* الإنسان هو الأزمة الوجودية التي نعيشها.. ولا آبه للحديث عن الكتابة النظيفة أو غير النظيفة * أحاول أن أجعل المرأة نفسها ولا أفرض عليها شيئًا هو "عمدة وسط البلد" كما يُطلق عليه أصدقاؤه ورفاق جلساته الدائمة بمقهى البستان العتيق، عاش طويلًا متنقلًا بين الحكايات، عشقها لأعطته منها الكثير، هكذا أسرته البجعة بتغريدتها، وكشف ثورة يناير بكراسة التحرير، ووقع في شباك حب جيهان، حتى ثمل ليقدم بياعين الفرح، هكذا تمضى حياة الكاتب والروائى مكاوى سعيد، الذي بدأ حياته بالشعر، حتى حجز مكانه بين الأدباء، وقاده الحديث مع «البوابة» عما قدم من أدب، حتى حكى أيضًا ملامح أعماله القادمة. البداية كانت مع «أن تحبك جيهان» التي اعتبرها البعض تطويلا زائدا، نفى هذا الرأى واصفًا أصحاب هذا الرأي بمتوسطى الموهبة الذين لا يستطيعون كتابة 30 صفحة سليمة»، مُشيرًا إلى أن الرواية رغم أنها لم يمر عام على صدورها تصدرت قائمة الأكثر مبيعا أكثر من مرة، ووصلت إلى الطبعة الخامسة: «ولكن بطبيعة الحال لا أحبذ الحشو، ومعروف أن متوسط كتاباتى يتراوح بين 150 إلى 300 صفحة، ولكن هذه احتوت على عديد من التفاصيل»؛ وأكد أن تجربة الكتابة الطويلة أجهدته للغاية وقال: "كنت في حالة مجهدة لمحاولتى الدائمة إمساك زمام الرواية، وبالأخص أن تحبك جيهان أخذت ما يقارب من ثلاث سنوات ونصف، وكنت في حالة مجهدة لمحاولتي الدائمة إمساك زمام الرواية، ولكن هذا الإجهاد لا يعني أن اتوقف عن كتابة الرواية الطويلة، على حسب الموضوع". وفي الوقت نفسه رفض اعتبار بقاء الرواية على قوائم الأكثر مبيعًا لعدة أشهر أحد أسباب النجاح " أؤمن بأن لكل كاتب قراءه الذين ينتظرون أعماله، ويمكن أن ينسحب منه قراء، إقبال الناس على رواية يكون إقبال على الكاتب نفسه واقرار على جودة منتجه، وعن تجربتي فإن دعمي يأتي من القارئ لا غيره" وأضاف "بالنسبة لي أن تحبك جيهان جاءت بعد فترة انقطاع عن كتابة الرواية استمر تسع سنوات ودائما ما يستوقفني القراء ويسئلون متي سأصدر رواية جديدة، وبعد صدورها استمرت الرواية تسعة أشهر على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا بمكتبات عديدة بهذا الحجم شيء أسعدني للغاية. لكنه ليس معيارًا". كانت «كراسة التحرير» بمثابة شهادة مكاوى على ثورة يناير، ومع ذلك لم يستبعد أن يقوم في المستقبل بالكتابة عنها مرة أخرى بقوله: «رغم أننى أفكر مؤخرا في التوجه إلى الكتابة عن مرحلة تاريخية بعض الشيء، ولن أذكر هذه المرحلة في الوقت الحالى، حتى أجمع خيوط أفكارى»، وهو ما بدا في توقفه عن كتابة الأدب بصورة عامة: «فأنا مستغرق في استقاء المعلومات التاريخية والحياتية لحقبة زمنية هامة في عمر مصر، تمهيدًا لكتابة عمل تاريخى مستقى من تلك الحقبة، ودائما ما تأخذ القراءات وقتا أطول من الكتابة نفسها»، في الوقت نفسه يعيش في طور كتابة سيناريو لدراما تليفزيونية رفض الإفصاح عنها حاليا، ويرى أن أي كتابة عن الثورة لن تكون مخصصة للجيل الحالى، فيقول: «حيث إن كل ما كتب عن الثورة من تجارب توثيقية وأدبية ستكون قراءة بالتاريخ، ولا ننكر- اتفقنا أو اختلفنا مع جودتها- قيمتها الأدبية، الأهم أنها شهادات حقيقية نابعة من قلب الحدث ستكون قراءة للتاريخ". وعلى ذكر القراء، لفتّ نظره إلى هناك البعض ممن ينزعجون من ملامح الأدب الايروتيكي والمشاهد جنسية في بعض أعماله، عندها نفى تمامًا هذا الحديث "فلا يوجد ناقد واحد لفت الانتباه إلى وجود جنس أو كتابة فاضحة، كما أن متابعيَّ يعرفون أنني لا أحتاج مثل تلك الحيل للترويج إلى أعمالي، أنا أكتب الحياة، ونماذج الشخصيات هي التي تفرض ذكر ملامحها، ولكني لا أكتب الجنس كجنس في ذاته بل كحالة شعورية لدى الشخصيات، لهذا لا آبه بالحديث عن الكتابة النظيفة أو غير النظيفة، الأدب هو الحياة وأنا أنقل الحياة". «تغريدة البجعة» كانت أول رواية لمكاوى سعيد تصل إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، يراها