمعها، معتبرا أنها جزء من حياته الشخصية التى لا يجب على أحد الاطلاع عليها، ولكن «البوابة» استطاعت اختراق حاجزه الإنسانى بعد دعوتنا إلى منزله ببساطته المعهودة، مؤكدًا أن هذه هى المرة الأولى التى يسمح بها للصحافة المصرية للقيام بهذه الجولة لمشاهدة سيارة الزعيم جمال عبدالناصر، وسيارة زوج كوكب الشرق أم كلثوم، وبورتيريهات زوجته الراحلة فطيمة، التى يقول عنها أبوعوف: «فطيمة تعيش معى فى كل مكان، ولا أستطيع أن أرى غيرها، فهى كانت أمى وأختى وابنتى وكانت عينى التى أرى بها الدنيا وبرحيلها رحلت الابتسامة والنور الذى كان يضىء حياتى وأدعو الله أن يرحمها ويدخلها فسيح جناته». وتابع: «كنت أعيش فى الزمالك أنا وهى قبل شراء هذه الفيلا بخمس سنوات، وطلبت منى قبل رحيلها أن تنتقل إلى بيت كبير، وبالفعل اجتهدت فى عملى كثيرا، وكنت أعمل ليل نهار لأحصل على أموال كثيرة، وأقوم بشرائها لها، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، فبعد شرائى لها أقامت فطيما بها عاما واحدا فقط، ثم انتقلت إلى رحمة الله، ولكنى أحمد الله كثيرا أننى حققت لها ما تتمناه». ويضيف أبوعوف قمت باختيار أثاث ديكورات المنزل الجديد أنا وهى، فنحن كنا دائمًا نعشق الكلاسيكات فى كل شىء ونقدسها، فلذلك البيت كما يبدو يغلب عليه الطابع الكلاسيكى، «أميل للاستقرار دائما وأشعر أن فطيمة تتواجد معى طوال الوقت، ولم تتركني قط، وقبل استعدادى إلى النوم أذهب إلى السرير وأضع الورود على وسادتها». وقال: «ديكور منزلى يعبر كثيرا عن شخصيتى الكلاسيكية فأنا بالفعل رجل كلاسيكى، ويرجع الفضل فى ذلك إلى والدى ووالدتى رحمهما الله رحمة واسعة، فهما قاما بتربيتى أنا وإخواتى على ذلك، ولا أميل للتكنولوجيا الحديثة، وكل ركن فى هذا البيت له ذكرى وقيمة كبيرة بالنسبة لى، فأنا لا أعتمد على متخصص بعينه فى فن الديكور لاختيار الأثاث، ولكنى أعتمد على ذوقى الخاص فى كل شىء، وبالطبع كان لدينا أنا وفطيمة «ديكورست» فى اختيار ألوان الحائط وتقسيمات المنزل، لكن كنا نعتمد على ذوقنا فى الأثاث والتحف والأنتيكات، وليس هناك شخصية بعينها أقتدى بها فى اقتناء التحف والديكورات، ولا يوجد شخص كان له تأثير علينا فى هذا المجال». خلال تجولنا معه ذهبنا إلى الجراج الخاص بفيلته الذى يضم كل السيارات التى يقتنيها، حيث وقف الفنان عزت أبوعوف قائلا: «أنا أحب أيضًا اقتناء السيارات الكلاسيكية منذ زمن بعيد، عندما قمت بشراء سيارة عبد الناصر التى انتقلت ملكيتها لى عن طريق جراج الرئاسة، لأننى كنت وما زلت صديقا حميما للمهندس عبدالحكيم جمال عبد الناصر منذ أن كان والده الراحل العظيم رئيسا لمصر، حتى هذه الحظة تجمعنا علاقة صداقة وطيدة للغاية، وهو يعى جيدا عشقى لشراء السيارات الكلاسيكية، وقال لى آنذاك إن سيارات والده تباع فى المزاد، وبالفعل ذهبت وقمت بشراء السيارة وسعدت للغاية وقتها أننى سوف أقود سيارة كان يقودها الرئيس جمال عبدالناصر، أما بالنسبة لسيارة زوج كوكب الشرق أم كلثوم عندما قمت بشرائها من شخص ما كنت لا أعلم وقتها، أنها تعود لعائلة أم كلثوم وعلمت بعد ذلك». وانتقل النجم الكبير إلى الحديقة الخاصة به التى تحدث عنها قائلا: «أشعر بحالة من الارتياح الشديد والرضا النفسى عند جلوسى فى هذا المكان أمام «البسين» والخضرة والزرع ووسط الكلاب الخاصة بى، فأنا أعشق تربية الكلاب بشكل خاص، ولدى كلبان اعتبرهما أصدقاء حقيقيين لى، وأرى أن الكلاب فى الغالب أكثر وفاء من البشر، أداعبهم دائمًا وأظل معهم طويلا». لمكتبة أبوعوف مكانة خاصة فى قلبه وقد ظهر ذلك واضحا أثناء حديثه عنها حيث قال: «هذه المكتبة أضع فيها كل شىء، وأحتفظ بداية من أول عدد أصدرته جريدة الأهرام إلى وقتنا هذا، وهذه أيضًا مكتبة أفلام تحمل آلاف الأفلام منذ أفلام الأبيض والأسود حتى هذا العصر، وهذه هى جوائزى وشهادات التقدير التى حصلت عليها طوال حياتى، وتلك آخر وأول جائزة حصلت عليها من مهرجان الإسكندرية للأغنية بعد 50 عاما على العزف والغناء». توجد فوق جدران مكتبته لوحة تحمل البوستر الخاص بفيلم «من 45 يوم». واستكلمنا سيرنا إلى مرسم اللوحات والأنتيكات والتحف الخاصة به، واستعرض لنا كل محتوياتها، مؤكدا أن هذه الصور قام بشرائها من كل مكان فى العالم باريس وإيطاليا والسودان ومصر وغيرها من البلاد، ومعظم الصور تعبر عن المرأة التى يقدسها ويعشقها للغاية ويحترمها كثيرا لطبيعة دورها كأم وأخت وابنة وزوجة. وفى ركن آخر داخل المرسم يضم صورًا للعائلة المالكة لأن زوجته فطيمة كانت آخر اسم من العائلة، مشيرا إلى أن جدها كان وزير الحربية والملك فؤاد كان جدها الأكبر، وتابع «هذا اللوجو كان داخل القصر الملكى، وكان إهداء من ابنى كمال وأيضًا هذه السيوف والسجادة حصلت عليها من العائلة المالكة للسلطان حمدى باشا»، وأوضح أن هذه اللوحة للرسام العالمى ماهر مرقص الرسام الخاص بالبيت الأبيض، ونحن مازلنا أصدقاء حتى الآن، وأيضًا هذه صورة أخرى عمرها 150 عاما، والصندوق أيضًا منذ قديم الأزل والتقينا بنجله فى أول ظهور صحفى له. صعدنا الدرج، حيث غرفة النوم الخاصة به التى قال عنها أبوعوف: «هذه الغرفة من أكثر الغرف التى أعشقها وأضع فيها صورة قامت برسمها والدتى، ورغم أن هذه الصورة لم تكن ملائمة لغرفة النوم، لكنى أعتز بها كثيرًا لأنها تخصها وأشعر بالراحة والسكينة والطمأنينة فى هذه الغرفة أيضًا لأنى أشعر أن فطيمة تمكث بها وأضع لها الورود على الوسادة كل ليلة قبل أن أغمض عيناى».