«الحلق أو التقصير» من واجبات الحج والعمرة وأحد أركانهما، وهو نسك من مناسك الفريضتين، وأمر واجب على المحرم، ولا يتحلل المرء من إحرامه إلا إذا فعل أحدهما، مصداقًا لقوله تعالى «لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين»، كما أن النبى كان يحلق إذا أراد أن يتحلل من إحرامه ويأمر أصحابه بذلك، ودعا للمحلقين والمقصرين بالمغفرة والرحمة. ولا يكون الحلق أو التقصير إلا بعد اكتمال أغلب أعمال الحج، والتحلل من الإحرام للحاج نوعين «التحلل الأصغر» و«التحلل الأكبر»، فالأول - الأصغر - يكون تحديدًا بعد رمى جمرة العقبة يوم النحر، فيؤديها المحرم كى يتحلل من إحرامه ويحل له كل شيء إلا النساء، ويكون بعمل اثنين من ثلاثة: «الرمى يوم النحر»، و«الحلق أو التقصير»، و«الطواف المتبع بالسعى بالنسبة للمتمتع والقارن والمفرد»، أما الثانى - الأكبر - فيكون بتمام الثلاثة وفعلها جميعًا، فقد قال تعالى «وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله»، والتعجيل بهما قبل الانتهاء من أعمال الحج خشية الوقوع فى محظورات الإحرام إذا طال به أمد المنع. وورد عن عبدالله بن عمر قال «حلق النبى وطائفة من أصحابه، وقصّر بعضهم»، وروى أيضًا عن أبى هريرة أنه قال: قال الرسول «اللهم اغفر للمحلقين»، فقالوا يا رسول الله وللمقصرين؟ قال «اللهم اغفر للمحلقين»، قالوا يا رسول الله وللمقصرين؟ قال «اللهم اغفر للمحلقين»، قالوا يا رسول الله وللمقصرين، قال «وللمقصرين»». ويختلف الحلق والتقصير فى الحج والعمرة، ففى الأول فهما يتقيدان بالزمان وهو أيام النحر، وبالمكان وهو الحرم، فمن أخرج الحلق عن الزمان، لزمه دم، ومن أخرجه عن المكان، لزمه دم أيضا، وأما فى العمرة، فلا يتقيدان بزمان، بل بمكان فقط، لأن الحج أوقاته معروفة غير العمرة. وصفة صفة «الحلق أو التقصير» تختلف عند الرجال والنساء، فالرجال يحلقون شعرهم كاملًا أو يقصرونه بالتساوي، أما المرأة فتقصر من شعر رأسها قدر الأنملة - أى ما يساوى 2 سم - من طرف ضفيرتها، واختلف الفقهاء فى كيفية التقصير، وفى قدر ما يؤخذ من الشعر أثناء التحلل الأصغر فقيل ثلاث شعرات، وقيل: ربع الرأس. وقيل: أكثره وقيل: تعميم جميع الرأس بالتقصير، ولكن الأحناف قالوا «يجب أن يزيد التقصير على قدر الأنملة من جميع الشعر»، أما المالكية والحنابلة فقالوا «إن التقصير بقدر الأنملة أو أزيد أو أنقص بيسير وهذا الذى يصدق عليه مسمى التقصير». والواجب على المحرم أن يحلق أو يقصر جميع شعر الرأس ولا يجزئ البعض - أى يحلق أو يقصر جزءًا ويترك جزءًا - ولكن المذاهب الفقهية اختلفت حول التجزيئ فى الشعر، فالإحناف يرون أن «أقل ما يجزئ فى الحلق أو التقصير هو الرب»، وذهب الشافعية إلى أن أقل ما يجزئ «ثلاث شعرات». وقال ابن قدامة فى كتاب المغني: «يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره، وكذلك المرأة، وقد نص عليه الإمام أحمد، وقال به الإمام مالك، حيث قال الإمام أحمد (يجزئه البعض)، وقال الشافعي: (يجزئه التقصير من ثلاث شعرات)، وذكر أيضًا ابن قدامه فى كتابه (يستحب إذا حلق المرء أن يبلغ العظم الذى عند منقطع الصدغ من الوجه)، وكان ابن عمر يقول للحالق: أبلغ العظمين، افصل الرأس من اللحية».