بوابته للعبور إلى الشهرة بالعالم العربى، ويقول عنها: «قبل تغريدة البجعة كنت معروفا في مصر نوعًا ما، وبفضل تلك الرواية وترشحها إلى البوكر رسمت لى ملامح مستقبل مختلف، وجعلت القراء ينتظرون ما أكتب، وشهرة الرواية تعود إلى أن الجائزة كانت وليدة في دورتها الأولى، وكان هناك اهتمام بالغ بالأعمال المشاركة والكتاب المشاركين»؛ هكذا، وبالتعمق في أعمال مكاوى سعيد يظهر الإنسان كحلقة الوصل بينها، فيبدو مشروعه الأدبى وكأنه «كتابة الإنسان»، وهو ما يؤكد عليه بقوله: «لديَّ ربط بين الإنسان والمكان، الإنسان هو الأزمة الوجودية التي نعيش بها، كذلك الكتابة عن التاريخ في المشروع القادم تهتم بالإنسان والحياة»، نافيًا أن يكون فقد المعايشة في الكتابة عن التاريخ يمكن أن يفقد الرواية لجمالياتها «فبالنسبة للتاريخ هناك أدوات تتم الاستعانة بها، وخلق المعايشة من خلال ما تقرأ وما تتخيل وما تتصوره فيما مضى»، مُضيفًا أن الإنسان والمكان وجهان لعملة واحدة، كل منهما انعكاس للآخر ويخلص ذلك في قوله: «وسؤالى الدائم حينما أكتب، ماذا يضيف الإنسان للمكان وماذا يضيف المكان للإنسان؟». يأتى الموت وفقد الحب كأبرز تيمات الكتابة لدى مكاوى في أعماله، ليراه البعض «كاتب تشاؤمى»، إن جاز الوصف الذي رفضه بقوله «تلك التيمات هي الحياة ذاتها، فالموت والحياة مسألتان وجوديتان ولا جدال فيهما وهما صراع الإنسان مع الزمان، أما الفقد فكان موظفا بعناية في أعمالى، ومسار الأحداث هو الذي يفرض تلك النهايات المأساوية، فتغريدة البجعة كانت مرثية إلى زمن جميل للبطل المشغول طوال الوقت بالفقد لمحبوبته التي لا يجد لها نظيرا ببنات جنسها»، هذا السياق الذي انحاز إلى الحكاية لا إلى النوع، جعل البعض يراه منصفًا للمرأة لتصدرها الفعل، ولكنه كذلك يجعلها الجانية والمجنى عليها في الوقت عينه، ويقول عن ذلك: «المرأة لدى أحاول أن أجعلها نفسها، فلا ألصق لها حديثا لا يلائمها، في رواية جيهان، كانت هناك امرأتان كل منهما تمثل وجها مختلفا عن نظيرتها، مع هذا حاولت قدر الإمكان الإمساك بزمام مشاعر كل منهما، تتحدث كل واحدة بلسانها ولا أفرض عليها لسان حالي، في الناحية الأخرى كان في كل شخصية ذكورية هناك جانب منها، أجدنى في أحمد الضوى وكذلك مصطفى، فمصطفى كان يعلم الأجانب بأحداث الرواية، وأنا أيضًا عملت كمعلم عامية للأجانب بعد تخرجى من كلية التجارة ببداية حياتى». على النقيض من الأعمال السابقة، جاء كتاب «بياعين الفرح» بلا علاقة بالأدب، هو في رأى كاتبه «أرشفة لما يكتبه الكاتب من وجهات نظر ومقالات»، قدم فيه مقالات على اتصال وثيق ببعضها، ويقول عنه: «فأنا أتحدث عن صانعى البهجة من الفنانين والرسامين وصانعى البهجة من البسطاء، كما أننى أحرص على إضافة مقالات جديدة لم تنشر من قبل، سواء في بياعين الفرح أو كتاب أحوال العباد من قبله، وهناك جمهور لتلك الكتابات غير الأدبية والتي لا تنتمى إلى عالم الرواية والقصة»؛ ورغم خوضه هذا العالم، نفى أن يعود للشعر مجددًا قائلا: «حيث إننى لم أتطور منذ كتاباتى الأولى، واهتممت بالكتابة النثرية أكثر، وبالنسبة للشعر أتمنى أن يعود الشعر للقمة، حيث إنه يتلاءم مع عصر السرعة، ولكنه لا يلبى احتياج القارئ، وهو السبب في ظهور نماذج زاب ثروت، لا انتقده ولكنه يكتب كتابة بسيطة، وأدعو الباحثين والنقاد للبحث في تلك المسألة، لماذا لا يوجد الشعر على الساحة الثقافية؟». يرى مكاوى أن بعض دور النشر التي تتبع منهج «ادفع تنشر» تدفع الساحة الثقافية نحو هوة كبيرة وتؤثر بالسلب لأن المعيار الحالى أصبح بألفى جنيه تصدر كتابا يحمل اسمك حتى لو كان رديء المستوى، في الماضى الكتب كانت تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب وتأخذ سنوات حتى تخرج للنور، فكان هناك وقت للتدريب والتطوير، وهما أمران غير متوفرين الآن، ما يؤثر على مستوى الكتاب والكتابة بصورة عامة.