فى ظل الظروف الأمنية التى تشهدها شمال سيناء، ومواصلة الدولة محاربة الإرهاب، تتضاعف معاناة العاملين بقطاع الإسعاف والنظافة والكهرباء، بالمحافظة عامة، وفى مدن العريش والشيخ زويد ورفح، على وجه الخصوص، فمنذ أكثر من ثلاثة أعوام يتعرض هؤلاء للموت كل لحظة، ويتساقط زملاؤهم شهداء أمام أعينهم، لكنهم يواصلون العمل، ولا يستسلمون للإحباط، مقتنعين بأن عملهم رسالة سامية، وجهاد فى سبيل الوطن. «البوابة نيوز» تفتح هذا الملف، من خلال رصد حياة بعض هؤلاء الأبطال، الذين يعملون فى ظروف غاية فى القسوة، وانطلاقًا من الواجب الوطنى والمهنى، نسلط الضوء على هذه النماذج المشرفة، التى لا يقل دورها رجال الجيش والشرطة، فى الحرب على الإرهاب. رجال الإسعاف: فى البداية؛ يوضح الدكتور محمود عامر، مدير مرفق إسعاف شمال سيناء، أن رجال الإسعاف فى شمال سيناء، يعملون فى ظروف غايةً فى الخطورة، وأنهم يحملون أرواحهم على أكفهم، لأنهم معرضون للموت فى كل لحظة، بعبوة ناسفة قد تنفجر فى أى لحظة، فى سيارة الإسعاف، أثناء تأدية عملهم، أو عبر استهداف سيارة الإسعاف بطلقة طائشة، فضلا عن احتمال تعرضهم للخطف، أو الضرب بالأسلحة الثقيلة، من قِبَل العناصر الإرهابية. وقال «عامر»، إن الوضع فى شمال سيناء خطيرٌ للغاية، خاصة بالنسبة لرجال الإسعاف الذين يعملون فى مناطق الاشتباكات، بالشيخ زويد، ورفح، لكن إيمانهم برسالتهم السامية فى إنقاذ أرواح المواطنين، تجعلهم يستمرون فى العمل دون تخاذل، مؤكدًا أن العمل مستمرٌ بكامل طاقته، رغم التهديدات التى نتلقاها من العناصر الإرهابية. وأضاف، أن رجال الإسعاف روحهم المعنوية عالية جدًا، ولن تثنيهم التهديدات ولا الوضع الأمنى، عن أداء عملهم، والقيام بواجبهم، رغم ما تعرضوا له من إصابات، كان آخرها استهداف سيارة إسعاف بمنطقة أبوطويلة، بالشيخ زويد، أسفر عن إصابة السائق والمسعف، حيث تعاهد رجال الإسعاف على مواصلة إنقاذ المصابين والجرحى حتى لو تعرضوا للموت. وطالب «عامر» بالتأمين على حياة المسعفين والسائقين، والذين يتعرضون للموت، وإقرار بدل مخاطر لهم من الحكومة، لتأمين أسرهم، حيث إن غالبية المسعفين والسائقين معينون منذ وقت قريب، ومعاشهم فى حال الوفاة لا يتعدى 400 جنيه شهريًا، وهو مبلغ زهيد لا يكفى أسرهم فى حال تعرضهم لأى مكروه، مشددًا على ضرورة إنشاء مبنى جديد لمرفق الإسعاف، نظرًا لوجود المبنى الحالى وسط المدينة، فى الكتلة السكنية، وهو أمر يعوق تحرك سيارات الإسعاف بسرعة، فضلاً عن كونه مبنى منذ أوائل الثمانينيات. وأشار مدير مرفق إسعاف شمال سيناء، إلى أن لديهم 65 سيارة إسعاف، و20 سيارة أخرى؛ ما بين فناطيس مياه، وسيارات خدمية، وقد فقدنا 4 سيارات، ما بين اختطاف وتفجير أسفر عن تحطمها بالكامل، كما يضم المرفق 450 عاملا، ما بين سائق ومسعف وإداري؛ موزعين على جميع مناطق المحافظة، حيث تغطى سيارات الإسعاف جميع مدن وقرى المحافظة، والطرق الدولية. كان تنظيم «بيت المقدس» الإرهابى، قد أصدر بيانًا يهدد فيه رجال الإسعاف باستهدافهم، فى حالة نقل المصابين والجرحى من الجنود والضباط، من قوات الأمن، محذرًا من أن أى سيارة ستقوم بنقل الجنود والضباط سيتم استهدافها. عمال النظافة: عمال النظافة، بشمال سيناء، أيضًا، معرضون للموت، حيث اعتادت عناصر تنظيم «بيت المقدس»، على وضع العبوات الناسفة فى مقالب القمامة، ليتم تفجيرها فى الآليات العسكرية التى تمر على الطريق، وهو ما يعرض أرواح العاملين فى النظافة للموت. وقد لقى أحد العاملين بشركة النظافة بالعريش، ربه شهيدًا، الجمعة الماضي، أثناء قيامه بتحميل القمامة من شارع البحر بالعريش، لتتحول جثته إلى أشلاء، ومعه 3 مواطنين كانوا فى محيط الانفجار. ويتلقى عاملون بشركة النظافة تهديدات، من قبل عناصر التنظيم الإرهابى، لمنعهم من نقل القمامة، وقد تعرض جراج شركة النظافة بشارع أسيوط، بالعريش للتفجير، واحتراق حوالى 40 سيارة تابعة للشركة، كما تعرض بعض العاملين الذين تم حجزهم فى إحدى الغرف، للتهديد من قبل العناصر الإرهابية، وطالبوهم بعدم العمل فى نظافة المدينة. يقول والد الشهيد محمد رمضان، عامل النظافة الشهيد: ابنى «محمد»، 14 عامًا، يعمل معى بشركة النظافة، يساعدنى على متاعب الحياة، ولم أكن أعلم أن عمله فى النظافة سيودى بحياته، لقد قمت بجمع أشلاء جثته، عقب الانفجار. ويضيف شاهد عيان، إن الشهيد محمد وجد كيس زبالة بجانب الطريق، فقام بتحمليه لسيارة النظافة كعادته، ولم يكن يعلم أن بداخل الكيس عبوة ناسفة ستقضى عليه». ويقول محمد سيد، أحد العاملين بشركة النظافة: «لن نتوقف عن العمل، ونعتبر عملنا رسالة، ونحن لا نخشى الموت، فكلنا مشروع شهيد، واستشهاد زميلنا أعطانا دفعة قوية، وكلنا على قلب رجل واحد، حتى لا نعطى الفرصة للعناصر الإرهابية لقتل جنودنا وإخوتنا؛ مناشدًا المواطنين عدم رمى القمامة بشكل عشوائى، وعليهم انتظار سيارة القمامة حتى لا تكون هناك أكوام قمامة، يتخذها الإرهابيون فرصة لوضع عبواتهم الناسفة. من جانبه؛ يوضح الدكتور حسام رفاعى، عضو مجلس النواب، أن أهالى سيناء هم ضحايا الإرهاب، مع رجال الجيش والشرطة، فكل يوم يسقط منهم شهيد أو مصاب، بسبب الإرهاب الذى أصبح لا يفرق بين مدنى وعسكرى، وأصبحت العبوات الناسفة فى كل مكان، لتحصد أرواح الأبرياء، والتى كان آخرها الشهيد عامل النظافة، الذى نعتبره تاجًا على رءوسنا، وعلى الدولة وضع خطط لحماية أولئك الذين يعملون فى ظروفٍ استثنائية. العاملون بالكهرباء: كذلك؛ يتعرض العاملون بشركة توزيع الكهرباء بمدينة الشيخ زويد، للموت فى كل لحظة، خاصة أولئك الذين يعملون فى أماكن الاشتباكات، لتصليح أسلاك الكهرباء التى تتعطل