«دكتور زيفاجو».. واحدة من أكثر الروايات إثارة للجدل على مر العصور، ويعد الفيلم الملحمى المأخوذ عنها، من بطولة النجم المصرى الراحل عمر الشريف عام 1965 من أشهر الأعمال السينمائية على الإطلاق، حيث حصد خمس جوائز أوسكار، وهو ثامن أنجح عمل سينمائى على مستوى شباك التذاكر فى التاريخ. الرواية للكاتب الروسى بوريس باسترناك، الذى تفاجئنا ابنة أخيه «آنا باسترناك» بعد ما يقرب من 60 عاما على صدورها فى 1957 بالقصة الحقيقية التى ألهمت «دكتور زيفاجو». تقول «آنا» فى كتاب صدر منذ أيام لدار النشر «ويليام كولينز» فى حوالى 336 صفحة، وتحت عنوان «لارا.. قصة الحب غير المروية التى ألهمت دكتور زيفاجو»، وتكشف فيها عن أن «بوريس باسترناك» هو «دكتور زيفاجو». وتؤكد المؤلفة أن سيرة عمها تحمل الكثير من معانى الشجاعة والولاء والمعاناة والمأساة والدراما والخسارة، وأن «لارا» التى كتب عنها «بوريس» فى روايته هى حبيبته فى الواقع التى تدعى «أولجا إيفانسكايا». ووفقا لصحيفة «الديلى ميل» البريطانية، تروى «آنا» كيف عاش عمها هو و«أولجا» قصة حب مأساوية فى موسكو، فيما قبل الثورة الروسية وما بعدها، وتطرقت بشكل كبير إلى أيديولوجية الثوار وأفكارهم وطموحاتهم وأحلامهم، وهم يخططون لثوراتهم، وماذا تفعل السلطة فيهم بعد تحقيقهم أهدافهم ووصولهم إلى سدة الحكم فى بلادهم؟ وبينما يتغير المشهد السياسى ويسقط نظام القياصرة الروس، تعكس علاقة الحب بين المؤلف وبطلة روايته حالة الاضطراب السياسى الذى كان يسيطر فى جميع الأوساط نتيجة أحداث الثورة، وكذلك الحرب العالمية الأولى التى كانت تدور رحاها فى تلك الفترة، وكيف تتغير المواقف وتتبدل الأفكار بين الثوار قبل السلطة والثوار بعد السلطة؟ وأثارت «آنا» فى روايتها الجديدة كيف شعر «باسترناك» بالخذلان والخيبة من الشعارات الشيوعية، وامتنع عن نشر شعره، وتوجه إلى ترجمة الشعر العالمى إلى الروسية، ورغم أفكاره فإن ستالين لم يقم باعتقاله، لأنه كان يحب كتاباته، والغريب أنه حتى عندما حول كتابات شكسبير للغة الروسية حولها بمفهومه هو، لأنه كان يمتلك قدرة لغوية عجيبة، وهى التى أنقذته من ستالين الذى وصفه ب«ساكن الغيوم». وتوضح المؤلفة أنها لم تفقد حالة الرومانسية الشديدة التى كان يمثلها «باسترناك» وحبه لبلاده، رغم الصراعات الحقيقية التى آلمت نفسه جراء الظروف السياسية، إلى حد رفضه جائزة نوبل للآداب باعتبارها من الغرب. وتقول إن «أولجا» عاشت حتى 1995، والتى كانت فى الرواية اسمها «لارا»، وفى عام 1983 كتبت أولجا رسالة إلى الرئيس الروسى بوريس يلتسين، تتوسل له ليعيد لها جميع رسائل الحب التى كان يرسلها لها «باسترناك» عندما ذهبت إلى معسكرات سيبيريا للعمل هناك، التى كانت قد صودرت من قبل «الكى جى بى» بعد وفاته، لكنه رفض طلبها. وبحسب صحيفة «ذا اسبكتاتور» الأمريكية فإن الكثيرين يعشقون «دكتور زيفاجو»، لما فيه من قصة حب رومانسية ومأساوية بين الطبيب الشاعر والجميلة «لارا» فى روسيا ما بعد الثورة، وقد زاد من جمالها فيلم جولى كريستى وعمر الشريف الذى أخرجه ديفيد لين، ليزيد من انتشار الرواية وثرائها السياسى والاجتماعى. وتأتى رواية «آنا» لتضفى المزيد من السحر بعد 60 عاما، وتقول فيها إن بوريس التقى «أولجا» عام 1946، وكانت تعمل فى مجلة أدبية بمكتب موسكو تسمى «العالم الجديد»، وكانت تبلغ من العمر 34 عاما، وهو كان شاعرا وكاتبا شهيرا عمره 56 عاما، وكانت ذات شعر أشقر وعيون زرقاء، وارتبطا بقصة حب استمرت حتى وفاته فى عام 1960. وبحسب الرواية الجديدة فإن «باسترناك» يهوى تعذيب نفسه، لأنه يعيش قصص الحب التى لا نهاية لها، وبها الكثير من العذاب والمعوقات، فضلا عن أنه كان عنيدا، ورغم قمع نظام خروشوف وعدم طباعة الرواية فى روسيا، إلا أن المخابرات الأمريكية قامت بتهريبها ونشرتها للمرة الأولى فى إيطاليا 1957، ومن بعد ذلك فى جميع أنحاء العالم، وفى غضون عامين ترجمت إلى 23 لغة، إلا أنها لم تصل إلى روسيا غير فى عام 1988. وكان تهريب الرواية من روسيا والعمل على نشرها تحديا للشيوعية، وكانت طريقة لإثارة الروس وقتها، حتى يتذمروا من حياتهم ويتساءلوا عن قمع حكومتهم لأحد كتابهم. الغريب فى الأمر أن المخابرات البريطانية كانت أول من أدرك القيمة الدعائية للرواية فى 1958، وأرسلت لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية نسختين مصورتين من صفحاتها، وهى التى أوصت بنشرها فى الاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية المجاورة، وأعطت تلك الخطة الخبيثة لنظيرتها الأمريكية. الغريب أنه حتى الآن تحتفظ وكالة المخابرات الأمريكية بنسخة أصلية للرواية فى متحفها الخاص بولاية فرجينيا وسط أجزاء من غواصات وأسلحة تفتخر «سى آى إيه» باستخدامها للقضاء على أعدائها أو أثناء حروب التجسس، وحتى الآن هى القطعة الأدبية الوحيدة فى تلك الأجواء الحربية، وهذا إن دل فإنما يدل على أهمية الرواية كأداة استخباراتية وسلاح دعائى أثناء فترة الحرب الباردة، ذلك مع الاعتراف بجدارتها الأدبية. ومؤخرًا أفرجت وكالة المخابرات الأمريكية «سى آى إيه» عن 100 وثيقة بأكثر من لغة ما عدا الروسية التى تتعلق باستخدامها لرواية «دكتور زيفاجو» فى السنوات الماضية، إلا أنها أفرجت مؤخرا عن الوثائق باللغة الروسية، لتجعل الشعب الروسى يقرؤها، وهو التوقيت الذى تتجدد فيه أجواء الحرب الباردة مجددا، وفك حظرها باللغة الروسية يأتى لتأليب الشعب الروسى على الرئيس فلاديمير بوتين، ومحاولاتها للتأثير عليه من خلال الأدب والفن، مثلما تفعل فى جميع أنحاء العالم، واستخدامها للعديد من المؤلفات والأفلام حتى فى أحداث الربيع العربى.