بسبب الرصاص والقذائف، وسقوط الدانات والرصاص على الخط المغذى لمدينة الشيخ زويد، أثناء الاشتباكات التى تقع بين رجال الأمن والإرهابيين، مما يتسبب فى قطع التيار الكهربائى، عن مدينتى الشيخ زويد ورفح، لأكثر من ثلاثة أيام متتالية. وقد تسبب العمل فى ظل هذه الطروف إلى استشهاد 5 من العاملين بشركة كهرباء الشيخ زويد، وإصابة 6 آخرين، فى حوادث متفرقة، بسبب الاشتباكات الدائرة بمنطقتى الشيخ زويد ورفح. ويقول عز الدين أبورفاعى، فنى كهرباء بشركة توزيع الكهرباء، إن العاملين فى شركة الكهرباء بالشيخ زويد ورفح، يعملون فى ظل ظروف صعبة للغاية، ورغم هذا فإنهم يستكملون مسيرتهم فى العمل، ويخرجون للعمل فى أى وقت من اليوم، ولا يتأخرون عن أداء واجبهم. ويضيف «رفاعي»: كهرباء الشيخ زويد، يتم نقلها من غرب العريش، إلى جنوب الشيخ زويد، بواسطة (خط 66/ ك فولت)، لتغذية محطة كهرباء «الوحشي»، جنوب الشيخ زويد، وبدروها تقوم بتغذية مدينتى الشيخ زويد ورفح بالتيار الكهربائى، ونظرا للاشتباكات التى تقع بين العناصر المسلحة وقوات الأمن، فإن خط 66 يتعرض للقصف، مما يؤدى لانقطاع التيار الكهربائى عن الشيخ زويد ورفح، والقرى التابعة لهما. من ناحيته؛ أوضح المهندس خليل حماد، رئيس شركة توزيع الكهرباء بالشيخ زويد، أن الفنيين العاملين بشركة الكهرباء، معرضون للموت فى كل لحظة، بسبب الظروف الأمنية بالمنطقة، إلا أنهم يصرون على مواصلة العمل، من أجل الأهالى من أبناء مدينتهم، وقد استشهد خمسة فنيين بالشركة، نتيجة انفجار عبوات ناسفة، أثناء قيامهم بعملهم، فى حوادث متفرقة، كما أصيب 6 من العاملين، أثناء تأدية عملهم، لإصلاح الأعطال التى تتعرض لها أعمدة الكهرباء. وطالب «خليل» بتعيين فنيين وسائقين بالشركة، بسبب الأعطال المستمرة، والظروف القاسية التى تعانى منها المنطقة، بالإضافة إلى توفير جرار زراعى لشد الأسلاك، وسيارات لنقل الفنيين، مؤكدًا أن المرفق ليس به سوى سيارة واحدة، تتعرض للأعطال كثيرًا. أما النائب إبراهيم شعيرة، عضو مجلس النواب عن دائرة الشيخ زويد ورفح، فيقول إن المهندس جابر الدسوقى، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للكهرباء، أكد لنواب المحافظة، أن الطلب الذى أرسلته لوزير الكهرباء، بخصوص خط كهرباء ال66، تم تحويله إليهم، وتم وضع ثلاثة حلول تبادلية، لتنفيذ أحدها، وتحويل مسار الخط لمنطقه آمنة، أو استبدال الهوائيات فى هذه المنطقة إلى كابلات أرضية، أو تركيب محطة توليد كهرباء للتغذية. وأضاف «شعيرة»، قائلا: «لقد أخذنا وعودًا من رئيس الشركة، بإيجاد حلول لمشاكل المنطقة، وأهمها موضوع خط ال66 بالشيخ زويد، والدائم الأعطال، بسبب تكرار استهدافه، لافتًا إلى أنه وعد بأنه سيتم قريبًا اختيار أسرع الحلول الثلاثة، وأقلها تكلفة، لتنفيذه على الفور، لحل تلك المشكلة».